بغداد قبل الحرب العالمية الاولى.. مصرع محمود شوكت باشا يؤجج الصراع الحزبي في بغداد

بغداد قبل الحرب العالمية الاولى.. مصرع محمود شوكت باشا يؤجج الصراع الحزبي في بغداد

د. خالد السعدون
على إثر قيام انقلاب تموز-يوليوز 1908 في اسطنبول وما تلاه من فتح فرع لجمعية الاتحاد والترقي في مدينة بغداد. فقد توهم بعض وجهاء بغداد أن (خطر الحرية) يمكن أن يهدد القيم الدينية، مما أثار خشيتهم. بينما أدرك البعض الآخر منهم ما يمثله الدستور من تهديد لأفكارهم المحافظة وامتيازاتهم الاجتماعية. فتكتل أولئك وهؤلاء في جمعية تصدرها نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن الكيلاني، وسميت”جماعة المشور.

وقد قادت هذه الجمعية هياجاً شعبياً في بغداد في السابع عشر من رمضان 1326 ﻫ (تشرين الثاني - نوفمبر 1908 م) ضد بعض الشخصيات الاتحادية، لم تستطع السلطات الحكومية السيطرة عليه إلا بعد لأي. ويدل ذلك على قوة تلك الجمعية في الأيام الأولى من عمرها، ونجاحها في استقطاب قطاع مهم من الشارع البغدادي. ويشير البعض إلى وجود جمعية معارضة أخرى في بغداد في ذلك الوقت المبكر من عمر الحكومة الدستورية، وهي جمعية”التعاون”التي أسسها رشيد باشا الزهاوي وضمت ما يقرب من مائة عضو.
ولم يغب ذلك النشاط المعارض عن ملاحظة القنصل الأمريكي في بغداد، فاعتبره «تياراً خفياً قوياً من الشعور الرجعي لدى الوجهاء من السكان المسلمين». وأضاف أن المركز القوي الذي تتمتع به جمعية الاتحاد والترقي في بغداد والمستمد من عضوية كبار المسؤولين وذوي المناصب المهمة فيها كبت ذلك التيار وحال دون تطوره إلى اضطراب فعلي. وأشار إلى انتشار قلق كبير بين سكان بغداد من احتمال حدوث شغب أثناء الأزمة التي جرت في اسطنبول وأسفرت عن خلع السلطان عبد الحميد الثاني؛ ولكن تصرف السلطات المحلية باقتدار وتنصيب السلطان الجديد أنهيا شعور عدم الارتياح بين السكان، ولكنهما لم ينهيا إمكانية تكرر ظهور ذلك الشعور”الرجعي”في المستقبل. واستطرد القنصل للقول أن العشائر العراقية القاطنة في الريف لم تكن معنية بأي شعور سياسي سواء أكان”رجعياً”أو”قومياً"، بل ظلت مشغولة بالقتال فيما بينها أو مع القوات الحكومية.
خرج النشط المعارض من قوقعته المحافظة، وتعدى نطاق كبار الوجهاء، فأخذ يستقطب بعض المتعلمين الشباب في المدينة. فقد تجمع فريق منهم حول صحيفة”بين النهرين”التي صدر العدد الأول منها في السادس من كانون الأول - ديسمبر 1909، ولكنهم ظلوا بحاجة للاحتماء تحت مظلة الوجهاء، حيث حضوا بدعم الشيخ يوسف السويدي. كما أن اهتمامات المعارضين لم تقتصر على المطالب السياسية بل شملت قضايا أخرى تهم عامة السكان الذين أخذوا يتجاوبون مع القيادات المعارضة نتيجة لذلك. فقد التف سكان بغداد حول الشخصيات المعارضة التي ناوأت خطة الحكومة الهادفة إلى بيع بواخر الإدارة النهرية الحكومية إلى شركة لنج البريطانية في شهر كانون الأول - ديسمبر 1909.كما تبدّى ذلك الالتفاف في مناسبة أخرى بعد شهور. فبعد وصول حسين ناظم باشا إلى بغداد لتولي مقاليد الولاية في أيار -مايو 1910 نشر إعلاناً في الجريدة الرسمية للولاية (الزوراء) يقضي بكتابة كافة المراسلات الرسمية باللغة التركية فقط، كما يعلن عدم قبول العرائض غير المكتوبة بتلك اللغة في دوائر الولاية. وقد سبب ذلك القرار سخط سكان بغداد، واستشهد الساخطون بما كان يجري في ولاية بيروت التي كانت المرافعات أمام محاكمها تتم باللغة العربية. وقد ترتب على تلك المعارضة تراجع الوالي عن قراره المشار إليه.
