الملامح الفكرية السياسية لمحمود أحمد السيد

الملامح الفكرية السياسية لمحمود أحمد السيد

د. علي ابراهيم
في أكثر من مكان يؤكد محمود أحمد السيد على دور العمال ويعدهم “قوام الحياة”. والسيد لم يكن اصلاحياً بل كان ثورياً يدعو إلى التغيير الثوري حيث يقول: “اذا كان في نيتكم يا قوم إن تنهضوا, فاهدموا بناءكم القديم المتداعي الأركان بدلاً من الترقيع والترميم أقيموا بعده صرح نهضتكم الجديدة التي ترغبون”. وهذا ما ورد في مقدمة مقالة (الحكمة العجوز)

الذي يسخر فيها من تلك الأمثال التي تدعو الى الخنوع والسكينة واليأس والقبول بالأمر الواقع. لايترك محمود أحمد السيد أيةَ فرصة سانحة دونَ أن يتحدث عن الجانب الطبقي فنراهُ في قصة (بداي الفايز) وهي إحدى قصص مجموعته (في ساع من الزمن) يتحدث عن فيضان الفرات يقول: “الخطر كان اعظمَ ما يكون في الضفة اليسرى من النهر، لأن أهلها كانوا أقلَ تهديدا من جيرانهم أهل الضفةِ اليمنى وأرضهم أوطأ من أرضهم وسدودَهم أضعفَ من سدودهم” ولا يكتفَي بهذه العمومية بل يفصل ويفرق بين الرؤساء في كلا الضفتين الذين يمتلكون الدور والاراضي وبين الفلاحين المعدمين.

وفي مقالة (أدب اليوم) يدعو الى النبوغَ في العلمِ والاجتماعِ قبلَ الشعرِ والخيالِ. ومواقف محمود أحمد السيد في رواياته وقصصه ازاء معالجة الموضوعات الاجتماعية واضحة فهو يدعو إلى:
1- حرية المرأة ومساواتها وبخاصة في اختيار شريك حياتها.
2- محاربة الجهل، الذي جعل البلادَ وأهلها في اتعس الحالات.
3- نشر العلم والاكثار من فتح المدارس.
4- موقفه الطبقي من الاغنياء فقد جاء على لسان (حسن الفراتي) في رواية (مصير الضعفاء) “يندر بين أغنيائنا من يهتم بالمصلحة العامة، وفائدة الوطن”.
5- دعوة لمقاومة المحتلين الانكليز بعد أن احتلوا البصرةَ فالقرنةَ فالعمارةَ عنوة، فتغير الحالُ وتنكرت الأيام للناس، وأقيمت المشانقُ للهاربين من صفوف الجيش”
6- تناول السيد موضوعات من الريف العراقي.
7- كان للسيد موقف واضح من الغرب ومن أمريكا تحديداً. وهو متحيز لنضال الشعوب ضد المستعمرين، فهو مع السود ضد التمييز العنصري (الأبيض) ومع الشرقي ضد الغربي...الخ وموقفه من الغرب ليس مطلقاً فله استثنائاته، نراه يميز بينَ فلاسفةِ الإفرنج الذين يحتقرون الشرقَ والجنسَ الشرقي وبين غيرهم.
8- السيد منحاز للاشتراكيةِ ويراها “تثبت دعائمَ الحياةَ الصحيحةَ الراقيةِ ومبادئَ التضامن العام واحترام الحريةِ الشخصيةِ وربط الفرد بالجماعةِ ارتباطاً يكون به لهم ويكونون له”
9- نسمعه وكأنه يصرخ “انبذوا هذه التآليف الخرافيةَ الجديدةَ من روايات بوليسية وقصص غرامية وحكايات خياليةٍ أتتنا من بلاد الإفرنج”.
هل نتبين من هذا الحديثِ موقفَ السيد من الجديد؟ أم هو موقف من أدب الغرب الوافد الينا عن طريقِ الترجمةِ؟
من يقرأ أعمال السيد يجدُ أنه لاينفي كل جديدٍ بشكلٍ مطلق بل كانَ واعياً بالاتي لنا من الغرب محدداً اياه بما هو طارئ على الثقافةِ وهو ينبذ كل قديم ويدعو الى حرقِ الكتب البالية العتيقةِ. وما يؤكد هذا الكلام قراءاته المتنوعة فقد قرأ لشارل وانير و (سر تطور الامم) لجوستاف نوبون والذي ينعته بأحد غلاة الوطنيةِ الإفرنجيةِ ومن كبارِ أقطابها وقرأ أميل زولا وتولستوي تشيكوف وفولتير وغوستاف ونظريات دارون وجان جاك روسو وغيرهم كثيرين.
