عباس العزاوي وكتابة التاريخ المعاصر

عباس العزاوي وكتابة التاريخ المعاصر

د. خليل ابراهيم العلاف
عباس العزاوي (1307 - 1391 هـ / 1890 - 1971 م) هو مؤرخ محام أديب، من أهل العراق.
هو عباس بن محمد بن ثامر بن محمد بن جادر البايزيد العزاوي، نسبته إلى قبيلة العزة في العراق. من آثاره «تاريخ العراق بين احتلالين”و «تاريخ اليزيدية وأصل عقيدتهم”و «تاريخ عشائر العراق»، كما نقل من الفارسية الى العربية رحلة المنشي البغدادي إلى العراق.

ولد عباس بن محمد الثامر العزاوي في البادية من لواء ديالى (محافظة ديالى) سنة 1890 ودخل المدرسة الابتدائية ثم الرشدية العثمانية (المتوسطة) وكانت ثقافته الأولى دينية،حيث درس على يد عدد من علماء الدين منهم الشيخ عبد الرزاق الاعظمي والشيخ عبد الله الموصلي والسيد محمود شكري الالوسي.. ونال الإجازة العلمية من الحاج علي علاء الدين الالوسي. دخل مدرسة (كلية الحقوق) في بغداد (القانون حاليا) والتي كانت قد تأسست في أيلول سنة 1908، سنة 1919 وتخرج فيها سنة 1921 وبدا يمارس المحاماة واستمر كذلك حتى وفاته رحمه الله في تموز /يوليو 1971.
اتجه عباس العزاوي نحو دراسة التاريخ معتمدا على نفسه. ويبدو ان لولعه بهذا النوع من الدراسات علاقة برغبته في خدمة المجتمع والعلم. والى شيى من هذا القبيل يشير العزاوي نفسه فيقول :”ولما كانت الحياة أنفاسا معدودة فخيرها ما يصرف فيما ينفع، وقد رأيت في التاريخ ما يفيد فوجهت جهودي إليه … ولاعتقادي أن الكتب التاريخية ذات علاقة بالمجتمع وكلها لا تخلو من توجيه”. وهنا يمكن القول أن عباس العزاوي كان متأثرا بالنزعة الأخلاقية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر والتي تصور التاريخ كما يقول (اكتون)، على انه فيصل للمنازعات، وشد للحيارى ونصير للقيم الأخلاقية”.
لقد كان العزاوي يرى أن الأمة في حاجة دائمة الى إثارة تاريخية تذكر بالماضي القريب والبعيد في حيلتها السياسية والثقافية.وذهب العزاوي ابعد من ذلك حينما اخذ يدعو الى اتخاذ التاريخ منبرا للوعظ والإرشاد.
وكان منهج العزاوي التاريخي يرتكز على المقولة التي تذهب إلى أن إدراك الحوادث التاريخية إذا كان صعبا فلا ريب أن توجيه الوقائع اصعب وبعبارة أخرى كان العزاوي يتوخى الحقيقة فهي عنده مقدسة. أما الواقعة التاريخية فقد بقيت عنده مصدر اهتمامه. كان يقول :”هدفنا تدوين الوقائع بوجه الصحة ولا امل لنا غير ذلك”.
اما طريقته في كتابة التاريخ وتدوين أحداثه فتقوم على أساسين هما تعيين المراجع ودرجة الانتفاع بها، والتوثق من صحتها ومع انه كان مطلعا على جميع المدارس التاريخية،إلا انه اختار طريقة (الحوليات)، وعني بتدوين المادة الخام دون تحليلها التحليل العلمي الدقيق.
إن عباس العزاوي، بمؤلفاته العديدة، يعد الرائد الأول في ميدان البحث في تاريخ العراق الحديث. لقد ترك العزاوي كثيرا من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة ويأتي في مقدمة الكتب المطبوعة كتابه المشهور”تاريخ العراق بين احتلالين”في ثمانية مجلدات، طبع المجلد الاول سنة 1935 والمجلد الثامن سنة 1956، والذي يعد باكورة مؤلفاته التاريخية ويدور هذا الكتاب حول تاريخ العراق الحديث بين الاحتلال المغولي 1258 والاحتلال البريطاني لبغداد 1917. ويليه في الأهمية كتاب”عشائر العراق”في أربعة مجلدات طبع المجلد الاول سنة 1937 والمجلد الرابع طبع سنة 1956.