وحفلت تلك الأيام بكثرة المنشورات التي كانت تصل سراً من الخارج إلى بغداد، فتوزع على بعض سكانها أو تلصق على جدران شوارعها، وكانت أغلب تلك المنشورات مكرسة لمهاجمة شخص والي بغداد حسين ناظم باشا وتسفيه الإجراءات التي أقدم عليها في بغداد، دون أن تهتم بانتقاد الحكومة الاتحادية ذاتها.ويؤشر وصول تلك المطبوعات من الخارج انفتاح قوميي بغداد على أقرانهم في المنطقة العربية؛ كما كان الناشطون السياسيون في المنطقة العربية حريصين بالمقابل على إشراك البغداديين في تحركاتهم، فحين كان بعض متنوري الحجاز وسوريا يحاولون في خريف سنة 1911 عقد اجتماع في مكة المكرمة للتشاور فيما يجب عمله لتعزيز الوحدة الإسلامية تلقى أحد متنوري بغداد وهو الشيخ أحمد الكيلاني رسالة من عالم مكي تستفسر عن إمكانية مشاركة مسلمي بغداد في الاجتماع المزمع.وزار بغداد في غضون ذلك الوقت بعض أولئك الناشطين، فقد وصلها عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلة”العمران”في منتصف سنة 1910، ولكن السلطات ألقت القبض عليه لشكها في علاقته بقوميي بغداد، ثم رحلته من العراق.كما وصلها محمد طلعت المحرر في صحيفة”المؤيد”في تشرين الثاني - نوفمبر 1911. ووصل في حزيران - يونيو 1912 إلى بغداد الشيخ محمد رشيد رضا أحد زعماء حزب اللامركزية في القاهرة وحل ضيفاً على السيد عبد الرحمن الكيلاني.
وعلى الصعيد التنظيمي خطا النشاط المعارض خطوة مهمة بافتتاح فرع للحزب الحر المعتدل في مدينة بغداد في أيلول - سبتمبر 1911.وكان ذلك الفرع وثيق الصلة بعائلة نقيب أشراف بغداد، إذ ترأسه محمود نجل عبد الرحمن الكيلاني، مما أدى إلى نفور أبناء الأسر المنافسة من الانضمام للحزب،كما افتتح في بغداد بعد ذلك فرع لحزب الحرية والائتلاف في كانون الثاني - يناير 1912.وقد تولى رئاسة الفرع شكري أفندي الفضلي الذي كان عضواً بارزاً في جمعية الاتحاد والترقي قبل انقلابه عليها، ومن بين الوجوه البغدادية التي انتمت للفرع محمود نديم الطبقجلي صاحب جريدة”بين النهرين"، وحمدي الباجه جي وهو من طبقة التجار، والتحق بالفرع أيضاً فرع الحزب الحر المعتدل المحلول، وكان تمويل الفرع يتم بتبرعات الأغنياء من أعضائه أو من المساعدات التي كانت تصله من البصرة.والأرجح أن مصدر مساعدات البصرة هو السيد طالب النقيب، مما يؤشر عمق تأثيره على أنشطة قوميي بغداد حينئذ.
ولم تقتصر صيغ النشاط القومي في بغداد على تأسيس الأحزاب فقط، بل شملت تأسيس النوادي أيضاً، فحين عاد مزاحم الباجه جي من اسطنبول في أواخر سنة 1911 أسس”النادي الوطني العلمي”كي يكون على غرار”المنتدى الأدبي العربي”الذي كان منتسباً إليه في اسطنبول، وتم ذلك في وقت لاحق (أيلول - سبتمبر 1912) اختيار السيد طالب النقيب رئيساً فخرياً لذلك النادي، وقد أدى وجود تلك التنظيمات العلنية وما تمارسه من أنشطة إلى تنامي المشاعر المعارضة للاتحاديين في بغداد؛ كما أدت إلى تأكيد المنحى القومي العربي لتلك المعارضة، حتى غدت الطموحات والآمال القومية محور أحاديث عامة سكان المدينة. فقد راجت إشاعة في بغداد في غضون شهر كانون الأول - ديسمبر 1911 تفيد بأن العرب يعتزمون حين تنتهي الحرب العثمانية - الإيطالية إعلان شجبهم لسوء الإدارة العثمانية، ثم يقيمون خلافة عربية.
وفي غضون ذلك ظل البغداديون يتابعون ما يجري على الساحة العربية من أنشطة قومية، ويتداولون الإشاعات حولها تعبيراً عن طموحاتهم القومية المكبوتة. فقد راجت في شهر آذار - مارس 1913 إشاعة تفيد بأن عرباً مسلمين من سوريا والعراق ومصر طالبوا الحكومة المركزية العثمانية بوجوب إقامة الخليفة في بلد عربي وليس في اسطنبول، كما راجت إشاعة أخرى تزعم بأن خديو مصر سينتخب”خليفة للمسلمين"، ويرجح أن مروج تلك الإشاعة هو محمد رشيد رضا بإسناد من البريطانيين.وكانت السلطات المحلية تدرك تلك المشاعر التي تتفاعل تحت السطح، وتحاول السيطرة عليها أو تلطيفها. ومما عملته من أجل تلك الغاية تعيينها مدرسين ووعاظاً عرباً لنصح مواطنيهم وحثهم على البقاء مخلصين للحكومة العثمانية، كما تلقى والي بغداد برقية من اسطنبول تقضي بإنفاق إيرادات ولاية بغداد على الحاجات المحلية للولاية اعتباراً من بدء السنة التركية 1329 ﻫ، وهو يصادف 14 آذار - مارس 1913م. ويمثل ذلك القرار أحد مضامين قانون الولايات الجديد الذي صدر خلال ذلك الشهر، وهو دون ريب خطوة من جانب الحكومة لملاقاة مطالبة العرب بالحكم الذاتي في منتصف الطريق.
وكانت تلك المشاعر الحبيسة تعبر عن نفسها علناً في بعض الأحيان. ففي الصباح الباكر ليوم الثامن عشر من آذار - مارس 1913 وجدت نسخ من نداء تحريضي مطبوع ملصقة على جدران كثير من مساجد بغداد وحماماتها العامة، وكان ذلك النداء يحث العرب على الثورة ضد الترك، ويدعوهم للمطالبة بالحكم الذاتي أو اللامركزية. وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه انتشر هلع بين الموظفين الحكوميين في سراي ولاية بغداد بسبب إشاعة تفيد بأن البغداديين من أنصار السيد طالب النقيب زعيم البصرة سوف يحاولون السيطرة على السراي عنوة، فوضع حرس من الجند أمام المكاتب الحكومية، وعززت قوات الشرطة التي كانت تطوف في شوارع المدينة. ولم يحدث شيء على أية حال، سواء أكان ذلك نتيجة لتلك الإجراءات أو لأن الإشاعة كلها لم يكن لها أساس من الصحة. وذكر القنصل البريطاني العام في بغداد وهو يورد تلك المعلومات وجود شعور كبير من العداء للترك بين صفوف البغداديين، وأضاف أن بعض عرب بغداد يحاولون تشجيع عرب بقية مناطق الولاية على تقديم طلب موحد إلى اسطنبول لمنح حكم لا مركزي للعراق مشابه لما قيل أنه منح لعرب سوريا، وأشار إلى أن قوميي بغداد كانوا يبرزون أنباء مشاورات هامة يقال أنها جرت في قصر شيخ المحمرة بينه وبين شيخ الكويت والسيد طالب النقيب وموظف تركي ذي منصب رفيع لم تحدد شخصيته، ويروون أن هدف المشاورات هو كيفية إدارة العراق، حيث تقرر في ختامها المطالبة باستقلال العراق أو منحه حكماً ذاتياً على الأقل. وأردف القنصل العام القول أن عرب بغداد منقسمون كما قيل له إلى عدة مجموعات، تضم إحداها مناصري حركة البصرة القومية بقيادة السيد طالب. وتضم الثانية المتراسلين مع قوميي سوريا. وتضم الثالثة المتراسلين مع القوميين المقيمين في مصر. وتضم الرابعة قوميي بغداد المستقلين عن الجماعات الخارجية. وتضم المجموعة الأخيرة الميالين إلى الترك.

وحدث تطور مهم خلال شهر حزيران - يونيو 1913 في علاقة السلطات الحاكمة مع قوميي بغداد؛ إذ استغلت السلطات الاتحادية حادثة اغتيال الصدر الأعظم محمود شوكت باشا في اسطنبول لتصفية الحساب مع خصومها فأعدمت اثني عشر معارضاً ونفت ثلاثمائة وخمسين آخرين.وكانت لقوميي بغداد حصة من تلك الحملة، إذ أبرق جمال بك الحاكم العسكري للعاصمة إلى وكيل والي بغداد يأمره باعتقال أربعة من وجهاء بغداد البارزين وإرسالهم إلى اسطنبول لمحاكمتهم بتهمة علاقتهم المزعومة باغتيال الصدر الأعظم. وقد نفذ الوكيل أمر الاعتقال، ولكنه تمهل في سوقهم إلى اسطنبول منتظراً استلام أمر بذلك من وزير الداخلية يؤكد أمر جمال بك، وقد تلقى لاحقاً أمراً بإطلاق سراح ثلاثة من المعتقلين واستبقاء رابعهم كامل أفندي الطبقجلي رئيس تحرير”بين النهرين”المغلقة لإرساله إلى اسطنبول. وكان الطبقجلي إثر علمه بخبر مصرع شوكت باشا قد أبرق إلى اسطنبول معرباً عن رضاه بما حدث ومتمنياً أن يكون فاتحة خير على الدولة العثمانية. ولاحظ القنصل الأمريكي في بغداد وهو يسجل تلك الأحداث أن جمال بك عمل والياً على بغداد قبل حين، وكان على عداء مع بعض الرجال الذين ناوءوه في انتخابات مجلس المبعوثان التي أجريت في ربيع سنة 1912، ولعل المعتقلين الأربعة منهم.
أما القنصل العام البريطاني في بغداد فقد زاد صورة ما حدث في بغداد إيضاحاً بقوله أن خبر اغتيال محمود شوكت باشا وصل إلى سراي ولاية بغداد ليلة الثاني عشر من حزيران - يونيو، فأقيمت”المواليد. في التاسع عشر منه ترحماً على روح الفقيد في مدرسة جمعية الاتحاد والترقي وفي نادي تلك الجمعية ببغداد. وترتبت على جريمة الاغتيال نتيجة مفاجئة في بغداد هي إقدام السلطات في الرابع عشر من الشهر نفسه على اعتقال كل من يوسف السويدي الوجيه البارز وعضو مجلس إدارة الولاية، وكامل أفندي الطبقجلي صاحب امتياز صحيفة”بين النهرين”المعطلة، وشكري أفندي الفضلي وهو معلم من أصل كردي، وسلمان أفندي وهو محام عربي؛ كما اعتقل في الوقت نفسه في بلدة العمارة محمود أفندي [نديم الطبقجلي] المحرر في صحيفة”بين النهرين”المعطلة، وصدر أيضاً أمر باعتقال حسن صالح القاضي السابق في مدينة الديوانية، ولكنه لم ينفذ لسفر المذكور إلى مصر. ومضى القنصل العام قائلاً: «لعدم وضوح ما إذا كان سبب تلك الاعتقالات متصلاً بالحركة العربية أو باغتيال محمود شوكت باشا فقد أخبرت سفير جلالته [في اسطنبول] عنها وعن عاقبتها. لقد لوحظ أن كل الأشخاص الذين اتخذت الإجراءات ضدهم كان أحمد جمال بك حاكم اسطنبول العسكري حالياً يكرههم حين ولايته بغداد في السنة الماضية، وقد أعلمني بعدها مصدر موثوق أن الاعتقالات تمت بتحريض منه شخصياً. أحس