10- كان السيد يميل إلى العلم والإجتماع قبل الشعر والخيال إذ يقول: “يجب أن يقرأ الشعبُ كتبَ الحقائقِ العلميةِ والعبرِ الإجتماعيةِ قبلَ السفسطاتِ والخيالاتِ”.
11- والسيد كان مطلعاً على الفكر المادي وقد وجدنا إشارات في قصصه ورواياته ففي قصة (جماح هوى) يشير إلى احدى شخصيات هذه القصة وهو مدرس يعتنق المذهب المادي ويذكر أن د. شبلي سميل من أول الدعاة اليه في الشرق العربي
12- كان السيد يروج للنضال ضد الاحتلال وهناك إشارات كثيرة في قصصه واعماله فيشير إلى النشاط المعارض المنظم المعلن وغير المعلن يذكر مثلاً “الجمعية الاستقلالية التي تعمل في خفاء شديد”
13- ويشير الى ثورة العشرين التي انهت عهد الاحتلال البريطاني العسكري المباشر للعراق.
14- موضوع الحرب من المواضيع التي تركت بصماتها على قصص السيد نجد ذلك واضحاً في (أبو جاسم)، (الدفتر الأزرق) وغيرها من قصصِ مجموعتهِ القصصية (في ساع من الزمن).

المرأة في فكر ونتاج السيد
وعلى الرغم إن المرأة في أعماله يظهر وجودها متناسباً مع وجودها في الواقع العراقي، فمثلاً لم تظهر في (مصير الضعفاء) الإ في نهاية الرواية. والسيد مولع بترميز شخصياته بالحروف وكذلك بعض الأمكنة وبخاصة الشخوص النسوية كما في قصة (رسالة هجر) حيث نقرأ “لترافقني إلى حيث نتنزه في (ص) أو حدائق (ك.ر) وفي قصة (شرق الهوى) يرمز للفتاة النبيلة بالحرف (س)، دون أن يكون هناك مسوغ فني حيث نرى الكاتب في مكان آخر يذكر أسم الشخصية الصريح (سليمة إحسان)، ولا يهمنا أن يكون هذا الاسم صريحاً أم مستعاراً. ولم يقتصر استخدام الحروف على النساء والمكان بل تعداده إلى الرجال أيضاً فهو يستخدم الحرف (ف) رمزاً لفتى قبيح فقير في تهذيبه. وهذا كله ليس بمعزل عن طبيعة العلاقات السائدة وتأثير الرقابةِ الاجتماعيةِ والسلطويةِ.
ويعالج في قصصهِ قضيةَ محو العار وتطهير العرض من الدنس كما هو الحال في (نكتة العمامة) والتي تتركز على حكاية شعبية معروفة ربطها بموقف الغرب من تلك العادة التي تعبر عن بدوية الفرد العراقي التي تدفعه لارتكاب جريمتين قبل أن يتحقق من صحة المعلومة ولكي لايقال له أن في عمامتك نكتة سواء. وهي قصة ساذجة لم تضف شيئاً جديداً للحكاية الشعبية ولم يوظفها توظيفاً فنياً وفكرياً أكثر مما هي عليه. ويرسم لنا السيد صورةَ المرأة العاهرةِ التي لم تخلق بغياً ولم تكن سليلةَ عائلة فاسدة بل كانت سيدةً طاهرة عفيفةً مطلقةً ثم تجعلها الظروف وهجر حبيبها لها بشكل مفاجئ تنحدر باتجاه الخمرةَ والتدخينِ ويرينا من خلالها بيت الدعارة كفضاء انتقالي هذا النموذج من النساءِ يتجسد في شخصية عاتكة في القصة التي تحمل الاسم نفسهُ، وفي قصة (الذكرى) يرينا المرأة الريفية ذات الوشم الكثير والخلاخل من الذهب والأساور والضفائر. كما يتناول شخصية الراقصة والمرأة المخدوعة والمطلقة.
