اعداد: ذاكرة عراقية
ولد الدكتور صائب شوكت في بغداد سنة 1898 من أبوين عراقيين حيث ينتمي إلى عائلة عريقة ومعروفة. هو الأخ الأصغر لكل من السيد ناجي شوكت رئيس الوزراء الأسبق والدكتور سامي شوكت.درس وتخرج من مدارس بغداد المحلية وهو في سن الخامسة عشرة من عمره. تخرج من كلية حيدر باشا الطبية في أسطنبول سنة 1918.كان الأول على دورته حيث كان عدد الطلاب 480 طالباً.
أرسل إلى برلين لإكمال تدريبه على يد الاستاذ (بير) الألماني.وحاز على درجة دكتوراه في الجراحة من جامعة برلين وكانت أطروحته حول علاج حصاة الكلية.
عاد إلى العراق في سنة 1920 مع مجموعة من أطباء الرعيل الأول مثل الدكتور أبراهيم الآلوسي، شاكر السويدي والدكتور هاشم الوتري لاحقاً.وفي شباط 1922 عين جراحاً في مستشفى العام الجديد والذي استحدثته السلطات البريطانية لعلاج أفراد الجيش الهندي حيث بنيت بصورة بدائية من الطين واللبن والقصب وجذوع النخيل حيث عمل مع الدكتور كامبل مايكي البريطاني الجنسية.وفتح عيادة خاصة وكان يمارس عمله في أجزاخانة الاعتماد بالصابونجية صباحاً وبعد الظهر في أجزاخانة الصباح في منطقة قاضي الحاجات ويشمل معالجة الحالات الجراحية بالإضافة إلى إجراء تحاليل طبية.
في سنة 1923 أنتقل في عمله كجراح في المستشفى العام الجديد إلى المستشفى الملكي (المجيدية) حيث تم إخلاء المستشفى العسكري البريطاني إلى مستشفى الهندي في معسكر الهندي (الرشيد) جنوب بغداد.عين مساعداً لمدير المستشفى الملكي وهو الدكتور دنلوب وهو بريطاني الجنسية وكان في الخدمة العسكرية ولكنه تخلى عن رتبته العسكرية واستمر في الخدمة المدنية.كان من المتحمسين لتأسيس كلية الطب وذلك لسوء الوضع الصحي وقلة الأطباء آنذاك.
في سنة 1926 أرسل إلى بريطانيا لأغراض التدريب ومعرفة أصول التدريس والتحضير لافتتاح الكلية الطبية.عند افتتاح الكلية الطبية سنة 1927، كان العراقي الوحيد بين أساتذة الكلية الأجانب.و عين استاذاً في الجراحة السريرية في الكلية الطبية لطلبة الصفوف المنتهية بالإضافة إلى كونه استاذاً في قسم التشريح العملي لطلبة الصف الأول والثاني.وفي بداية سنين الكلية قام أيضاً بتدريس جراحة الأنف والأذن والحنجرة لطلبة الصف الرابع.
عين رئيس الوحدة الجراحية الثانية في المستشفى الملكي.وعين رئيس القسم الجراحي العام في المستشفى حيث تفرغ لتدريب الأطباء.وعين مدير لمستشفى الملكي العراقي.وقد قام بأعمال وخدمات لتطوير المستشفى وذلك لخدمة المرضى والمساعدة في تدريب الطلاب والأطباء.كما وسع الردهات الأولية وأنشأ مرافق صحية كاملة.وشيد بناية ذو طابقين ومدفئة مركزية وتحتوي على ثمانية ردهات من 12-20 لأقسام الجراحة.
وسع صالة العمليات الكبرى الملحقة بالردهات الأولية أي بين الردهة الثالثة والرابعة.شيد صالة عمليات كبرى متكونة من ثلاث قاعات جراحية مجهزة بأحدث الأجهزة والأدوات الطبية.
