تيري هنري ..نجم سقط من الأعلى

تيري هنري ..نجم سقط من الأعلى

إعداد / المدى الرياضي
هذه قصة نجم كروي بوزن اللاعب الدولي الفرنسي تيري هنري الذي وصل خلال مسيرته الكروية إلى القمة على الصعيد العالمي لكنه سقط تدريجياً إلى الحضيض وبشكل محزن. ينتمي والداه إلى جزيرتي غوادلوب والمارتينيك المستعمرتين الفرنسيتين الواقعتين في البحر الكاريبي.

ولد تيري في باريس يوم 17 آب 1977، بدأ ممارسة لعب كرة القدم في سن مبكرة وفي صباه انضم لنادي أوليس وفي سن 12 سنة انتقل لنادي باليسو، وبعدها بسنة لنادي فيري شتيو.
وخلال لعبه مع فريق هذا النادي سجل له في مباراة واحدة 6 أهداف فأبهر أرنود كتالونا أحد كشافي نادي موناكو.
وعلى إثر ذلك وبناء على توصية من أرسين فينغر مدرب موناكو آنذاك أُدخل تيري في مركز تكوين اللاعبين المعروف في فرنسا ليذهب بعدها إلى نادي فيرساي ويفتتح في عام 1992 مشاركته مع المنتخبات الفرنسية العمرية باللعب مع المنتخب لما دون 15 عاماً وسجل له ثلاثة أهداف في أربعة لقاءات لعبها.
في عام 1993 انضم هنري الى صفوف نادي موناكو من دون أن يخضع الى تجارب فنية بسبب انبهار المدربين الفنيين وقتها به. وفي الفترة من 1993 إلى 1995 سجل أربعة أهداف في ثمانية لقاءات لعبها مع منتخب ما دون 16 عاماً، وعشرة أهداف في أحد عشر لقاءً مع منتخب ما دون 17 عاماً.
في عام 1994 بلغ 17 عاماً ولج عالم الاحتراف عندما وقع على عقد احترافي مع فريق موناكو ولعب أول مباراة معه يوم 31 آب 1994 ضد فريق نيس. وبتاريخ 29 نيسان 1995 استطاع تسجيل أول هدفين له مع كبار موناكو في مباراة في الدوري الفرنسي ضد فريق لانس التي انتهت بنتيجة 6/0 لفريقه. وخلال موسمه الأول مع فريقه سجل ثلاثة أهداف في ثماني مباريات لعبها. وفي موسم 1995/1996 لعب لأول مرة في بطولة قارية مع موناكو عندما أدخله فينغر في الدقائق الأخيرة من اللقاء وكان مع نادي ليدز يونايتد الإنكليزي ضمن بطولة كأس الاتحاد الأوروبي.
وبتسجيله ستة أهداف في 13 لقاءً مع منتخب فرنسا لما دون 18 عاماً وخمسة أهداف في تسعة لقاءات لمنتخب ما دون 19 عاماً، استطاع مع هذا الأخير الفوز بكأس أمم أوروبا في عام 1996 التي أقيمت في فرنسا ولوكسمبورغ مع رفاق جيله أمثال وليم غلاس، دافيد تريزيغيه ونيكولا أنيلكا. وفي مباراة الفوز تلك ضد إسبانيا سجل تيري هدف المباراة الوحيد من خلال لمسة من ركبته لتتأهل فرنسا الى كاس العالم للشباب عام 1997 التي أقيمت في ماليزيا، وسجل وقتها ثلاثة أهداف.
ومع تألقه بشكل لافت مع المنتخبات العمرية ومع ناديه موناكو ولاسيما الفوز بلقب الدوري الفرنسي عام 1997 ووصول موناكو للدور نصف النهائي لبطولة كأس الاتحاد الأوروبي. وإثرها ضمه مدرب المنتخب الفرنسي الأول أيامها إيمي جاكي عام 1997 إلى صفوفه برغم سنه الصغير إذ لم يتجاوز العشرين عاماً بعد، وكان ذلك في سياق بناء فريق جديد للكرة الفرنسية، وقد شارك مع أبناء جيله في بطولة كأس العالم عام 1998 المقامة في فرنسا وتمكن وقتها من تسجيل ثلاثة أهداف في البطولة بمرمى جنوب افريقيا والسعودية، وتوج حينها المنتخب الفرنسي بأول لقب عالمي لفرنسا حين فازت في المباراة الختامية على البرازيل 3/0 من خلال هدفين سجلهما زين الدين زيدان وهدف واحد من إيمنويل بوتي.