وفي الجانب السياسي تبني الرحال والسيد قضية المرأة ضمن نشاط المجموعة التي كانت تجتمع في غرفة محمود أحمد السيد في الحيدر خانة ولكنهم “دخلوا معركة تحرير المرأة وكرسوا لها معظم نشاطهم الفكري والصحفي دون أن يرسموا لهم خطأ واضحاً لمعركتهم أو غاية سياسية ينشدونها من ورائه، كان كل مايشغل بالهم هو ان ينتصفوا للمرأة ويهاجموا قيماً وأعرافاً تهضم حقوقها ودون أن يفكروا بردة الفعل وآثارها”. ولكن ينبغي القول أن تبنيهم لهذا الموضوع في ذلك الوقت يعد جرأة منهم ويضعهم في مصاف الرواد المدافعين عن حقوق المرأة العراقية في مجتمع سادت فيه العلاقات الاقطاعية وشبه الاقطاعية ونمط عيش هجين في المدينة وما تفرضه هذه الأنماط من علاقات اجتماعية وبخاصة العلاقة بين الرجل والمرأة. ويرى السيد ان المرأة في الرواية والواقع مظلومة مستلبة الحق كهؤلاء العمال وهذا الفهم الذي يجمع بين اضطهاد المرأة الاجتماعي وبين اضطهادها الطبقي العام يدل على وعي السيد المبكر لهذه القضية المستعصية.

محمود أحمد السيد مترجماً
يرى محمود أحمد السيد أن من واجب الأدباء أن يدخلوا القصة الى مكتبتنا عن طريق ترجمة مختارات من الآداب المختلفة وبخاصة “الآداب الشرقية من روسيا وتركيا، متحفظاً على نقل القصص الإفرنجية بسبب الاختلاف النفسي على حد تعبيره. وقد مارس الترجمة عن التركية، ونشاطه في هذا المجال اتسم بالمنهجية وضمن اختيارات تتوافق وتوجهه الفكري والسياسي. فنراه يسبب اختيار قصص رشاد نوري لترجمتها وذلك لكونه “نزاع في قصصه الى الحرية معبودة الفريق الناهض من الشعوب الشرقية المكدودة في هذا العصر، نزاع إلى هدم التقاليد البالية، نزاع الى شن الغارة الشعواء على المحافظين الراجعيين” وهكذا يمكن القول أن السيد كان منسجماً مع روحه الشرقية ومع عصر العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي حيث الجهل والتخلف والأمية السائدة في المجتمع ومن الصعب استثناء المثقفين عن عموم السكان بل أن المثقف كان يعيش ازدواجية جديدة متأتية من الصراع بين الثقافة الجديدة التي تلقاها عبرَ علاقاته واطلاعه على حضارة الغرب وثقافته والاقتناع النظري بمنطلقاتها وبين موروثه الثقافي الاجتماعي التاريخي الكامن في بناء شخصيته. وبما أن السيد يجيد اللغة التركية فقد اقدم على ترجمة بعض القصص التركية لرشاد نوري ولأرجمند أكرم وترجم تلخيصاً لرواية (البعث) لـ(تولستوي) وامتازت تجربة السيد في الترجمة بما يلي:
1- يلجأ لتقديم تلخيص للرواية محاولاً اعطاء فكرة عما يدور من أحداث ثم يصور لنا طبيعة الشخصيات وحركتها داخل الفضاء الروائي.
2- يختار القصص التي لها مساس بواقع المجتمع العراقي.
3- نجد الحس الطبقي واضحاً في اختيار قصصه المترجمة ويمكننا الإمساك بتحيزه للمظلومين وأبناء الطبقات المعدمة وكذلك الموقف ضد الطبقات الأرستقراطية.
4- نجد أن محمود السيد يخرج عن النص المترجم ويطرح رأيه ثم يستطرد في توضيح موقفه من أحداث الرواية ويتمادى اكثر من ذلك فيقطع حديثه ويدعوك للعودة للقصة لمعرفة الواقع بدقة: “أشير عليك بقراءة نصها لتطلع عليها بأوضح مظاهرها.. ولنعد” ويعود إلى الترجمة النصية للرواية.
