التعليم الفني وبدايات الحركة المسرحية في العـراق

التعليم الفني وبدايات الحركة المسرحية في العـراق

عبد المنعم الجادر
صحفي راحل
عرفت الامم مقدار ما تقدمه الفنون من فوائد ثقافية واخلاقية، فاعطتها حقها من التقدير والتشجيع، وخاصة حكوماتها، والحال عندنا كذلك " نسبيا". فقد عرفت وزارة المعارف الجليلة شدة تأثير الفنون في اخلاق الطلاب فشجعت الجمعيات الفنية والمدرسية.. ورأينا جميع الممثلين المسرحيين العراقيين والرسامين وغيرهم، بعد تخرجهم من المدارس العامة قد اكتسبوا خبرة نسبية في الفنون،

فالفنان الذي اعتلى المسرح المدرسي مرارا. صعد المسرح الخارجي بكل جرأة وشجاعة، والرسام الذي رسم بعض اللوحات ايام دراسته قد عكف على درس هذا الفن بصورة اوفى واوسع بعد خروجه من مدرسته.. وهكذا نرى مبلغ ما قدمته المدرسة من خدمات فنية قوية لطلابها.

ولو زادت وزارة المعارف من التفاتها نحو الفنون المدرسية، لصار للفنون شأن كبير بين صفوف الطلاب.. واهم ناحية فنية حضت باهتمام الطلاب في مدارسهم هو "التمثيل". فشاهدنا فرقا تمثيلية فنية تقدم مسرحيات قوية. بحيث ضاهت بقوتها وفنها بعض الفق التمثيلية المحترفة. وظهر في الطلاب بعض المواد الفنية الخام، التي لو صقلت لافتخر العراق بها.
وها نحن نذكر بعض المدارس التي سبقت زميلاتها بفن التمثيل مع اسفنا عن عدم ذكر البعض الآخر. لعدم استطاعتنا الحصول على تاريخ نهضاتها الفنية.
ثانوية الاعظمية:
بالرغم من حداثة مسرح ثانوية الاعظمية، وجمعياتها الفنية، فقد استطاع طلابها، تقديم مسرحيات رائعة، ولقد صدق من قال: اذا توفرت المواد الخام الجيدة، فقد كان الانتاج جيد والبضاعة حسنة وهذا المثل الاقتصادي انطبق على هذه المدرسة، فقد توفرت فيها المواد الخام الجيدة من الادباء والفنانين، فانتجوا انتاجا فنيا، يحسدون ويشكرون عليه، وقد اشرفت على نواحي الفن المختلفة هيئة تدريس حازمة في اعمالها قوية في فنها. وبذلك في سبيل احياء الفنون في المدرسة انفس الجهود، فتألفت لجان ثلاث هي "لجنة الثقافة" و"اخوان المسرح" و"لجنة الفنون الجميلة". وقد اخذت هذه اللجان تعمل كل حسب اختصاصها، فاصدرت "لجنة الثقافة" النشرات واقامت الحفلات الادبية، ووزعت الجوائز الثمينة، وقد فاز بالجائزة الاولى الطالب "نزار الخوجة". ويشرف على شؤونها الشاعر الاستاذ "مهدي العبيدي" ويترأسها عبد الجبار محمود، وسكرتيرها الطالب "قاسم عبدالباقي".
اما لجنة "اخوان المسرح" فقد قدمت اروع المسرحيات الفنية نذكر منها "ابطال من فلسطين" و"تباريح" ومسرحيات اخرى، كانت من تأليف الطالب "وليد شوكت". الذي كان يقوم باخراجها وتمثيل ادوار البطولة فيها، وقد شهد له بالبراعة كل من شاهد تمثيله.
وتتألف هذه اللجنة من الطلاب: فالح زكي، اسامة عبد الحميد، عبد الباقي الدوري، جمال عبد المجيد، سهيل عبد اللطيف، وقد ترأسها لهذا العام الطالب "عبد الباقي الدوري".
وقد قدمت في الايام الاخرة مسرحية "ليلة من شهرزاد" اشترك في تمثيلها: قالح زكي، جلال حمدي، عبدالباقي الدوري، جمال بهاء الدين.. واختتم الحفلة من الطلاب المطربين "نزار صبري، وصلاح عبد المجيد".
وسوف تقدم اللجنة المذكورة مسرحية "عدالة أب" تأليف "وليد شوكت".
اما لجنة "الفنون الجميلة" فهي دعامة اللجان وحصنها الحصين.. وتضم بين جوانحها نخبة ممتازة من الادباء والفنانين ففيهم الرسام والنحات والموسيقار والمطرب والممثل، فهي عدة لجان في لجنة واحدة، ورئيس هذه اللجنة هو الطالب "ثابت الجادر" ويشرف على قسم الرسم فيها ايضا.. وتتألف من الطلاب "دنس هذرلي، سهيل عبد اللطيف" ولجنة النحت، ولجنة الموسيقى وغيرها كلها في هذه اللجنة، وتتألف هذه اللجان من الطلاب "فاروق اسماعيل، عازف الكمان، ومحمد حسن عبدات، عازف العود، وسامي محمد صالح، عازف الناي، وعازف الهارمونيكا، دنس هذرلي، وعدنان امين، ضارب الطبلة، ومن المطربين: محسن عيدان، واديب قاسم، ونزار صبري".
ولجنة التمثيل في "الفنون الجميلة" يترأسها الطالب "عبدالله عبد الوهاب" واعضاؤها: خالد سعيد الاعظمي، وهو بمثابة سكرتير اللجنة، ومحسن عيدان، وسهيل عبداللطيف، ومحمد الضامن.
ومن الطلاب الذين امتازوا بقدرتهم على التأليف المسرحي فهم خالد سعيد الذي قدم مسرحية "عائلة تتهدم" وعبد الله عبد الوهاب الذي قدم مسرحية "نهاية محرم". باشراف الاستاذ الشاعر: شاكر الخفاجي ولمسرح المدرسة مركزه الممتاز في خدمة الفن التمثيلي.
فلقد قدمت كثيرا من الفرق والجمعيات الفنية حفلاتها المسرحية ومن هذه الفرق: جمعية اخوان التمثيل والسينما، والجمعية الفنية للتمثيل والسينما وفرقة كلية الملك فيصل الفنية.. واعظم فخر احرزه مسرح المدرسة هو يوم قدمت عليه مدارس الاعظمية مهرجانها الكبير الذي اقامته في 2 ايار الماضي، ومثلت فيه مسرحية "حلاق اشبيلية".
كما قدمت فرقة دار المعلمين الابتدائية مسرحية "قيس وليلى" باللغة العامة، وكذلك فرقة تطبيقات دار المعلمين، "اوبريت فصول السنة"، وسوف نشاهد على المسرح كثيرا من المسرحيات القوية، العراقية والمترجمة.

