فوّهات في جسد اللوحة في تجربة راكان دبدوب

فوّهات في جسد اللوحة في تجربة راكان دبدوب

شاكر مجيد سيفو
يتحرك الفنان راكان دبدوب، بتركيباته البصرية، في منطقة التخييل التي تتشكل في تنامي رموزه الفائضة في قصديتها؛ إذ يجتهد في إزاحة المفارقة في بعدها الشيئي ليبثّ، منها، مكاناً مغايرًا يتشكل ولحظة الخلق؛ بأبعادها الجمالية والزمانية والمكانية المفترضة، وتتراءى له، بمخياله الشخصي، ممارسة نوع من الصوفية.

إنّ الفنان راكان دبدوب يرى الى تبادل الوظائف الشكلية في العمل الفني تواصلاً لكل المنظومات الجمالية وأنساقها الحادة، وهذا ما يتمظهر في مخيلته الضاجة بالمرجعيات واستنطاق محمولاتها في الرؤى المثيولوجية والصوفية، حتى يصل بوعيه الفني الجدلي الاستثنائي، الى مشهدية بصرية ترسّخ من فاعلية تشفيراته. النص التشكيلي، في تجربته، مفتوح وبمساحة يقترحها على السطح التصويري عبر رؤيات تعبيرية تجريدية، يحدس بعوالم وتأسيسات لأبنية تتدفق بعواطفه، لتشير بهذا الأستبطان الذاتي، إلى مدى حبّه وصدقه وصوفيته وموجات بثّ أخيلته ومظاهر البعد المعرفي للوحاته، وتداعيات مخياله الميثولوجي، وأنساق التجريب والتجريد، والبعد الرؤيوي الذي يتشكل في بنيان عالمه التعبيري، ليتمظهر في السطح البصري، محموله الوجداني مقترنـًا بالأيروتيكي الذي يتمثل في رموزه البارزة في الثقوب والفوّهات التي تتشكل في جسد اللوحة، إذ تمنح هذه الثقوب دلالات متعددة تتشظى من داخل المتن الجمالي والمعرفي للوحة، وتقترح بعدًا رمزيًا وإيقاعًا يمنح الفكرة حيازتها الوجدانية والجمالية والسيسيولوجية، حيث تظهر هنا الأبعاد الاستعارية لمرويات كامنة في ذاكرة الفنان، إذ تندفع كل هذه المادة ببعدها الوجودي الأنطولوجي، بتلقائية وتوتر وانزياح نحو حافة التشكيل. إنّ الفنان راكان دبدوب يمتلك قدرات هائلة في التحرك بتعبيرية تجريدية لحدس عوالم مغلقة؛ قريبة وبعيدة، ظاهرة وغائرة. يتوق الفنان راكان دبدوب الى حلم التماهي مع مسلات مدينة نينوى، وهو بهذا يضرب في الأعماق؛ تتدافع عنده الأزمنة التي تتخلّق بالرموز والأساطير وسكنى الإنسان الرافديني، ويتحقق هنا هذا الالتئام بين التشكيلي والشعري والمعرفي والمقدس؛ بين الواقعي والخيالي التعبيري والسوريالي.
يوفر الفنان، وهو يجمع بين هذه الأنساق أبعادًا رؤيوية تفتح كوًى في جسد اللوحة، حيث يوهم بوجود العنصر البشري عن طريق توظيف عناصر رئيسة ارتكازية للوحة، منها الحرف وأسلوبيته المتميزة في النحت والغرافيك، وهي تتداخل في ما بينها، حين يضفي عليها ألواناً تجمع مكوناته الدلالية الناطقة بسيميائية الحرف والرموز المحلية تأريخًا وتراثاً وفولكورًا، ومن أقواس وقباب وقناطر، تتحرك الثقوب على مساحة سطح اللوحة بامتياز تشكيلي جمالي، تمثل: جرمًا أو مسمارًا، شمسًا، عينـًا، أثداءً، فوهات، فتحات جسدية، وتتقارب مع الحرف العربي في طبيعة أشكالها ودلالاتها. إن تجربة الفنان راكان دبدوب تأخذنا الى تجريد سوريالي، وفي نفس الوقت الى التعبيرية الطافحة بتعددية المعاني والأشكال والمضامين والنوايا التي تحرك على قوس الزمان، حيث يجلس محدّقـًا في الفراغ الذي يلي لوحاته.