5- نلاحظ بين طيات القصة أو الرواية المترجمة مجموعة من الآراء النقدية اذ لم يقتصر عمله على ترجمة العمل مختصراً فقط بل يحاول تحليل وتقويم الموضوع فكرياً وجمالياً فهو يقول على سبيل المثال لا الحصر في تقييمه لرواية (البعث) ل(لتولستوي) “وأني لأسخر من هذه الخاتمة حقاً”

بعض الملاحظات الفنية
في كتابات السيد
يتوزع نتاج محمود أحمد السيد بين القصة والرواية والمقال الصحفي. ووجدت كما وجد الباحثون من قبلي وكما يراه السيد نفسه أن النتاج القصصي للسيد قد مر بمرحلتين الاولى تمثلت بكتبه الثلاثة: (في سبيل الزواج) و (مصير الضعفاء) و (النكبات) وقد كتبت هذه الأعمال خلال عامي (1921-1922) ثم انتقدها السيد وعدها “روايات غرامية فاسدة وسخيفة” واتسمت بالبدائية والسذاجة “ولا قيمة فنية لها إنما تأتي أهميتها من كونها تمثل مرحلة أولى من مراحل الكاتب الفنية، وتعكس في الوقت ذاته طابع القصة العراقية وخصائصها في الفترة الأولى من العشرينات” . ويمكننا القول إن السيد أول كاتب ينتقد نفسه بهذه الجرأة وهذا ما يؤكد جدية كاتبنا وحرصه على تطوير فن القصة والرواية في العراق.
والمرحلة الثانية والتي جاءت بعد توقف دام خمس سنوات ثم بدأ من جديد وقد استهلها برواية (جلال خالد) والتي عكست تجربته وحسين الرحال في الفترة التي قضاها في الهند، ثم كتب بعدها مجموعتين قصصيتين هما: (الطلائع) و (في ساع من الزمن) وتمتد هذه المرحلة من 1928 إلى 1939.ويمكن أن تعتبر كتابات السيد الصحفية المرحلة الثالثة من حياة السيد لا بترتيبها الزمني بل لأهميتها الفكرية والفنية حيث تناولت مواضيع مهمة منها دعوته لتحرير المرأة والوقوف ضد القديم البالي والترويج للتفاعل مع الجديد.
منذ أن ظهرت الرواية عالمياً وهي تهتم برسم الشخصيات، ويشكل الزمكان عصب الرواية الأساسية أضف إلى ذلك أموراً أخرى لها أهمية كبيرة أيضاً ومنها السرد القصصي، الوصف، التزامن والتناوب، وكل العناصر والأساليب التي لابد من توافرها في الرواية. ولكن من الصعب بل من الخطأ التعامل مع نتاجات السيد أو غيره من الرواد بأدوات نقدية حديثة على الرغم من أن هذه الأدوات عالجت وتعالج النتاج الأدبي الذي ظهر في القرن التاسع عشر أبان ظهور روائع الأدب الروسي والفرنسي والإنكليزي والأمريكي.
أننا نتعامل مع كتابات محمود السيد ليس بمقاييس الحقبة الزمنية التي ظهرت فيها تلك الروائع بل بمواصفات الحالة الاجتماعية-الاقتصادية-السياسية للمجتمع العراقي في العشرينات من القرن العشرين وهي الحالة التي تنعكس على واقع الثقافة المتخلف قياساً بما وصل إليه الغرب.
