احيطت تربية سمو ولي العهد في مصر بالعناية الفائقة منذ الصغر، فاختير له أكفأ المربين والمربيات.
وكانت اغلب الدروس التي تلقاها سموه وهو بين الخامسة والسابعة رياضية، وقد ظهرت في سموه منذ مرحلته الاولى في التعليم رغبة شديدة في العلم، واقبال على التعليم، ونشاط في تحصيل الدروس واداء الواجبات احسن الاداء، وكانت هذه الرغبة سبباً في تقدمه تقدماً يشهد له بالبراعة، فضلاً عما منح سموه من ذكاء طبيعي ممتاز.
وكانت دروسه العلمية في اول نشأته الدراسية تقتصر على اللغة العربية، واللغة الانجليزية والحساب، والجغرافية، وكانت تساعده مربيته الانجليزية الفاضلة في اتقان اللغة الانجليزية، حتى اذا بلغ الثانية عشرة من عمره،اضيفت اللغة الفرنسية الى برنامج دراسته واخذت حصص دراسته تزداد تبعاً لسنه ومبلغ نشاطه.
ومما كان يدهش له مربوه ما ظهر من استعداده الذي كان يفوق استعداد زملائه في سنه بمراحل، ولذلك لم يجد جلالة والده مانعاً من زيادة برنامجه، فأمر بان تضاف اليه بعض علوم جديدة، وان تزداد حصص العلوم التي تحتاج الى زيادة في الوقت.
وما كاد سموه يتم العام الرابع عشر من سنه، حى كان يتلقى في الاسبوع اربعة واربعين درسأً: ما بين دروس عربية، ودروس انجليزية، وفرنسية، وتاريخية، ورياضية وعسكرية وعلوم طبيعية واشغال يدوية.
وكان يتلقى من هذه الدروس عشرة في العربية ما بين قواعد ومحفوظات ومطالعة، وكان لا يمضي يوم من الاسبوع حتى يتلقى فيه سموه درساً او درسين من برنامج اللغة العربية.
وهذه العناية باللغة العربية والدين هي اهم ما راعاه جلالة والده في تربية ولي عهده المحبوب، فجلالته يعنى العناية الفائقة بان يتقن سمو الامير فاروق اللغة العربية، ويحيط احاطة تامة بتاريخ العرب. وتاريخ مصر القديم، ويقف على الامثلة العليا من هذين التاريخين الذين يرتبطان بتاريخ مصر الحديث اشد الارتباط.
وقد طاف سمو الامر اخيراً بالاماكن الاثرية في مصر مع صاحب العزة احمد حسنين بك، فزار دار الآثارالعربية، وبعض المساجد التاريخية الشهيرة، كما زار المتحف المصري.. ورحل الى ابى الهول والاهرام، وصعد الى قمة الهرم الأكبر.
وكان الغرض من هذه الرحلات كلها غرضاً ثقافياً، ليطابق سموه بين ما تلقاه من دروس في تاريخ هذه الآثار وتاريخ اصحابها، ومشاهدها المنظورة للعيان، وليقف بنفسه على ما لهذه الآثار التاريخية من روعة وجلال، وما كان لحضارتها الماضية مآثر في الحضارة الراهنة.
وكان لعناية جلالة الملك بالعربية في تربية سمو ولي عهده أثر بارز في نشأته، فقد صار سموه يؤثر كل ما هو عربي على غيره، وكان مغتبطاً كل الاغتباط بما شاهده في المساجد ودارالآثار العربية من الفن الاسلامي. وكانت هذه الزيارات التي قام بها بمثابة دروس عملية مارسها سموه.
وقد تعود سمو الأمير النشاط والدأب في دروسه، حتى انه لم يشك مللا قط.
ولم يمانع في تلقي درسين في العربية في يوم عطلته الاسبوعية وهو يوم الجمعة، فان سموه كان يتلقى فيه درسين احدهما في الاملاء العربي والثاني في المحفوظات، فضلاً عن ان سموه قد اعتاد ان يتلقى كل يوم من ايام الاسبوع سبعة دروس مختلفة، تبدأ في الساعة الثامنة صباحاً وتنتهي في الساعة الخامسة مساء، وكل درس يستغرق خمساً واربعين دقيقة ما عدا الدرس السابع فانه يستغرق ثلاثين دقيقة.
***
تلك هي الحياة الدراسية للامير الطالب النشيط، بل الطالب النابغة الذي كان مثار اعجاب معلميه ومربيه حتى قال احدهم لنا في حديث له معنا:
"أنني درست للكثيرين من الطلاب، وفيهم من الذكاء ما يصل الى درجة النبوغ، ولكنني لم أر طالباً بكر فيه الذكاء النادر والاستعداد العلمي كما لدى الأمير فاروق، وقد امتاز بالنشاط الوافر، وقوة الملاحظة، وسرعة الخاطر، وصحة الاستنتاج وسموه الآن في السادسة عشرة من عمره.
واستطيع ان اقول ان معلوماته وثقافته تفوق ثقافة الكثيرين ممن بلغوا الخامسة والعشرين".
كل شيء والدنيا /
تشرين الاول- 1935