وفي خضم ارتفاع أسهم تيري بعد مونديال فرنسا 1998 حينما اعتبر أكثر لاعب يسجل أهدافاً في البطولة، أصبح مطلوبا من قبل أندية كبيرة في قارة أوروبا، لذا غادر موناكو عام 1999 بعد أن لعب له طوال خمس سنوات 141 مباراة سجل خلالها 28 هدفاً، إلى نادي يوفنتوس الإيطالي وسجل ثلاثة أهداف فقط في 20 لقاءً، غير أنه لم يتأقلم معه بسبب خلافاته مع مديره العام، لذا فقد رحل الى نادي الآرسنال الإنكليزي في شهر تموز 1999. وفي النادي اللندني عاش تيري - في ظل وجود أرسين فينغر مدربه السابق في موناكو الذي تواجد على رأس الجهاز الفني للآرسنال - أجمل أيامه في الملاعب الكروية خلال الفترة التي امتدت ما بين عام 1999 إلى عام 2007، وبرغم الأشهر الأولى الصعبة التي عرفها للتأقلم مع الفريق إلا أنه بمرور الوقت فرض نفسه، ومع احتلال فريقه الترتيب الثاني (خلف مانشستر يونايتد) بنهاية موسم 1999/2000 استطاع تيري أن يكون أفضل هداف لناديه في الدوري بتسجيله 17 هدفاً.
وبعد خروجه من موسم مثالي مع ناديه كان تيري ضمن قائمة المنتخب الفرنسي المتوج بكأس أمم أوروبا عام 2000 التي أقيمت في بلجيكا وهولندا، وفيها تألق بشكل بارز بتسجيله ثلاثة أهداف من بينها هدف بمرمى البرتغال في الدور نصف النهائي لتفوز فرنسا بعد ذلك على ايطاليا 2/1 بالهدف الذهبي وبذلك جلب المنتخب لفرنسا خلال سنتين لقبي كأس العالم وكأس أمم أوروبا.
وبعودته للآرسنال في موسم 2000/2001، أصبح تيري ضمن التشكيلة الأساسية لفينغر، وفيه سجل 17 هدفاً منهياً مع فريقه وصيفاً للدوري ووصيفاً لكأس إنكلترا أيضاً. وفي موسم 2001/2002 كان له الفضل في فوز فريقه بثنائية الموسم الإنكليزي المتمثل بالفوز بكأس إنكلترا والفوز بلقب الدوري الإنكليزي، وليتوج تيري لأول مرة هدافاً للدوري الإنكليزي بواقع 24 هدفاً.
وبعد الخروج المخيب من الدور الأول لفرنسا من كأس العالم عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، عوض تيري هذا الإخفاق مع الآرسنال بالفوز بكأس إنكلترا وإنهائه ثاني هداف للدوري الإنكليزي بواقع 24 هدفاً، ليتم اختياره كأفضل لاعب فرنسي، وأفضل لاعب في المسابقات الإنكليزية وثاني أفضل لاعب في العالم (بعد مواطنه زيدان) من قبل الاتحاد الدولي لفيفا.
وفي بطولة كأس القارات عام 2003 في فرنسا قاد تيري منتخب بلاده للاحتفاظ بلقب القارات الذي فاز به عام 2001 وفيها توج هدافاً بأربعة أهداف واختير أيضاً أفضل لاعب في البطولة. وفي موسم 2003/2004 صار للمرة الثانية هدافاً للدوري الإنكليزي بتسجيله 30 هدفاً ليحصد الألقاب الشخصية كأفضل لاعب في إنكلترا، أفضل لاعب فرنسي، الحصول على جائزة الحذاء الذهبي الأوروبي لأفضل هداف في الدوريات الأوروبية، إضافة إلى إنهائه كثاني أفضل لاعب في العالم من قبل فيفا.
وبرغم خروج فرنسا من الدور ربع النهائي من كأس أمم أوروبا عام 2004 في البرتغال من اليونان عاد تيري بقوة أكبر مع الآرسنال ليتقلد شارة القيادة لأول مرة وينهي فريقه ثانياً، بالدوري حيث سجل له 25 هدفاً ليحتفظ بذلك بجائزة الحذاء الذهبي الأوروبي لثاني موسم على التوالي. وفي موسم 2005/2006 أصبح تيري هدافاً للدوري من جديد بـ27 هدفاً لكنه صار أفضل هداف في تاريخ الآرسنال بعد تخطيه الانكليزي إيان رايت، كما اختير وقتها كأفضل لاعب في الدوري الإنكليزي. وفي الموسم ذاته استطاع السير بفريقه لنهائي دوري أبطال أوروبا بكل نجاح، غير أن الآرسنال خسر اللقب في المباراة النهائية التي أقيمت في باريس مع نادي برشلونة الإسباني 1/2.