مدرسة التفيض:
تعتبر مدرسة التفيض معهدا فنيا تخرج منه كثيرا من الفنانين الذين كان لهم اكبر الاثر في النهضة الفنية العراقية، فقد كان ممن دخل المعهد كثيرا من طلاب مدرسة التفيض.. كما كان فيهم الصحافي الفني والناقد الفني والمذيع والممثل والمخرج والرسام والنحات.. وقد مضى على مدرسة التفيض وقت كانت النهضة الفنية قد بلغت اعلى درجاتها فيها ويكفينا ان ندلل على صحة كلامنا ان من خريجيها وطلابها: حقي الشبلي، وفاضل عباس، وعبدالله العزاوي، وحميد المحل، وحامد الاطرقجي، وطالب مصطفى، وحافظ القباني، وغيرهم كثيرون جدا من الشخصيات الفنية.. وقد ذكر الاستاذ فاضل عباس رئيس جمعية بغداد الفنية ارقام خيالية عن ارباح حفلات مدرسة التفيض، التي كانت تقيمها المدرسة، فقد جمعت ارباح حفلات قليلة وشيد بها بناية مدرسة التفيض الحالية.. ثم مضت مدة قصيرة كانت الحالة الفنية فيها خاملة، وبقيت هكذا حتى عاد الانتعاش اليها. وقد كان من جراء وجود الاستاذ ابو الفتوح استاذا في المدرسة اكبر الاثر في هذا الانتعاش وهذا التقدم الفني.
ومن ابرز ما قدمه للمدرسة من خدمات فنية بارزة هو اخراجه وتقديمه مسرحية "سليمان الحكيم" التي حازت النجاح الهائل الذي ما كان يحلم به احد ويكفيها فخرا انها حازت شرف حضور حضرة صاحب السمو الملكي الوصي وولي العهد المعظم، وكان مدير المسرح والانارة سيمون العماري، ورسم مناظرها الفنان حميد المحل، وعمل مكياجها الفنان جوري وحميد المحل ووضع موسيقاها التصويرية حامد الاطرقجي، وركب المناظر المسرحية الفنان فاطان، ولقد مثلت ثلاث مرات في بغداد ومرتين في قضاء الخالص ومرة في مدينة خانقين وبقى الجمهور يلح في طلبها، وفي جميع المرات التي مثلت بها كانت القاعة مزدحمة، والتمثيل على اروع صورة، وكما نالت هذه المسرحية النجاح فقد نجحت مسرحيتان قدمها الاستاذ ابو الفتوح نجاحا منقطع النظير.
ومن المسرحيات التي مثلت على مسرح التفيض هي "فمييز" لاحمد شوقي، مجنون ليلى، لاحمد شوقي ايضا، الشمعدانات الثلاثة، لفكتور هوجو، وغيرها كثيرا من المسرحيات. ومن المسرحيات التي قدمتها الفرق والجمعيات الفنية على مسرح التفيض: قاتل اخيه، قدمتها جمعية النهضة الفنية، وفي سبيل التاج قدمتها جمعية اخوان التمثيل والسينما، ورسول الملك، قدمتها الجمعية الفنية للتمثيل والسينما.. وقد قدمت كثيرا من الجمعيات والفرق الفنية حفلاتها على مسرح المدرسة نذكر منها: فرقة بغداد، فرقة دار المعلمين، فرقة الزبانية، جمعية البر والرعاية، الفرقة الوطنية وغيرها كثيراً..
ويعتبر مسرح التفيض اقوى مسرح مدرسي من حيث النظام والديكورات والبناء، وقاعته فخمة واسعة.. وقد كان للتمربي الفاضل المرحوم حسين العاني، اكبر الفضل في انشائه وفي تشجيع الروح الفنية في المدرسة.. وبموت الاستاذ المرحوم حسين العاني، انتكست الحركة الفنية في المدرسة. لو لا بعض الاساتذة والطلاب الذين اخذوا يعملون على انعاشها ودفعها الى اعلى، فعسى ان يستطيع هؤلاء الافاضل التضحية ولو بشيء ضئيل لرفع مستوى الفن في مدرستهم التي كانت "وستبقى بعون الله" اقوى ناشرة للروح الفنية..

