ما احوجنا الى صراحة  شو !

ما احوجنا الى صراحة شو !

فقد العالم منذ ايام كاتبا هذا، صوت شهرته بحر"الماتش"الذي يفصل بين وطنه والقارة الاوربية، وداعت في اصقاع العالم قاطبة.. ذلك هو"برنارد شو"، الذي اثرى الادب بقصصه ومؤلفاته، واضحك الملايين بسخرياته ونقدائه.. فانتهت بوفاته، وهو في الرابعة والتسعين من عمره، حلقة من حلقات التاريخ..

ان من يذكر اسم"برنارد شو"، او يقراً شيئا من كتاباته يحسب ان هذا الاديب الكبير قد وصل الى ما وصل اليه دون جهد يذكر.. وربما ظن الناس ان الرجل اعتمد على عبقريته، ومضى يكتب في هدوء واطمئنان حتى اتته الشهرة"منقادة اليه تجرر اذيالها"– كما يقول الشاعر العربي – ولكن الواقع ان"شو"جاهد في سبيل ما وصل اليه خمسين عاما متوالية لم تقل ساعات عمله في يوم منها عن اربع عشرة ساعة في اليوم!..
وكان شو من طلاب الشهرة اول الامر، فكان يكتب عن نفسه في الصحف بامضاء يرد على كتتاباته تحت امضاءات مستعارة كذلك.. وكان اذا دخل مجتمعا لا يطمئن حتى يلفت انظار الناس جميعا ويصبح موضع اهتمامهم..
ولكنه لم يكن يطلب الشهرة لذاتها، بل لانه كان يرى كتاباته مليئة بالذكاء، والفهم والنفع، وان نفعها لا يتحقق على الوجه الذي يرجوه ما لم يقرأها الناس جميعا، ومن ثم فلا بد من اتخاذ سبيل الدعاية حتى يعرفها الجمهور.. ووفق"شو"الى ما اراد فما ان تبين الجمهور قيمة كتاباته حتى اقبل عليها، واصبحت كتبه تباع بالملايين، ومسرحياته تعرض مواسم باكملها في كل نواحي الدنيا..
***
وقد اشتهر شو بسخريته اللاذعة، حتى شخصه تناوله بالنقد الشديد.
ولكن سخريته لم تكن تقوم على تكلف الفكاهة، واصطناع المفارقات، بل كانت تقوم على عرض الحقائق سافرة امام الناس، فيرون التناقص الظاهر بين افعالهم واقوالهم، ويرون غرورهم وغباءهم فيتملكهم الضحك من انفسهم!
فمن سخرياته العملية انه ذهب مرة الى احد المسارح مرتديا"جاكتة"من"القطيفة"سنجابية اللون، فاستوقفه العامل، ومنعه من الدخول، وسأله شو عن السبب، فقال العامل:
- هذه الجاكتة!.. انها غير لائقة!
فابتسم شو، وخلع الجاكتة ووضعها على ذراعه وحاول الدخول، ولكن العامل منعه مرة اخرى، فالتفت اليه شو وقال:
- اعترضت على الجاكتة فخلعتها، فماذا تريد الان!! اتظن انني سأخلع شيئاً آخر؟
والح عليه، يوما، شاب في ان يستمع الى مسرحية الفها، فوافق شو وجلس يستمع للادب الشاب، ولم تنفض دقائق حتى كان شو يقط في النوم! فاسرع الشاب يوقظه، واحتج قائلا:
- يا سيدي.. لقد اردت ان اعرف رأيك في القصة..
فاجاب شو:
- النوم هو رأيي!
واعجب الناس ذات ليلة باحدى مسرحياته اعجابا شديدا، فجعلوا يصيحون طالبين مثول المؤلف على خشبة المسرح.. واضطر شو الى الظهور على المسرح ليشكرهم.. وبينما هو ينحني شاكرا اذا باحد المتفرجين يصيح:
- مسرحية سخيفة لم ار في حياتي اسخف منها!
فنظراليه برنارد شو وقال:
- هل تعتقد ذلك حقا!
- طبعا!
فقال شو:
- وانا كذلك من رأيك.. ولكنك ترى اننا اثنان، ولا نستطيع شيئا حيال هذا العدد الكبير من الناس!!