الناس بسخط عظيم على معاملة السويدي المتمتع باحترام كبير والذي لم يكن ولاؤه الفعلي مشكوكاً فيه قط. هناك حديث عن اضطراب وعن محاولة لإطلاق سراحه عنوة، سعى أشخاص بارزون كثيرون لصالحه، خاصة محمد فاضل باشا [الداغستاني] المفتش العام الحربي الذي يتمتع رأيه بوزن كبير بسبب رتبته وسنه ومركزه ونزاهته ومشاعره الوطنية المعروفة. لقد أجل على كل حال إرسال المعتقلين إلى اسطنبول لمحاكمتهم بشكل عاجل أمام المحكمة العرفية. وفي السادس عشر من حزيران - يونيو أطلق سراح المعتقلين جمعيهم عدا كامل أفندي الذي قيل أنه أرسل برقية سخيفة إلى يوسف عز الدين الوريث الشرعي [للعرش العثماني] مهنئاً إياه على موت الصدر الأعظم، فوضعها سموه على الفور بأيدي الشرطة).
شهد النصف الثاني من سنة 1913 ترجح كفة حكومة الاتحاد والترقي في صراعها مع معارضيها، بعد أن تمكنت القوات العثمانية من استعادة مدينة أدرنة في يوليو - تموز من تلك السنة. فعاد الاتحاديون إلى انتهاج سياسة القمع تجاه خصومهم في الولايات العربية، ومنها بغداد، حيث أخضع عبد الرحمن باشا الباجه جي لتحقيق سري بناء على بلاغ قدمه فرع جمعية الاتحاد والترقي في بغداد إلى الوالي واتهم فيه الباجه جي بالتعاون سراً مع السيد طالب النقيب زعيم معارضي البصرة. وحققت السلطات في بغداد في تشرين الأول - أكتوبر 1913 مع ثمانية من المتهمين بالنشاط القومي المعارض، هم:
1 - يوسف السويدي.
2 - رشيد بك الخوجة، وكيل رئيس أركان القوات الحربية في بغداد.
3 - مزاحم الباجه جي.
4 - عبد الكريم السعدون، أحد مشايخ قبائل المنتفق.
5 - الشيخ سعيد النائب، مدرس الأعظمية.
6 - حمدي الباجه جي.
7 - محمود نديم الطبقجلي.
8 - بهجت زينل.

وقد علم القنصل البريطاني العام في بغداد الذي أورد تلك المعلومة أن والي بغداد حاول إغلاق تلك القضية عند ذلك الحد، ولكن السلطات العليا في اسطنبول لم تطاوعه.ومع ذلك يبدو أن مزاحم الباجه جي فقط من بين أولئك المتهمين هو الذي صدر بحقه حكم قضائي، مما اضطره للهرب إلى البصرة والاحتماء بالسيد طالب النقيب.
ولم يردع ذلك القمع الحكومي قوميي بغداد من التعبير عن آرائهم بصراحة. فقد اجتمع مجلس ولاية بغداد في تشرين الثاني - نوفمبر 1913 برئاسة الوالي، وطالب فؤاد الدفتري خلال الاجتماع بتبني مبدأ”العراق للعراقيين". وسارع الوالي للطلب من الدفتري إعادة ما قاله، فلم يتردد، بل أكد قوله وبين استعداده للدفاع عنه. وطلب الوالي من مقرر المجلس تدوين ذلك كله في محضر الجلسة بشكل دقيق.ويبدو أن بقية أعضاء المجلس، أو أغلبيتهم على الأقل، تضامنوا مع زميلهم الدفتري، فصوتوا على قرار يتبنى تلك الدعوة.

عن بحث :النشاط العربي في بغداد1908-1914