ساهم في تأسيس معمل لتصنيع محاليل الزرق.وساهم في تأسيس معمل لتصنيع الحليب المبستر لمرضى المستشفى وخاصة الأطفال.في سنة 1938 عقد في بغداد المؤتمر العربي الأول حيث عمل على تآخي الكليات الطبية العربية خاصة مع كلية الطب في القاهرة وقد ألقى الشاعر الكبير علي الجارم قصيدته والتي مطلعها: بغداد يابلد الرشيد ومنارة المجد التليد.
عين عميداً لكلية الطب في بغداد لأولv مرة من تاريخ 9/1939 إلى 6/1941.في سنة 1939 صدر كتاب تاريخ الطب في العراق للدكتور هاشم الوتري والدكتور معمر الشابندر حيث أشاد بإنجازات الدكتور صائب شوكت كواحد من المتحمسين لتأسيس الكلية وأبرز المساهمين في التدريس في الكلية.ساهم في إيفاد عدد من الأطباء إلى أوروبا وبريطانيا للتخصص وهؤلاء كانوا الرعيل الأول لاساتذة الكلية العراقيين.كان الدكتور صائب شوكت مثال للاستقامة والجدية حيث كان يحث الطلاب على الانتظام في الدوام والتحاقهم بقاعات الدروس والمختبرات وأجنحة المستشفى التعليمي.استحدث نظام الاقامة للأطباء الجدد وما فيه من فوائد على تدريب الأطباء والحصول على الخبرة اللازمة.و بعد أحداث سنة 1941 وبسبب المشاكل أعتزل الدكتور صائب شوكت العمل الطبي حيث قضى فترة ما يقارب على الأرجح سنين في تركيا في جزيرة (بيوك أده).وبعد عودته إلى العراق عين جراحاً أقدم في مستشفى الكرخ ثم نقل بعدها إلى الكلية في سنة 1953.
شارك في مقررات المجلس التأسيسي لجامعة بغداد سنة 1957 وذلك لحماية مصانع الكلية الطبية.وعين عميداً للكلية الطبية مرة ثانية من تاريخ 8/1954-1958.وأجريت انتخابات للجمعية الطبية العراقية في سنة 1956 وانتخب رئيساً للجمعية الطبية. وقدحافظ على الهيئة التدريسية لجميع الكليات التابعة لعمادة الكلية من تدخل المسؤولين الذين استلموا مهام وزارة الصحة.
ساهم في تخطيط وتأسيس مدينة الطب وهو الذي أطلق عليها هذا الأسم عندما كانت مجرد خرائط على الورق.اقترح على مجلس الإعمار بناء مستشفى تتسع لعدد أكبر من الطلاب وبعد عدة جلسات تم تخصيص المبلغ الكافي للبدء في بناء مدينة الطب.وكانت أول زيارة له لمدينة الطب في تشرين الثاني 1974 لزيارة غير رسمية مع العلم إنه لم يدعى لافتتاح مدينة الطب بسبب الظروف السائدة آنذاك.واصل العمل في عيادته في شارع المتنبي بالإضافة إلى أعماله لادارة مزرعته في منطقة الدورة جنوب بغداد.وكان يجيد اللغة الألمانية والأنكليزية والعربية.كان معجباً بأراء جالينوس، الزهراوي وأبن سينا.
و نشر كتاب تاريخ المعاهد والمستشفيات في العراق. وترأس نادي المثنى منذ تأسيسه وحتى سنة 1941 ولكنه لم تؤثر ميوله المعادية للاستعمار على علاقته بالأساتذة الأنكليز في إدارة وتدريس في مؤسسة الكلية.
عضو مؤسس في جمعية الهلال الأحمر العراقي.ويمتلك مكتبة تحتوي على 700 كتاب باللغات العربية، الأنكليزية والألمانية.وكان كريم الخلق متواضع رحيماً بالمرضى ومحباً لطلاب الكلية.