من سخريات برنارد شو
الح مصور صحفي على"برنارد شو"ان يلتقط صورة له وعبثا حاول"شو"ان يرده عنه، واخيرا اراد ان يلقي عليه درسا قاسيا، فاذن له بالدخول.. ثم استمهله برهة ودعاه الى حجرة مكتبه، فلم يكد المصور يدخل الحجرة حتى ارتد مذعوراً.. اذ فوجئ بما لم يكن يتوقعه.. كان شو يقف عاريا كما ولدته امه، وقد علق ملابسه على"الشماعة".. ونظر اليه المصور نظرة تساؤل فقال له شو.
- انت تريد تصوير جورج برنارد شو؟ ها انذا يا صديقي! اما اذا اردت تصوير ملابسي فها هي ذي معلقة رهن اشارتك!!
* وعثر"شو"في احدى المكاتب التي تبيع الكتب القديمة على كتاب كان قد اهداه الى صديق له. وعليه عبارة الاهداء موقعة بامضائه.
فاشترى الكتاب وارسله الى الصديق نفسه بعد ان كتب تحت عبارة الاهداء الاولى هذه الكلمات:"اكرر اهداء الكاب الى الصديق الوفي!".
* واشتبك في مناقشة مع احد علماء الرياضة، ودعم العالم نقاشه باحصائية رسمية واختتم مناقشته بقوله:
- هذا هو منطق الارقام يا مستر"شو"والارقام لا تكذب!
فابتسم"شو"وقال:
- من قال ل كان الارقام لا تكذب، خذ مثلا على كذب الارقام: اذا كان في طاقة رجل ان يبني بيتا في عام واحد.. ففي طاقة 365 رجلا ان يبنوا هذا البيت في يوم واحد، وفي طاقة 8760 رجلا بناء هذا البيت في ساعة واحدة.. هذا منطق الارقام!
وقبل ان يثوب العالم من دهشته قال له شو:
- بل اليك مثلا آخر: سفينة تعبر المحيط في ستة ايام، اذن ففي امكان ست سفن ان تعبره في يوم واحد!
* واعترف"شو"بانه لم يؤخذ على غرة في خلال نقاشه الا مرة واحدة حيثما ابدى رأيا بان الرجل اصدق رأيا من المرأة، وابعد منها نظرا، ثم التفت الى زوجته لتؤيد رأيه وسألها:
- اليس كذلك يا عزيزتي؟
فاجابته:
- بلا ريب يا عزيزي.. والدليل على ذلك انك اخترتني زوجة.. وانني قبلت!
* وكان يستمتع بالسباحة في جنوب افريقيا، وعلى مقربة منه لفيف من الشبان لا يعرفونه فتراهنوا مع احدهم على ان يعاكس"الشيخ". ويقوم"بتغطيسه"تحت المياه.. وظل الشاب يحوم حول"شو"ولا يجسر على التقدم، ولاحظ شو تردده، فسأله ماذا به فلم يتمالك الشاب ان صارحه بالرهان، فقال له:
- انتظر حتى أخذ نفسا عنيفا واغطس لتكسب الرهان من هؤلاء الوقحاء!
وقد نفذ شو فكرته وعاد الشاب ظافرا بالرهان..
* وكان مولعا بالعمل بعض الوقت في حديقة منزله، فمرت به سيدة نزلت بالبلدة حديثا، ووقفت ترقبه وهو يشتغل بهمة ونشاط، ولم تلبث ان دعته وهي خارج سياج الحديثة وسألته:
- كم يبلغ الاجر الذي تتقاضاه عن عملك؟
- انا اشتغل مقابل الاكل والنوم والكساء فقط!
- تعال للعمل عندي وانا اجزل لك الاجر..
- لا استطيع يا سيدتي..

الأثنين والدنيا /
تشرين الثاني- 1950