وللعزاوي مؤلفات أخرى منها”تاريخ اليزيدية”1936 و”الكاكائية في التاريخ”1949 و”والموسيقى العراقية في عهد المغول والتركمان”1951 و”تاريخ علم الفلك في العراق وعلاقاته بالأقطار العربية والإسلامية”1958 و”التعريف بالمؤرخين”1957 و”ذكرى أبى الثناء الالوسي”1958 و”تاريخ النقود العراقية”1958 و”تاريخ الضرائب العراقية”1959 و”تاريخ الادب العربي في العراق”بمجلدين 1960 _1961 و”النخل في العراق”1926 ومجموعة عبد الغفار الأخرس”1949 و”منتخب المختار في علماء بغداد”1938. كما ترجم عن التركية كتاب”فيلسوف العرب الكندي”وعن الفارسية”رحلة المنشى البغدادي”والذي يصرح فيه ان الشيخ عبدالقادر الجيلاني من مواليد جيل العراق لا جيلان ايران،وانه نشا في عشيرة بشدر الكردية،مع نسبه الحسني.
ونشر العزاوي كتبا تراثية منها تفضيل الأتراك لابن حسول”1941 و”سمط الحقائق في عقائد الإسماعيلية”هذا فضلا عن نشره الكثير من المقالات والدراسات في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية.
وللعزاوي مؤلفات مخطوطة يزيد عددها عن (25) كتابا تدور حول موضوعات تتعلق بالأدب والشعر والعلوم والرياضيات والمدارس والطباعة والعقائد والتصوف والتفسير منها على سبيل المثال”تاريخ التفسير في العراق”و»تاريخ اربيل”و”تاريخ كركوك”. ونظرا للسمعة العلمية التي كان يتمتع بها العزاوي، رحمه الله، فقد انتخب عضوا في العديد من المجامع العلمية كالمجمع العلمي العراقي والمجمع العلمي العربي في دمشق ومجمع اللغة العربية في القاهرة ومجمع اللغة التركية في استنبول. كما اصبح عضوا في الجمعية التاريخية المصرية.
قارن الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار وهو أستاذ مصري متخصص بتاريخ العراق الحديث عندما كان يدّرسنا في كلية التربية بجامعة بغداد في مطلع الستينات من القرن العشرين بين المؤرخ العراقي العزاوي والمؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي المعروف بمؤلفاته العديدة عن تاريخ مصر الحديث فقال ان كلا المؤرخين اول من كتبا تاريخا موسعا لبلده وكلاهما استخدم المخطوطات واخرجا منها دراسات موثقة لذلك نالا مكانة محترمة في الدوائر العلمية العربية والعالمية وكلاهما عمل في المحاماة ولكن الشيء الذي فرق بينهما هو أن الرافعي خاض غمار السياسة في حين ظل العزاوي بعيدا عنها. كان العزاوي يطمح الى المزيد من العمل وكان يردد بان”العمل ضئيل، والامة في حاجة الى الاشتغال كثير، والعمر قصير، أرجو أن لا تضيع ساعاته وان تصرف لخير المجتمع …وخير الناس”. لقد وضع العزاوي أمام الباحثين والمؤرخين في تاريخ العراق الحديث مراجع مهمة تساعدهم في فهم التاريخ وتفسير حوادثه وكتبه، برأينا، تمثل مادة خام ذات أهمية كبيرة للمؤرخ الذي لا يقف عند العملية التسجيلية بل يذهب الى النظر الى وقائع التاريخ نظرة شمولية تضع العملية التاريخية في سياقها الصحيح وأي منصف لا يمكنه أن يتجاهل الجهد الكبير الذي قدمه العزاوي رحمه الله وجزاه خيرا على ما قدمه لبلده وأمته.
عن ( موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين)