ماذا يقول عقل نجاة؟

ماذا يقول عقل نجاة؟

كان كامل الشناوي يسميها دائما"الضوء المسموع".. وكنت اقول له ان ذلك يذكرني بقول"جالينا اولانوفا"راقصة الاتحاد السوفيتي الاولى.. عن الباليه:"انه الموسيقى التي تراها العين او الرقص الذي تسمعه الاذن"!
وكان كامل الشناوي يقول عنها ايضا انها"الفتاة التي حملت اعباء الحياة بلا كتفين!، وكانت المطربة تعشق كلمات الفنان الشاعر، وتحفظها!

تقول نجاة:
- هذه الاقوال المأثورة عن عصارة افكار الكتاب والادباء والفنانين.. وانا احب ان احفظ اكبر عدد منها.. ان قولا واحداً من هذه الاقوال يساوي في نظري عشرات الكتب:
واسالها: واول ما تحفظينه منها؟
فتجيب: كلمة برناردشو التي كان يرددها امامي كامل الشناوي دائما:"انهم يقولولن.. ماذا يقولون.. دعهم يقولون!".
وتردف نجاة.. انني في انتظار ظهور كتاب"ساعات"الذي يضم اقوال كامل الشناوي وتاملاته التي من هذا النوع.. وان كنت احتفظ بالقصاصات التي نشرها منه في الصحف..
- ومن من كتاب الصحف ايضا تقرئين؟! ت
تقول نجاة:
* موسى صبري في بساطة تغيراته، ووضوح معانيه، وجمله السهلة المريحة المتعلقة باخلاص واقتناع بما يكتب انه يخاطب الشخص مباشرة، تماما كالمطرب الذي يخاطب اذن المستمع مباشرة!
* زكي عبد القادر في رقته وحيائه المبسوط الواسع الهادئ الجميل الذي يشبه رقة خيوط الاوبيسون على لوحة جميلة!..
* امينة السعيد في عباراتها المليئة بالنصح والنضج والفهم في بابها"اسالوني".. وهي تبدو في اسلوبها وغقليتها المرنة دائما كاستاذة في جامعة"مشاكل الحياة"قضت مدة خدمة طويلة وتريد ان تمنح خبرتها للناس..
* جليل البنداري في ركنه اليومي"مع النجوم"..
وقد اصبحت قراءة خليل احدى عادات الصباح التي اؤديها بطريقة اوتوماتيكية..

وماذا عن الكتب يا نجاة؟
- انا لا احب قراءة القصص.. لست ادري لماذا اشعر انها"حواديت"! ولكني اميل لقراءة الكتب المتعلقة بتحليل النفس البشرية.. بعض كتب سلامة موسى مثلا حبستني ساعات طويلة في حجرتي حيث كنت اقراها فلم استطع ان اقطع قراءتي لها.
وتشدني ايضا كتابات المراة.. احث ان اقرأ للادبيات.. وفي يدي الان فعلا كتاب الدكتورة نوال السعداوي، مذكرات طبيبة!.. وهو في اعتقادي نوع من"ادب الاعتراف"لانه كما يبدو يروي قصتها.. وهذا واضح من سياق القصة والاسلوب النابع بمشاعر الكاتبة المخلصة.. وقد يكون هذا هو السبب في نجاح الكتاب كعمل فني جاد ومخلص.. وانا احب كتابات النساء لانهن يكتبن بعمق واحساس واخلاص... كعادتهن في الحياة!.
ان نجاة فنانة ذكية.. وهي تحاول ان تقلد ذكاء عبد الوهاب.. لكنها تنفي لي عن نفسها الذكاء.. تقول فقط ان احساسها كجهاز"الردار"تلتقط به كل ما حولها.. ثم تصدر احكامها سريعة فلا تعقيب.. ولكن اذا ما انتابها التردد.. فقدت القدرة على الاستجابة لاحاسيسها وبالتالي توقف جهاز الردار!
وهي لذلك تفكر طويلا قبل ان تتعلق.. تحاول ان تختار الالفاظ.. تخاف احيانا فتخفي نفسها وراء الصمت!.
* تقول الفتاة التي حملت اعباء الحياة بلا كتفين:
- انت تسألني عن"عقد الطفولة".. طفولتي غريبة جدا.. لانها طفولة بلا طفولة!.. فقد احترفت وانا في الخامسة.. اصبحت مسئولة عن كل اخوتي وعددهم 11 اخا واخت الا لم اكن في هذا الوقت افكر في"عروسة"لعبة مثلا او قطعة من الشيكولاته او شيء مما يرغبه الاطفال.. بل كان من الخطورة ان افكر في مثل هذه الاشياء..
من غير الطبيعي ان يكون تفكيري طبيعيا.. وكلما اكبر تكبر مسئوليتي.. لذلك لم اشعر بطفولتي..
طبعا كان لهذا تاثير في اكثر من ناحية.. اولا انا اشعر الان اني انتهيت من قضاء الفترة التي يقضيها الانسان عادة في العمل.. المفروض الان ان اكون في المعاش.. في احيان كثيرة اشعر اني متعبة لاني بذلت مجهودا ضخما.. مسئوليات مستمرة.. مسئوليات فن، وزواج، وتربية طفل.. ثم اهم من ذلك كله مسئوليات النجاح.. ان صيانة نجاحي وحمايته ورعايته وتنبهت والذود عنه فهد اي عنوان – وما اكثر جوانب العدوان في الحياة الفنية – كلها تستهلك مني طاقة ضخمة!
ان اعتقد ان نقصا تولد عندي بسبب طفولتي.. فقد كان يجب ان امر بفترة اعده الاحساس بالمسئولية في الطفولة! لانها في اعتقادي شيء لا بد منه، مثل الغداء للانسان وربما هذا هو سبب احساس في اكثر الاحيان يأتي متعبة!.
ولكن اثر التدريس المستمر طوال فترة طفولتي انعكس على صوتي الان.. وهذا هو الجانب المشرق من عقدة طفولتي.
* عقدة اخرى.. كنت اشعر دائما انني اخضع لسيطرة الرجل.. كان الرجل في البداية ابي.. ثم اخي"عز".. وفي النهاية زوجي.. تخلصت تماما من سيطرة الرجل.. وغنيت"اسهر وانشغل انا"فكانت بداية ميلادي الفني!.
* ثم عقدة ثالثة.. فانا لم ادخل في حياتي مدرسة.. تعلمت حروف الهجاء من ابي.. ورحت احاول قراءة اسماء الفنانين تحت صورهم في الصحف والمجلات.. اركب الحروف لتصنع كلمة.. والكلمات لتصنع جملة.. عملت نفسي القراءة بالفعل واحببتها وتعلمت اللغة الانجليزية عن طريق مدرسة خاصة.. اصبحت الان اساعد ابني وليد في دروسه الانجليزية الثالثة ابتدائي كلية النصر!
- وزواج الفنان من تجربتك الخاصة؟
- ببساطة.. انا اعتقد ان الفن اتاني.. يريد ان ياخذ كل شيء من الفنان.. والفنان لا بفن على فنه بشيء.. يمنح.. يبذل له كل طاقته بسخاء.. فالفن ياخذ من الفنان صحته ونشاطه وطاقته وايضا عاطفته.. والفنان يسعد بتقديم كل هذا لفنه.. والنتيجة الا يبقى شيئا للزوج!
"ماي سويت".. كما يطلق عليها ابنها"وليد"8 سنوات.. وبالعربي "حلوتي".. حدثيني عن طموحك يا حلوتي.. كيف ترين مستقبلك الفني.. ومستقبل الاغنية العربية؟
- طموحي.. انا لا افكر في ذلك.. لا اريد ان اكون مليونيره مشهورة.. فقط اكون مطمئنة.. الاطمئنان ولو في بيت اقل من العادي.. هذا يكفي جدا.. ولكن عندما ابدا في عمل فني اجدني ابذل قصارى طاقتي من اجل ان يخرج هذا العمل الفني غاية في الامتياز.. لا استطيع ان اقنع بالمجد.. وانما لا بد من التفوق.. فاذا شعرت مثلا اني متعبة ولو 1% امتنع عن الغناء مهما كان الامر.. وانا مثلا اغني اغنية واحدة في السنة لاني انتقيها من بين مائة اغنية خشية ان تكون النتيجة 8 على 10 مثلا!
ولذلك فانا طموحي وفني.. لا استطيع ان افكر في اكثر من العمل الفني الذي اعده.. لا استطيع ان اعرف بعد 10 سنوات ماذا ساكون.. ولا بعد سنة واحدة.. انا لايمكن ان اقطع تذكرة سينما للاسبوع القادم مثلا.. فكيف تريدني ان اعرف كيف ساكون بعد 10 سنوات؟!
اما مستقبل الاغنية العربية.. فقطعا سيتحقق لها تغير كبير.. فالاغنية الان بهذا الشكل الذي عليه اصبحت لا تحتمل البقاء!.. وايضا طريقة الغناء امام المسرح.. طبعا لن يقف الفنان مصلوبا امام الميكروفون على المسرح ليغني.. هناك ميكروفونات جديدة غاية في الصغر، بحيث تعلق تحت"كولة"الفستان.. وانا ادرس الان استغلالها.. ولا شك ان ديكور المسرح مستمر بالنسبة للاغنية الفردية وسينتقل المطرب في ارجائه ولن يترر المعنى في الاغنية اكثر من مرة. ولن يتكرر غناء كلمة او جملة اكثر من مرة،"فالكلمة"التي كان يغنيها صالح عبد الحي في ساعة، اصبحت"موفقا"يغني في ربع ساعة، ثم"قصة كاملة"تغني في 5 دقائق!
في طريقي الى بيت"نجاة".. في زيارة اخرى.. كنت افكر.. هذه الشابة المثبتة بالاحسان المرهف.. التي جلست اليها هذا الاسبوع لاتذوق معها في حديث طويل كأس المرارة التي تجرعتها وهي طفلة.
وعاشت تمد طاقتها لاخوتها الكثيرين.. ثم عادت تتجرعها وهي تواجه الصراع مع نفسها، من اجل ان تقيم مستقبلها الفني.. فتحرم نفسها من عواطفها.. وتردد كلمات عربية تؤكد فيها:"لقد تخلصت من سيطرة الرجل"!
ترى.. هل كان الرجل – دائما – يسيطر؟
اليست في حاجة الى الرجل.. الى الحب والحنان!
تقول نجاة:
- ببساطة.. مرة اخرى.. الفن يستولي تماما على الفنان.. فلا يترك له شيئا حتى عواطفه نحو الاخرين! وانا لا اشعر بالحرمان لاني أم.. وعاطفة الامومة تستوعب كل العواطف الاخرى وتستهلك كل حناني.. وانا اعتقد الى جانب هذا ان الفنان لا بد ان تسلمه الحياة شيئا.. وقد اثرت الحياة ان تسلبني هذا الشيء.. الزواج؟ وحاولت ان استمر في المناقشة..
- وسعادتك العواطف؟
-"الامومة"بلا شك.. اجمل العواطف واعظمها واكثرها ازعاجا ايضا!.. لك ان تتصور احساسي العصبي عندما يذهب"وليد"الى السينما من 2-6 ويتاخر حتى السادسة والربع.. ثم لك ان تتصور ايضا احساسي عندما يصل في السادسة والربع!؟.. الامومة هي اكثر الاشياء التي تربط الانسان بالارض.. لولاها لطرت!.. لكنها مسئولية مليئة باللذة.. فالطفل هو الشيء الوحيد الذي يسعد بلا مقدمات.. فكم اكون في منتهى الارهاق.. ثم يدخل على"وليد"فابني كل شيء واكاد اسمع قلبي يضحك!!.
- واذا خيرت بين الحب والفن، والشهرة.. ماذا تختارين؟
- الفن قبل الحب والسهرة.. واذا ماجاء الفن ستأتي الشهرة.. ولا داعي للحب.

واستسلمت!..
ولكن نجاة في رأيي في حاجة الى من تقول له كلمات نزار التي يلحنها لها عبد الوهاب:
تعود شعري الطويل عليك
تعودت ارخيه كل مساء..
سنأمل قمح على راحتيك
تعودت اتركه يا حبيبي..
كنجمة صيف على كتفيك..

احمد صالح
آخر ساعة/ نيســـان- 1967