ماجدة

ماجدة

اذا اردت ان تعيش في شهر عسل خالد مع ماجدة، الممثلة الفاتنة التي عطرت مياه النيل سمرتها وخمرتها ونشوتها، فاستمع شروطها:
يجب ان تحبها اكثر من نفسك.. يجب ان يزيد رصيدك في البنك على رصيد عبود البدراوي وفرغل.. يجب ان تلغي من القاموس كلمة مستحيل لتلبي كل طلباتها..

لاتصدقها!!
ولكن لا تصدقها، وصدقني ان هذه الشروط حبر على ورق.. ان عذراء النيل التي تذهل كل من يراها لأول وهلة تتمنى ان يشرق عليها شهر العسل وتترقب لحظاته في لهفة.. انها تستيقظ في الصباح الباكر لتسمع ايقاعاته في انغام الموسيقى وتخرج الى الفرندة لتستقبل نسائمه في عبير الزهور وترى حياته بين ظلال اشجار حديقتها الصغيرة.. تفعل هذا كل يوم منذ ان سمعت نبضات قلبها من حقها ان تعيش كانسانة لولا ان ادركت الاقدار موهبتها السينمائية فكتبت عليها ان تعيش فنانة ودفعتها بفطرتها الطيبة الى التمثيل وهي بعد تلميذة صغيرة ونضيرة في مدرسة اليون باستير.

ولدت مع الربيع
ولدت بمدينة طنطا مع مولد ربيع عام 1931 في ليلة شم النسيم، في نفس الليلة التي ولدت فيها عذارى الهة الاغريق عند سفح الاكروبول، وفي نفس الليلة التي ولدت فيها حوريات نهر التيبر في استديوهات روما، واستقين املها هذا الالهام بالالهام فسترها "عفاف" واستيقظت طنطا على اصوات تيارات النيل وهي تنشد انغاما تتردد اصدؤها مع اصداء انغام العذارى والحرويات في عيد الربيع.. وعاشت عفاف غريبة في طنطا. وكلما مضت الايام تزداد الطفلة غرابة، كانت لا تكثرت بشيء وتعبت بكل شيء، تكسر كل ما بيع في يديها وتتشاجر مع اطفال الجيران وتسير في كبرياء رغم طفولتها.
وعندما الحقوها بالقسم الداخل في مدرسة جابيس ظلت وهي في الرابعة من عمرها تتحدى المدرسات واستمرت تتحدى الراهبات في اليون باستير.

في محراب الفن
وبدأت عفاف تتهيا لدخول الحراب محراب الفن، كانت تشعر في اعماقها برغبة جارفة في ان تكون شيئاً ضخما يتحدث عنه الناس، وتهافتت على شراء المجلات الفنية لترى مستقبلها القريب على وجوه فاتنات هوليوود، ورأت في المرأة وجهها الخمري وعينيها الداكنتين وشعرها الفاحم، وحينما لمست باناملها هذه الملامح انبعثت احلامها بميكروفون الاذاعة واشتاقت الى مكانها الطبيعي امام الكاميرا، فاندفعت نحو استديو شبرا وما كادت تطرق الباب حتى ظهرت على الشاشة في فيلم الناصح باسم ماجدة، وقامت بدور البطولة في اول فيلم.
وهكذا اخذت سمراء النيل الاسمر تؤلف قصتها السينمائية برغم ثورة اهلها عليها خشية ان يجرفها التيار. فحبسوها في البيت، ولكن السمراء العنيدة لم تخضع، بل عادت الى المحراب لتحتفل بشهر العسل السينمائي في فيلمها الثاني "فلفل" مقابل 300 جنيه بعد ان مثلت فيلمها الاول في الخفاء ومجانا واستسلم اهلها تحت ضغط رغبتها الجارفة بشرط الا تغادر بيتها الى الاستديو بغير حراسة حتى لا يتدخل كيوبيد في شهر العسل..

