مسرحية في انتظار غودو لصموئيل بيكيت..  عبثية الوجود وفوضوية الواقع

مسرحية في انتظار غودو لصموئيل بيكيت.. عبثية الوجود وفوضوية الواقع

أياد خضير
المسرحية تدور حول شخصيات معدمة، مهمشة، ومنعزلة تنتظر شخصاً يدعى (غودو) ليغيّر حياتهم نحو الأفضل، مسرحية كانت رمزاً للمسرح العبثي،تكتنفها نزعه سوداوية وسخرية لا متناهية،التي تتمثل باستخدام التلاعب بالألفاظ او بأحداث التوتر الذي يقدم السخرية بدوره.. الرمزية تغلف كل شيء فيها هي قصة الانتظار ذاتها تتكرر عبر الأزمان والأماكن،

في نهاية الأمر أن”غودو”هو (الذي لايأتي) هو المشكلة التي بقيت بدون حلول، هو اللاسؤال واللاجواب هو اللاشيء ولهذا كانت مسرحيةً تحاور الذات، ثرثرة بلا نهاية … الانتظار في مسرحية الكاتب الايرلندي صموئيل بيكت (في انتظار غودو) بحد ذاته عبث حقيقي لا تشوبه شائبة، خاصة عندما يكون الشيء هو (الانتظار) لا وجود له أصلا أو لا معنى له..