توفي رحمه الله في 13/2/1984 وكان عمره 86 سنة.(عن مقال للفاضلة ايمان البستاني)
ذكرياته عن مصرع الملك المغفور له فيصل ألاول
وذات يوم تعرض الملك فيصل الاول الى الم في بطنه وقشعريرة برد فارسل البريطانيون طبيباً باطنياً هو الدكتور (سندرسن) وجراحاً اخصائياً هو الدكتور (براهام) فقالا
ان الملك مصاب بالملاريا ولكن حين دعي الجراح العراقي المعروف الدكتور (صائب شوكت) لفحص الملك قام على الفور بتحليل دم الملك فتبين ان مرضه ليس بالملاريا بل انه التهاب الزائدة الحادة وان الزائدة بوضع متقيح وعلى وشك الانفجار ومن المعلوم لدى الاخصائيين ان تقيح الزائدة يؤدي الى برد وحمى شديدة مع الم في ايمن البطن ويقول الدكتور صائب شوكت بعد خروجي من غرفة الملك بلغت رستم حيدر وهو من حاشية الملك عن ذلك وقلت له ان الملك في حالة خطرة ويحتاج الى عملية جراحية مستعجلة فاجابني كيف نتمكن من اقناع البريطانيين واطبائهم؟ فأجبته ان المسألة بسيطة للغاية فاني سوف اخذ نموذجا من دم الملك واجري تحليله في المستشفى فاذا كان المرض هو الملاريا فسوف تظهر جراثيم الملاريا في الدم. واذا كان المرض هو التهاب الزائدة الدودية فسوف يظهر تراكم في عدد كريات الدم البيضاء وبالفعل اخذت نموذجا من دم الملك فيصل الاول وذهبت الى المستشفى وكان مدير المختبر هوبريطاني يدعى (دكي) وهو استاذ محترم وليس من المشعوذين فطلبت منه ان يفحص دم الملك لمعرفة الملابسات وعند فحص الدم تبين وجود تزايد عظيم في كريات الدم البيضاء ولا اثر لوجود جراثيم الملاريا فرجعت بتقرير فحص الدم موقعاً من قبل الاستاذ (دكي) وكان حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر وهذا كان موعد قدوم الطبيبين البريطانيين فأقبلا وانا هناك واندهشا حين شاهداني فطلبت منهما ان نذهب الى غرفة الملك وعند فحصنا اياه كانت اعرا ض التهاب الزائدة واضحة بدرجة انهما لم يتمكنا من الاعتراض عليها فقدمت لهما تقرير فحص الدم فأقرا بصحة تشخيص المرض. وقررنا معا اجراء عملية مستعجلة حالاً وقبل المساء فذهبت مسرعا الى المستشفى وحملت معي طاولة العمليات وجميع ما تحتاج العمليات من الات واضمدة ووسائط التخدير قمنا باجراء العملية في مساء ذلك اليوم فقام الدكتور (سندرسن) باعطاء المخدر وقمنا أنا والدكتور ابراهام باجراء العملية فظهر وجود التهاب شديد في الزائدة التي كانت متقيحة وعلى وشك الانفجار. وكان المصل الذي قد تسرب منها الى داخل البطن فسبب ركوده تقلص الامعاء وبعد ثلاثة ايام بدأت الامعاء بالعمل وزال القيء وزال الخطر عن حياة الملك.
ذكرياته عن الملك المغفور له غازي
ويقول الدكتور [ صائب شوكت ] طبيب الملك غازي الخاص ما يلي:
إنه عندما تأكد من وفاة الملك غازي، كان عبد الإله وتحسين قدري بالقرب مني. دنا تحسين قدري مني وهمس في آذني أن الأمير عبد الإله يرجوك بأن تقول بأن الملك أوصاك قبل وفاته بأن يكون عبد الإله وصياً على ولده الصغير فيصل، ولكني رفضت ذلك رفضاً قاطعاً قائلاً له إن الملك غازي كان فاقداً الوعي فور وقوع الحادث وحتى وفاته
كنت أول من فحص الملك غازي بناء على طلب السيدين [نوري السعيد] و[رستم حيدر] لمعرفة درجة الخطر الذي يحيق بحياته، وأن نوري السعيد طلب إليّ أن أقول في تقريري أن الحادث كان نتيجة اصطدام سيارة الملك بعمود الكهرباء. وأنا أعتقد أنه قد قتل نتيجة ضربة على أم رأسه بقضيب حديدي بشدة، وربما استُخدم شقيق الخادم الذي قُتل في القصر، والذي كان معه في السيارة لتنفيذ عملية الاغتيال.