وفي مونديال ألمانيا 2006 وبرغم أن الكثيرين لم يتوقعوا أن تذهب فرنسا بعيداً في البطولة فقد قدمت فرنسا آنذاك بطولة متميزة من خلال تألق زيدان، تورام، فييرا وتيري الذي سجل ثلاثة أهداف في المسابقة من بينها هدف حاسم بمرمى البرازيل في الدور ربع النهائي إثر تلقيه تمريرة متقنة من قائد المنتخب زيدان. بعد ذلك تسبب هنري بركلة جزاء في النصف النهائي أمام البرتغال ليترجمها زيدان بنجاح لتصل فرنسا إلى المباراة النهائية لكأس العالم التي خسرتها من إيطاليا بركلات الترجيح.
وفي موسم 2006/2007 كان الأخير لتيري مع الآرسنال لم يسجل سوى عشرة أهداف طوال الموسم بسبب تكرار الإصابات لديه، لكنه ختم مسيرته معه بذاكرة لن ينساها عشاق الآرسنال عندما تمكن من تسجيل أول هدف في تاريخ الملعب الجديد للنادي (الإمارات استيديوم). وقد اختير من قبل المشجعين كأفضل لاعب في تاريخ الآرسنال واللاعب الأجنبي الأميز بتاريخ الدوري الإنكليزي، وغادر ناديه اللندني بعد تسجيله 226 هدفاً في 369 لقاءً منها 91 تمريرة أدت إلى أهداف.
وفي 25 حزيران 2007 انتقل تيري رسميا لنادي برشلونه الإسباني، ومعه وعلى الرغم من فوز الفريق بالعديد من الألقاب طوال ثلاثة مواسم وصلت إلى سبعة ومن بينها لقبان للدوري ولقب واحد بكأس ملك إسبانيا، وكأس السوبر الإسباني، ودوري أبطال أوروبا، كأس السوبر الأوروبي وكاس العالم للأندية إلا أنه تحول شيئاً فشيئاً من لاعب أساسي إلى لاعب احتياطي لايشارك إلا في فترات قليلة وما بين فترة وأخرى.
لم يكن السيناريو الذي حدث مع المنتخب الفرنسي أفضل لتيري من الذي حدث معه في برشلونه، فمع الخروج المخيب للمنتخب من الدور الأول من كأس أمم أوروبا في النمسا وسويسرا عام 2008، كان تيري هنري منقذه بتأهيله لمونديال كأس العالم الأخير عندما حوَّل كرة بيده اليسرى ليمررها لصاحب هدف الحسم وليم غلاس في مرمى إيرلندا في الملحق الأوروبي للتصفيات الأخيرة، لتتأهل على اثر ذلك فرنسا وتخرج إيرلندا.
بعد تلك الحادثة ارتفعت الأصوات والانتقادات والهجوم الكلامي تجاهه التي مسته شخصياً، ولتأتي بعدها الكارثة الأكبر في تاريخ الكرة الفرنسية والتي شبهت بـ(العار) في مونديال 2010 عندما خسرت كل شيء بالخروج من الدور الأول، وطرد اللاعب أنيلكا من البعثة الفرنسية وتمرد ومقاطعة اللاعبين لأحد التدريبات لتكون النهاية حزينة لتيري الذي سحبت منه شارة القيادة قبل البطولة وعزل على مقاعد الاحتياط عندما لم يلاعبه المدرب ريمون دومنيك إلا دقائق معدودة!
وعقب عودته الى باريس وبعد لقائه برئيس الجمهورية ساركوزي صرح تيري بكلمات مختصرة عن أسباب الكارثة قائلاً: «لقد شعرت بعزلة تامة عن بقية أفراد الفريق، اليوم الصغار أو اللاعبون الجدد لم يعودوا للأسف يحترمون اللاعبين القدماء، فأتذكر تماماً في عام 1998، أننا نحن اللاعبين الصغار لا نصعد إلى حافلة اللاعبين أو الجلوس على مائدة الطعام إلا بعد أن يفعل ذلك القدماء».
تيري هنري أعلن مؤخراً اعتزاله الدولي ورحل عن أوروبا ليحترف في نادي نيويورك ريد بولز الأمريكي تاركاً في بلاده ومن قلل من شأنه واتهمه بالتلاعب والغش بسبب يد إيرلندا في تصفيات المونديال الأخير، فيما اعتبره الأورغواياني لويس سواريز بمثابة بطل قومي بعد أن أهَّل بلاده بيده للدور نصف النهائي من البطولة، لكن في فرنسا تيري تعرض لسيل من الإهانات والتجريح الشخصي برغم أنه أكثر لاعب سجل أهدافاً في تاريخ المنتخب الفرنسي بلغت 51 هدفاً، وقد بدأ مسيرته الكروية بالقمة لكنه ختمها بطريقة محزنة، لكن إذا حاول أحد نسيانه فإن التاريخ بكل تأكيد لا يمكنه أن ينساه على الإطلاق.