توفيق الحكيم يطالب بحق نشر ذقنه ويقرر النوم لتاليف مسرحية جديدة

توفيق الحكيم يطالب بحق نشر ذقنه ويقرر النوم لتاليف مسرحية جديدة

في حديث الأديب الكبير الاستاذ توفيق الحكيم مادة لا تنقد من السخرية والجـد والفكاهة والتفكير المنطقي السليم.
وحديثه في موسم الصيف يختلف عن حديثه في موسم الشتاء، اما في الربيع والخريف فان صاحب "شهر زاد" يصمت عن الكلام المباح، ويرفض الكلام حتى بالإشارة!

وقد ضبطته – كالعادة – في بترو على كورنيش الاسكندرية وتحدثنا، وكنت مستمعا و"ناكشا" لذكرياته القديمة حتى افاض في سردها، ثم عرج على"المشاكل الحاضرة"، فتكلم فيها بصراحة تامة، كما سنرى.

قال توفيق الحكيم وهو يمسك بذقنه الحليق: لقد بلغنى نبأ اساءتي وهزني هزاً وأطار النوم من عيني"!
والتفت الكاتب الكبير الى شخصي الضعيف قائلا"في يدك انت وقف هذا الألم النفسي وإعادة النعاس الى جفوني".
قلت"خير إن شاء الله.. أنا تحت أمرك"
قال"في العام الماضي التقط"المصور"صورة لي وانا"بذقن"وكانت صورة مثيرة وسكت على مضض إكراماً لخاطر"المصور"ولكنني لا استطيع ان اسكت على انتهاك حقوقي المادية، فقد علمت انكم بعتم هذه الصورة لوكالات الانباء الاجنبية.
"انتظرت ان ترسلوا لي"حق ذقني"اعني نصيبي في تربية الذقن مثل حق الاداء العلني في الاغاني والموسيقى ولكنكم لم تفعلوا.. فلماذا؟ هل ذقني لا صاحب له؟ هل هو ذقن سايب ام هل ظننتم انني"غني"لا اكترث للمال؟ لا ياصديقي.
هاتوا فلوسي لولا.. هاتوا حق نشر ذقني"!
وسكت الحكيم قليلا ثم عاد يقول: ألا يكفي ان قصصي ورواياتي ومسرحياتي تترجم الى اللغات الاجنبية، وتمثل على مسارح اكثر من ثلاث دول، ولا يُدفع لي مليم واحد؟ لقد نال مترجم"أهل الكهف"مثلا المئات ولم احظ انا ببارة واحدة. وهكذا تتوالى المصائب على رأسي: حقوقي في تربية ذقني ونشر صورتها، وحقوقي في عصارة عقلي تذهب هباءً في هباء"!
وتنهد الحكيم وهو يقول في حسرة"مصائب والله العظيم"!
قلت: هل تشكو فقراً مثلا؟
وأجاب: طبعا إنني أشكو الفقر من الادب، ان الاديب الذي يعتمد على قلمه فقط"يجوع"حتى يموت، فالكتب لا تدر ربحا ولكن الاديب في مصر قد تداركته مرحمة الله عن طريق الصحافة والسينما".
قلت: ولماذا حلقت ذقنك؟
اجاب: والله حسبت حلقها ارخص، ولكني دفعت غاليا في سبيل ازالتها، لانني"انكسفت"من الذهاب الى الصالون فاستقدمت حلاقا الى منزلي، وهذا اخذ أجره مضاعفا، تصور.. حلاقة ذقني بخمسين قرشا! واضطررت الى اخذ شعر ذقني ولم اتركه للحلاق، حيبقى موت وخراب ديار؟! ولا زلت محتفظا بشعر ذقني الى الان"ّ.
وسرح قليلا ثم قال: أتدري ماذا حدث عندما نشرت في"المصور"صورتي بالذقن؟! ظنها الكثيرون لمجرم هارب من وجه العدالة وذهب خادمي – يومها – لشراء لوازم البيت من السوق فوجد البقال ممسكا"بالمصور"ومعه اربعة اشخاص وهم يتحدثون عن"النصاب"الذي اختلس اموال الدولة ويشيرون الى الصورة وهم يتأملونها قائلين: اهم مسكوه اهم جابوا صورته.. النصاب الحرامي"!
وضحك توفيق الحكيم طويلا وبحرارة فسقطت عصاه فانزعج وامسك بها يقلبها في شوق ولهفة ثم قال:
- انها"كهلة"، عمرها معي ثلاثون سنة بالتمام والكمال وقد اُصيبت برضوض وكسور، وعالجتها المرة تلو المرة حتى يئس الاطباء فأجروا لها عمليات جراحية كثيرة واستأصلوا منها عقله ووضعوا بدلا منها"عقلات"جديدة، ولم يبق من العصا القديمة سوى"اليــد"، بارك الله فيها.
وعاد يقول: لقد اشتريتها من ثلاثين عاما بعشرين قرشا، وتكلفت في صيانتها وتجديدها اكثر من ثمنها.. اهي بلاوي ومصاريف من غير لازمة، وكل هذا من مستلزمات الأبهة والارستقراطية"!
قلت: ما مشروعاتك الأدبية الجديدة؟
اجاب: انا نائم الان.. ولن استيقظ من النوم حتى"تستوي"فكرة مسرحية جديدة داخل الفرن.. أعني داخل عقلي.
اخر ساعة - 1952