عبد الفتاح إبراهيم ودوره في جمعية مكافحة الامية 1933

عبد الفتاح إبراهيم ودوره في جمعية مكافحة الامية 1933

اياد يونس عريبي
الأمية هي احدى التركات الثقيلة التي خلفها الاستعمار لجميع البلدان التي فرض سيطرتهُ عليها، حيث حرصت الدول الاستعمارية على نشر الجهل وابقاء الامية بين الشعوب المستعمرة، لكون التعليم هو احدى الادوات المهمة في تحرير البلدان ونتيجة لذلك ورث العراق تخلفاً خطيراً في مجال التعليم حيث كانت الامية متفشية، بشكل كبير بين الافراد في المجتمع العراقي، وذلك لسيطرة الدولة العثمانية والاستعمار البريطاني في بداية العشرينيات من القرن العشرين.

شهدت نهاية عقد العشرينيات افتتاح مراكز لمحو الامية التي اعتمد فيها على الجهود الطوعية والمبادرات الفردية من قبل الاشخاص، والجمعيات الخيرية فضلا عن جهود وزارة المعارف آنذاك،اذ اسهمت وزارة المعارف بالتوسع في فتح المدارس سواء في المدن او في الارياف، كما اتخذوا بعض الوسائل النافعة لمكافحة الامية، كفتح المدارس الليلية لمن لا تتسنى له الدراسة نهاراً من ابناء البلاد, حيث بلغت عام 1928 (31) مركزاً واخذت بالتوسع بشكل متذبذب لكنها لم تنسجم مع خطورة المشكلة التي يعاني منها البلد آنذاك فضلا عن عدم التوازن في فتح المراكز بين البنين والبنات نظراً للظروف الاجتماعية والتقليدية والقيود المفروضة على المرأة بشكل عام، فقد اقتصرت هذه المراكز على الذكور فقط حتى عام 1935اذ تم افتتاح 24 مركزاًلمكافحة الامية للنساء وقد ضم 634 تلميذه.
رفعت جماعة الاهالي شعار مكافحة الامية، لكن هذه الجهود كانت مشتتة ولا رابط بينها، لهذا فقد رأى الجماعة ضرورة تأليف جمعية، وكان المفكر لتأسيس هذه الجمعية هو عبد الفتاح ابراهيم، ولم تكن هذه الفكرة جديدة على المشهد العراقي، اذ سبق وتأسس المعهد العلمي عام 1922لأغراض مماثلة تقريبا.
لم تستطيع جماعة الاهالي الاستمرار في الدعوة الى تنفيذ مشروعها المقترح، وذلك عندما عطلت الحكومة جريدة الاهالي لمدة ثلاثة اشهر، فتعثرت الجهود، ولكنها لم تتوقف فقد بعثوا اثناء مدة التعطيل تلك نشرة دعوا فيها الى اجتماع وجهاء العراق لكي يتذاكروا في امر اصدار تعليم الاميين، هذا وكانت جريدة الاهالي قد اعلنت قبل تعطيلها عن تخصيصها لعددين كاملين كل منهما بثماني صفحات لمكافحة الامية، وظلت تعلن عنها الى ان عطلت وعندما عادت الى الصدور اعلنت مجدداً عن تخصيصها لعدد خاص مماثل، قالت انه سيكون بمثابة مقدمة الى الاشتغال الفعلي في هذا المشروع الجليل، فلما صدر كان حافلاً بالمواضيع المختلفة المتعلقة بمكافحة الامية، يتصدره مقال افتتاحي بعنوان (تنوير الشعب قبل كل شيء) حمل الى شبان العراق وفتياته بشارة تسرهم وتشجعهم، بأخبارهم ان في بغداد وفي غير بغداد فئة من الشباب عازمة على اتخاذ التدابير اللازمة للبدء بهذا العمل الجليل.