وفي محراب الحب
وضحكت ماجدة لان من حقها ان تمضي شهر العسل مع كيوبيد، عندما تعثر على كيوبيد..
وبدأت ماجدة الناضجة تتهيأ لدخول المحراب. محراب الحب، ووضعت يديها على كتفي بدرخان ودخلت معه البلاتو لتمثل فيلم ليلة غرام.
وطغت اضواؤها على اضواء الكاميرا، ودقت الساعة معلنة بداية شهر العسل مع كيوبيد احلامها الذي لم يتجسد بعد في صورة بشرية، انها تراه في اغوار عقلها الباطن ولكن كبرياءها تأبى عليها ان تحادثه الا بالهمسات، ويابى عليها الخجل الذي يسري في دمائها ان تلاقيه الا بالنجوى، وتسمع الجماهير همساتها ونجواها فتصفق، وهكذا صنعت مستقبلها في غمضه عين وتفتحت حياتها لتجمع بين ماجدة الفنانة وماجدة الانسانة.. انها تاكل الخبز الجاف والفواكه لتحتفظ برشاقتها لكي ترضى كيوبيد الذي لم يتجسد بعد، ومن اجله تتأنق في مشيتها فتشير على الارض وكانها لا تسير، وتتأنق في نومها فترتدي بيجامات من الحرير الازرق، وتتأنق في البانيو فتغوص في المياه كل صباح لتروى بها بشرتها الخمرية وتنشرها على اعطافها وتنثر عليها خصلات شعرها، وتتانق حتى في دموعها، وحينما سطا اللص الاسود على مجوهراتها وبكت.

كيوبيد في الاستوديو
ان هذا الاحساس بحقها في الحياة يلازمها حتى في الاستديو، فان ماجدة الفنانة تكتفي بتثميل ادوار الحب على الشاشة، بينما تهيم ماجدة الانسانة بخيالها كلما ارتدت في الافلام فساتين الزفاف.
تأملها حينما عشقت انور وجدي في فيلم ذهب، وحينما مثلت دور تلميذة تعشق استاذها حسين صدقي في فيلم البيت السعيد وكيف ارتدت فستانا سواريه وحذاء بكعب عال، وحينما اختطفها محسن سرحان في فيلم انتصار الاسلام وكيف شعرت في اللحظة السعيدة بفتى احلامها، وحينما مثلت دور ابنة المحولجي وتفانت في حب جمال فارس ابن البوسطجي في فيلم فجر، وحينما تبادلت مع يحيى شاهين اعمق النظرات المكبوتة في فيلم اين عمري وكيف دفنت احساساتها حتى انطلقت في الحظة الاخيرة..

اسألوها!!
اكثر من 30 فيلما ارتدت فيها فساتين الزفاف وعاشت فيها شهور العسل بشعور محرق عارم لترضى كيوبيد الذي لم يتجسد بعد في صورة بشرية.
اسألوها لماذا لا تتزوج! ما المانع بعد ان حققت ما تشتهيه ماجدة الفنانة بجدارة من ان تحقق ما تشتهيه ماجدة الانسانة باكثر جدارة؟ ان الاف العشاق يترامون تحت قدميها.. في حادث اللص تطوع مئات الشبان لحراسة اسوار فيلتها ليل نهار مقابل ان يشتنشقوا الهواء الذي تستنشقه ماجدة.. وجاءتها رسالة من طالب يعرض مساعدتها في البحث عن مجوهراتها بشرط ان تقابله وهو يرتدي جاكتة بيضاء فيها وردة حمراء.. وذات يوم سارت بسيارتها في طريق مغلق ولحق بها كونستابل وبمجرد ان قالت له "ازيك" غفر لها خطأها.. وذات مساء جاءتها رسالة من عاشق يؤكد لها انه لا يستطيع الحياة بدونها وتبين انه غلام عمره 14 سنة.. وذات صباح وقف على بابها شاعر حالم كانت قصيدته مطالعها بحروف اسمها.. كل هؤلاء يحلمون بماجدة، وماجدة تخشى ان يمر الربيع دون ان تلتقي بكيوبيد احلامها الذي لم يتجسد بعد.

لا تسالوها!!
لا تسألوها اذن لماذا لا تتزوج.. اتركوها فانها ستعيش دائما في ربيع.. اتركوا هذه الروح الشفافة ذات الجسد الخمري تهيم كما تريد حتى تلتقي بكيوبيد، وعندئذ ستقضي معه شهر العسل على شاطئ النيل الذي عطرت مياهه سمرتها وخمرتها ونشوتها.


الجيل/ شباط 1956