ظهور السيد جاء أثناء وبعد مرحلة ظاهرة قصص الرؤية ورواية سليمان فيضي (الرواية الايقاظية) وعلى هذا الأساس وبسبب إخلاصه لفن القصة وتواصله معها كماً ونوعاً يعد محمود أحمد السيد رائداً للقصة العراقية و”أن بداية القصة في العراق ظهرت في العشرينيات من القرن العشرين هي الفترة التي يمكن أن تورخ بها بداية القصة الحديثة في العراق”
ويذهب د. عبد الإله أحمد الى أبعد من ذلك حيث يشير إلى أن السيد “من الروائيين الذين شاركوا في بناء القصة العربية ووضع أسسها لا القصة العراقية وحدها” وقد بنى الدكتور عبد الإله رأيه هذا على اساس التزامن بين بدايات السيد ومحمود تيمور وغيره من الرعيل الأول من كتاب مصر، ولكن هل يمكن أن يعد التزامن أو المجايلة أو الريادة سبباً لأن يأخذَ الكاتب مثلَ هذا الدور الكبير؟
أعتقد أن ذلك لايكفي إطلاقاً، هناك أسباب أخرى كثيرة منها نوع النتاج وسعة انتشاره في الوطن العربي وموقف النقاد من الكاتب كل هذا وغيره يجعل الكاتب يتبوأ موقعاً ريادياً ولكنا لم نلمس ذلك لا في الدراسات التي تناولت هذه الموضوع ولا في تصريحات كتاب ذلك الزمان. ولا حتى في تقويم د. عبد الإله أحمد الذي يعد قصصه في مرحلته الأولى عبارة عن أحاديث أجتماعية أتخذت شكل القصة تسرد بطريقة تقريرية جامدة، وتخلص إلى نصائح ومواعظ ودروس بالأخلاق فيها ضعف في الحبكة والأسلوب وهي قصص طويلة مختصرة وأنت “تقرؤه فترى أنك أمام دفتر لأحد طلاب المدارس الثانوية وترى اغلاطه النحوية والإملائية كما ترى ضعف الربط بين الجملة والجملة والعبارة بالعبارة”
ونحن إذ نسلم بهذه الحقيقة لا يعفينا الواجب والإخلاص من البحث المتواصل سواء في تلك البدايات أم في أدب محمود أحمد السيد الذي نحتفل اليوم بمرور قرن على ميلاده وكل ما قلناه وسوف نقوله لا يقلل من مكانة السيد الريادية في فن القص والفكر التقدمي.
الملاحظ على السيد هو ولعه في توظيف نماذج أجنبية واتخاذهم ابطالاً لقصصهِ ورواياتهِ فقد كتبَ السيد رواية كاملة أبطالها من الهند-أصلاً وأسماء-تدور أحداثها في فضاء روائي ليس عراقياً هو (بومبي) هذه الرواية هي (في سبيل الزواج) التي لايربطها بالعراق سوى أن كاتبها عراقي. وتجدر الإشارة إلى أن السيد نشر ملخصاً لهذه الرواية دون ذكر الأسماء..
ربما أستخدم السيد الشخصيات الأجنبية وسيلة للتخلص من الرقابة سواء أكانت أجتماعية، وهي ماتفرضها العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، أم سلطوية التي تقف بالضد من حرية التعبير. وهذا الأسلوب ليس جديداً في القص العراقي فقد سبق السيد، عطاء أمين الذي وظف الحلم (الرؤية) وغيره يستحضر التاريخ ويسقط عليه موضوعاً من الواقع.
إن موضوع رواية (في سبيل الزواج) لايتطلب تهرباً من أية رقابة ف(أورانجي) أحد الشخصيات الرئيسية يسكن في قصر كبير وليس لديه سوى ابنته الوحيدة (كستور) وهذه ترتبط بجنارمان سراً وهناك رجل يدعى (فتى الجبل) وهو لص وزعيم عصابة مشهور أحب (كستور) ولم يستطع والدها رفض طلبه بينما رفض تزويج ابنته من حبيبها (جينارام) الذي كان سباقاً في طلب يدها. ويترك الكاتب القارئ حائراً لايدري لماذا يرفض هذا الشاب الذي يمتلك كل الصفات التي تؤهله للزواج وفي نهاية الرواية يكتشف الروائي سر الوالد حيث يظهر أنه كان لصاً وشريكاً لفتى الجبل. إذ أن موضوعها عادٍ ويمكن أن يكتب في فضاء ما من بلادنا، وشخصيات عراقية.
أعتقد أن ذلك ممكناً وهذا مافعله الكاتب نفسه في روايته الثانية (مصير الضعفاء) والتي كتبها بعد سنة من الرواية الأولى أي عام 1922 وكانت أحداثها تدور بين الموصل وبغداد متناولة موضوعاً متشابهاً. واحياناً ينهي السيد روايته بموعظة مباشرة مثلما رأينا في ملخص قصة (في سبيل الزواج) حيث يختمها بهذه الدعوة على شكل تساؤل “متى يفيق الشرقيون من رقدتهم فيقتصون للمرأة من الذين هم لها معادون وعليها حانون ولروحها قاتلون” ويتكرر هذا الوعظ في قصة (ناصح القوم) من مجموعة النكبات وفي قصص أخرى غيرها. محمود أحمد السيد وزميله حسين الرحال موضوع مهم ومتشعب وفيه مجالات واسعة تحتاج إلى الدراسة والبحث وهذه مساهمة أولية أطمح إلى توسيعها في القريب العاجل.