نادي المثنى بن حارث الشيباني
في عام 1935 تقدم رهط من الشباب القومي بطلب الى وزارة الداخلية بافتتاح ناد اجتماعي الغاية منه بث الروح الوطنية والشعور القومي بين الشباب العراقي تحت اسم"نادي المثنى"تيمنا بالقائد العربي المثنى بن حارثه الشيباني, وقد تم اختيار هيئته الادارية من بين الاعضاء المؤسسين للنادي فقد تولى السيد صائب شوكت منصب رئيس النادي ومحمد كبة نائبا للرئيس, وسعيد الحاج ثابت امينا للصندوق وعبد المجيد القصاب سكرتيرا , فيما تم اختيار اعضاء اخرين للأشراف على لجان النادي الثقافية والرياضية والاقتصادية والفنية والدعاية والخدمات الاجتماعية.
تضمن برنامجهُ نشر الثقافة العربية واحياء التقاليد القومية , والعمل على رفع المستوى الاخلاقي , والعلمي والاجتماعي وتشجيع روح الرياضة والرجولة بين الشباب , كما اكد على اهمية الاسرة في المجتمع , وشجع على الزواج وقدم منح للمتزوجين المعوزين , ودعا الى رفع مستوى المرأة الثقافي والاجتماعي لتنال حقوقها , كان تأسيسه بمثابة النواة لظهور التيار القومي العربي في العراق, ولهذا النادي حفلات اسبوعية لاستماع المحاضرات ومجاذبة الاحاديث.
كانت الاجتماعات العامة تعقد في مقره , ويلقى أعضاؤه المحاضرات في المواضيع المختلفة كالآداب والتاريخ والاجتماع ويصدر الكتب والرسائل والكراسات, وكان يستقبل الوفود والشخصيات العربية الوافدة من البلاد العربية , ويتبادل معها الاحاديث التي تخص الشأن العربي.
اصدر النادي مجلة خاصة به عرفت , بمجلة"المثنى"نسبة الى اسم النادي فقد صدر العدد الاول منها في 27 اب 1936وكرست المجلة عملها لخدمة النادي واستقطبت عددا من المفكرين العرب , فقد نجحت بشكل كبير في تثقيف الناس , وكان لنادي المثنى دوراً كبيراً في تنمية الثقافة العامة للشباب , فقد عمل بعزم على تعزيز العلاقات والروابط الشبابية بين الشباب العراقي وشباب دول المشرق العربي.
وكانت لنادي المثنى علاقات متبادلة مع بقية الاندية , كعلاقته مع نادي الجزيرة في الموصل الذي كان اعضاؤه دائما يتوافدون على نادي المثنى, فضلا عن اقامته للصلات مع النوادي العربية في دمشق مثل النادي العربي.
نتيجة للتقارب الفكري بين"جمعية الجوال"ونادي المثنى انضمت الاولى الى نادي المثنى مع الاحتفاظ بكيانها داخل النادي , حصل ذلك في صيف 1936 حين توقفت مجلة الفتوة عن الصدور بعد عددها الاخير رقم 21في 4 تموز 1936وحلت محلها مجلة"المثنى بن حارث الشيباني"وهكذا لم يعد ممكنا فصل تاريخ الجمعية عن تاريخ النادي.
كما لا يمكن اغفال دور النادي السياسي في انتفاضة نيسان-مايس 1941الذي ادى الى اغلاقه من الحكومة , بعد ان وجهت له اتهامات عديدة , فصدر امر الغلق من قبل وزارة الداخلية بكتابها المرقم (329) في 7 نيسان 1942 , فضلا عن الغائها اجازة النادي , كما شمل الكتاب ايضا الغاء اجازة جمعية الجوال للأسباب نفسها,وبعد مدة تمت مصادرة النادي وممتلكاته وتحويلها لصالح نادي اخوان الحرية الذي تأسس كمنتدى للبريطانيين واعوانهم.