كانت جماعة الاهالي تسعى من وراء عملها هذا هو انشاء هياكل اجتماعية في التحرك، ذلك لأنها كانت تهدف الى احداث اصلاحات اجتماعية، فشكلت جمعية السعي لمكافحة الامية، وكانت هذه الجمعية ميداناً جديداً، لتحرك جماعة الاهالي، فقد استطاعت عن طريقها الاتصال بالأوساط الاجتماعية، كما سهلت لها تقربها من الشخصيات السياسية، وهو ما كانت تسعى لتحقيقه، فقد بذلت الجماعة جهود كبيرة من اجل اجتذاب جعفر ابو التمن، لما يتمتع به من نفوذ جماهيري واسع، وتعاطف شعبي كبير نتيجة مواقفة من البريطانيين، ونجحت الجماعة في ضمه اليها عن طريق جمعية مكافحة الامية.
وعقب اكمال كافة الترتيبات، لهذا المشروع تقدمت جماعة الاهالي الى وزارة الداخلية بطلب تأسيس جمعية باسم (جمعية السعي لمكافحة الامية) اذنت لهم بالعمل بها في 25 ايلول 1933, استطاعت جماعة الاهالي عن طريق هذه الجمعية ان تكسب الى جانبها شخصيات اجتماعية وسياسية مهمة، وان تأخذ لنفسها موقعاً بارزاً في الساحة، من دون ان تخضع لموازنات السياسة ومداخلاتها المعقدة في تلك المرحلة، ومن ثم كانت تسير بعيدة عن مضايقات الحكومة.
ان الغاية من تأسيس هذه الجمعية، هي القيام بكل ما من شأنه مكافحة الامية المنتشرة في البلاد، وقد وافق مجلس الوزراء على اعتبار جمعية السعي لمكافحة الامية خادمة للمنافع العامة حسب احكام (المادة الخامسة والعشرون) من قانون تأليف الجمعيات لعام 1922.
اوضحت جريدة الاهالي ان الغرض من تأسيسها، هو السعي لتكوين راي عام في صفوف الشعب، وفي المجلس التشريعي والدوائر الرسمية والمقامات العليا يرى لزوم مكافحة محو الامية في هذه البلاد التي لم تخرج في كثير من نواحيها من دور الهمجية الاولى، فضلاً عن ذلك الجمعية اذا ما نجحت في القيام بواجباتها، فستكون الحكومة ملزمة باعتبار مكافحة الامية وتبديد ظلمة الجهل من اهم واجباتها، وسيكون محتماً عليها القيام بذلك ووضع منهج علمي وارصاد المبالغ اللازمة لا نجاز هذا العمل في اقصر مدة نشرت صحفية الاهالي النظام الاساسي لجمعية السعي لمكافحة الامية، الذي كتبه عبد الفتاح ابراهيم، ويتألف من 18 مادة ومادتين مؤقتتين، كان في الواقع استكمالاً اكثر دقة ونضجا لمقترحات سبق للأهالي وان طرحتها بهذا الشأن.
أنضم الى»جمعية السعي لمكافحة الامية»شخصيات سياسية كان لبعضها مكانة مهمة في الحياة السياسية، كما أدى بعضها الاخر دوراً فاعلاً فيما بعدمثل: كامل الجادرجي، محمد حديد، عبد القادر اسماعيل، نصرت الفارسي، الدكتور فاضل الجمالي، عبد الكريم الازري، الشيخ محمد باقر الشبيبي، محمد بهجت الاثري، صادق البصام، شفيق نوري السعيد، خليل كنة، فليب حتي، محمد يونس السبعاوي، واحمد صالح العبدي.
اجتمعت الهيئة العامة لجمعية السعيدي لمكافحة الامية في دار جعفر ابو التمن في 25 تشرين الاول عام 1933، فانتخبت من بين اعضائها جعفر ابو التمن رئيسا للجمعية ونصرت الفارسي نائبا للرئيس وعبد الفتاح ابراهيم سكرتيرا ومحمد حديد محاسبا.
ونتيجة رئاسة ابو التمن لهذه الجمعية، توسعت دائرة تحركها، فقد استعان ابو التمن بأصحابه من اعضاء الحزب الوطني المنحل، وفتح لها فرعا في البصرة والناصرية والكوفة والحلة وبعقوبة عمل جعفر ابو التمن على توسيع نشاط هذه الجمعية الى اقامة فروع لها في مناطق العراق، وعقد مؤتمراً عاما للجمعية في بغداد حضرهُ مندوبو الفروع في العراق وقد جرى التداول في هذا المؤتمر في انجح الوسائل، لمكافحة الامية والصعوبات التي تواجه هذا العمل واتخذ المؤتمر في نهاية جلساته عدة مقررات لمكافحة الامية.