من هو غودو؟ – هذه اللغزيه – هل هو المخلّص؟، أم القاتل، السعادة، الحزن، الموت، الفراغ، اللاشيء؟… من هو القادم الذي يقضي أبطال بيكت حياتهم في انتظاره ولم يأتي! هل هو الزمن الذي يحطم البشرية شيئاً فشيئاً ويسرقنا حتى نموت؟ أم هو العبث؟ حيث (لاشيء يحدث ولا أحد يجيء) كما تقول المسرحية..
مسرحية (في انتظار غودو) تحمل في داخلها الكثير من الترقّب والانفعال وتعتبر أفضل أعمال بيكت وأشهرها على الإطلاق، أنها مسرحية (اللامنطق) في عالم يتظاهر بالمنطق وفي داخله فوضى مرعبة، الخوف الدائم والإحساس بانعدام الأمن والهامشية عن سابق وعي ذاتي هي العناصر التي تضفي على عمل بيكت الكثير من المعنى، إن المرء يمكن أن يكون شريداً في بلده كما في الخارج، عاصر بيكت صديقه الروائي الإيرلندي (جيمس جويس) وتجاربه اللغوية في كتابته الروائية، وعاصر (كافكا) وأجوائه الداخلية وسارتر وكامو وآخرين، هؤلاء أصدقاؤه وجدوا فيها مادة غزيرة للمسرح لأنها كانت بالأصل مقاطع كتابيه تتخللها مادة حواريه حولها الكاتب إلى مسرحية من فصلين وخمس شخصيات، يأتي الانتظار فيها من باب الاستسلام للزمن أو من باب جعل الزمن الخاوي قابلاً لأن يُعاش أو يسكن وهو ذريعة لشيء آخر هو كيف نمرر الزمن عندما يحاصرنا اللامعنى، اللاتاريخ ونكون عاجزين حتى على الانتحار، وقبول الحياة هو قبول عجزنا وخلاصنا المفقود ولكن لا أحد قادر على إنقاذ أحد… ومِمَّ ننقذ بعضنا؟ أ من الموت؟ أم من العدم؟ من العجز؟ أم من القدر؟ علينا أن نتدبر أمورنا بتمرير الزمن أو الانتظار كأنه الصيغة المثلى للكشف عن خراب هذا الوجود وكما يقول بيكت نفسه في فعل الانتظار نجرّب مرور الزمن في شكله الأنقى..
تدور المسرحية في فصلين لايتغير فيهما المنظر وهو طريق مقفر ليس فيه سوى شجرة جرداء، وهي فكرة رمزية صورية تعكس عقم الحياة وعذاب الإنسان في منفاه على الأرض، ويجلس إلى جوار الشجرة في هذه البقعة الجرداء شخصان مهرجان يثرثران ثرثرة لانهاية لها ينتظران غودو الذي لا يأتي،الشخصيتان هما (استراجون)الذي يقع دائماً ضحية عدوان في الليل، إذ يتعرّض للضرب من قبل معتدين مجهولين وقدمه دائماً تؤلمه، اهتماماته على طعامه وعلى نومه وعلى آلامه.. أما الشخصية الثانية هو (فلاديمير) رجل مفكر وعقله مشغول بمناقشة الآراء والمقترحات، وهما مرتبطان ببعضهما ارتباطاً جدلياً … منذ زمنٍ طويل يفكران دائما بالانفصال عن بعضهما لكنهما لايستطيعان وهي دلاله على أن (البشرية هي نحن في هذا المكان، وفي هذه اللحظة من الزمان) كما قال أحدهم، وهما بانتظار شخص ما في يده خلاصهما مما يعانيان من ألوان الشقاء وقد وعد جازماً إنه يأتي ولكنّه لم يحدّد الوقت، ولذا فان وصوله متوقع في أيّة لحظة، المشكلة التي تواجههما كيف يقضيان الوقت؟ كيف يعيشان إلى أن يحين وقت خلاصهما، شخصان آخران واحد شخصيته رهيبة متسلطة وهو (بوزو)، يسوق أمامه تابعه، الذي يحمل متاعه، بواسطة حبل مربوط في عنقه وهو (لاكي).. وقد اختلف النقاد عند هاتين الشخصيتين قسم من النقاد قال السيد والعبد وعند البعض الأخر المضحي والمضحى في سبيله وعند آخرين القوة والعقل.. الشخصية الرهيبة (بوزو) هو الرجل القوي يعلن أن الأرض ملكه أما الشخص الآخر (لاكي) فهو لم ينطق بكلمه واحدة منذ أن ظهر على المسرح إلا عندما وضعت القبعة فوق رأسه وطلب إليه أن يفكر فهو إذن رجل الفكر الذي يسعى أن يفسّر كل شيء بالعقل، الشخص الأول المتسلط كان يظهر في البداية بأنه قوي إلا أنه يحمل هو بوادر انهياره عند اعتماده على الشخص الثاني المفكّر، من الأشياء التي يستدل عليها في المسرحية عندما تنزع القبعة من فوق رأسه في عراك يشتبك به الجميع ومن خلال هذا العراك يفقد الشخص المتسلط ساعته هنا يوحي ألينا بيكت بهذا إنه بانهيار العقل والفكر يفقد الزمن مدلوله.
يبدأ الفصل الثاني بأغنية عن كلب سرق قطعة من الخبز فضربه الطباخ حتى مات، تدور معاني هذه الاغنيه حول الحرمان والقوة والموت، نفس الأشياء القديمة نفس الحياة المملة وهي تتعاقب يوماً بعد يوم وتمضي المسرحية الى النهاية، الشخصية الخامسة غلام وهو رسول غودو يبلغ برسالة بأن غودو لن يأتي، لكنه سيأتي غداً وإنّه جادٌ بالمجيء في الموعد، وهذه الرسالة تتكرر بيد الغلام بين فتره وأخرى يلاقي نفس الأسئلة ونفس ردود الأفعال عن كل مرّة، فيقرر الانتحار لكنّه يعجز عن ذلك، وتنتهي المسرحية من دون عودة غودو، هو الغد الذي لايأتي لذلك نمضي العمر في انتظاره، نبقى نجترُّ حياتنا في الانتظار ببساطة المسرحية تحكي قصة انتظار من لا يأتي، صبغتها الرئيسية الصمت والجمل القصيرة والقلق، وبالرغم من الانتظار الطويل … يبقى الأمل قائماً وهذا جوهر القضية.
إن مسرحية في انتظار غودو، مسرح عبثي وهو تمرد على المسرح التقليدي، مسرح ضد المسرح تغلب عليه سمات، عدم المنطقية، غير العقلانية، مسرح بلا صراع، بلا حبكة، الأفكار غير متسلسلة وغير منطقية، الحوار ليس محكماً، عمل يسعى إلى تصوير محنة الإنسان في إبعادها المختلفة حيث سعى صامويل بيكت بمقدرة عاليه وفائقة في صياغة الأحداث والرمزية العالية والمكثفة والغرائبيه دلالة على أنه كاتب مقتدر استطاع أن يطوّر الحبكة المسرحية وينسف تقاليد الدراما المتعارف عليها مثلما نسف تقاليد الحوار وصولاً إلى الذروة، فالصمت مرعب وسط طبيعة جرداء والانتظار أكثر رعباً..