من جانبه اولى بعض اعضاء مجلس النواب العراقي اهتماماً واضحاً لمكافحة الامية في البلاد، وقد اشارت محاضر مجلس النواب لهذا الامر، ففي الجلسة 33في 3حزيران 1937، واثناء مناقشة الميزانية العامة والتخصيصات المالية لوزارة المعارف تطرق النائب صادق كمونة»ان القرى يسودها الفقر والجهل معا، ولابد لنا لكي نكافح الجهل، ان نكافح الاسباب التي ادت اليه»وقال في جلسة لاحقة»ان الامية تسود العشائر والقرى احوج من المدن الى من ينقذها من وباء الامية والجهل... لا توجد في القرى ابنية للمدارس، وانما توجد في كثير منها اكواخ من القصب، وطالب بالعناية بالتعليم القروي خارج الالوية والاقضية ليكون الشعب متناسب التفكير».
في حين اشار مكي جميل نائب ديالى»ان المبلغ المرصد لمكافحة الامية هو اربعة الاف دينار، وهو المبلغ ذاته المرصد في العام الماضي وقد كنا نامل من الوزارة ان تخصص مبلغاً ضخماً لمكافحة الامية، لاسيما وان معالي وزير المالية هو رئيس جمعية السعي لمكافحة الامية ومعالي وزير المعارف عضو فيها وطالب باجر مناقلة الفصول لتزيد مخصصات مكافحة الامية».
مما سبق يتضح ان الحكومة لم تكن جادة في مكافحة الامية التي تنخر في الكيان الاجتماعي للعائلة العراقية، او ان مكافحة الامية كانت اكبر من طاقة الحكومة وذلك لحجم التخلف الكبير الذي ورثه العراق من جراء توالي المحتلين عليه، اما الاصوات التي كانت تطالب بمكافحة الامية فكانت مشتتة تطرح مجرد اراء وينتهي الامر.
اما تمويل الجمعية فكان عن طريق الايرادات التي تردها من بدلات الاشتراك التي نص عليها النظام الاساسي للجمعية، وهذه الاشتراكات تتراوح ما بين الخمسين فلس والدينار الواحد، بعد تسديدهم لبدل الانتساب، الذي بلغ 15.360 دينار اثناء المدة من تشرين الاول ولغاية تموز عام 1934.
كانت جمعية السعي لمكافحة الامية تعمل بجد من اجل تحقيق اغراضها، وهكذا فأنها بعد ستة اشهر من مباشرتها العمل اصدرت نشرة طالبت فيها الحكومة بتخصيص عشرة الاف دينار على الاقل لمشروع مكافحة الامية، ومن الاعمال التي قامت بها الجمعية هو افتتاحها اول فرع لها في الحلة برئاسة حاكم التحقيق فيها حسين جميل، وفروعاً اخرى في العمارة والكوفة والبصرة، وموافقتها على فتح فرعين للجمعية في الديوانية والناصرية والعمل على فتح فروع اخرى في جهات العراق المختلفة، وكذلك افتتاحها للفرع النسائي للجمعية في بغداد.
وكانت هذه الجمعية تدعو في الظاهر الى مكافحة الامية بين المواطنين، وغاياتها العمل السياسي، غير ان هذه الجمعية فشلت بفعل موقف احد اعضائها السيد عبد الفتاح ابراهيم من القومية ومهاجمته لها، وهكذا انتهت حياتها، فخرج منها نصرت الفارسي لينضم الى»جمعية مشروع الفلس»و هي جمعية ترمي الى جمع مبالغ من الفلس، للقيام بمشاريع اقتصادية تساعد على تحقيق استقلال البلاد الاقتصادي ويخصص جزء من ربحها للجمعيات الخيرية حسبما يقرره مجلسالادارة. فيما بعد.
عن رسالة (الجمعيات الاجتماعية والدينية والفنية 1933 ـــ 1958)