مدرسة الفنون المنزلية:
تأسست هذه المدرسة 1932 – 1933 وعند افتتاحها كانت تحتوي على صف واحد بلغ عدد طالباته 58 طالبة. وقد كان الاقبال عليها شديدا، وعندما رأى المسؤولون في وزارة المعارف الجليلة كبير فائدة هذه المدرسة فتحوا في السنة التي بعدها 1933 – 1934 صفا ثانيا وعند فتح الصف الثاني بلغ مجموع الطالبات في المدرسة 126 منهن 80 في السف الاول و46 في الصف الثاني.
والذي يقرأ اسم المدرسة "مدرسة الفنون البيتية" يدرك لاول وهلة انها مدرسة فنية بكل ما في كلمة الفن من معنى.. ففي هذه المدرسة تدرس جميع انواع الفنون.. فهناك تدرس فنون: الموسيقى والرسم والنحت والاعمال اليدوية "كالحياكة والخياطة والتريكو وغيرها" والطبخ الخ.. الخ..
ويشرف على ادارة المدرسة مربيات صالحات قديرات.. فالمديرة والمساعدة والمدرسات كلهن من الفتيات العراقيات المثقفات اللواتي تخرجن من مدارس العراق وجعلن من انفسهن رسلا للثقافة والاداب والفنون..
ويؤم هذه المدرسة فتيات من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال من عراقنا الحبيب، وكلهن متلهفات لارتشاف مناهل العلوم والفنون.. وقد تخرج من هذه المدرسة كثيرا من الفتيات ومن هؤلاء من ارسلن في بعثات لدراسة الفنون بصورة اوسع الى لندن وباريس والقاهرة وانقرة..
وكم اقامت ادارة المدرسة اسواقا خيرية وحفلات فنية خاصة عرضت فيها الطالبات رائع فنهن من لوحات زيتية قوية، ومطرزات ممتازة دلت على مدى تعمق الطالبات وتمكنهن من دروسهن..
وكان اعظم ما تفتخر هذه المدرسة به هو مساهمتها مع طالباتها ومربياتها النبيلات في جميع الاعمال الخيرية الوطنية من خياطة وحياكة وغيرها للجهات الخيرية، وعند وجود اولادنا البواسل في الاراضي المقدسة قدمت المدرسة كثيرا من الهدايا التي صنعتها ايادي طالباتها النجيات لاخوانهن المقاتلين.. وهكذا للاجئين الاعزاء ولقوات الشرطة الباسلة والهلال الاحمر وحماية الاطفال... ومناهج الدراسة في المدرسة فرعين: علمي وفني ويحوي المنهج على تدريس: اللغة العربية واللغة الانكليزية، والاجتماعيات والكيمياء والفيزياء والرياضيات.
اما القسم الفني فيحتوي على تدريس: الرسم والموسيقى والخياطة والرياضة البدنية، والخياطة والاشغال والنشيد بالاضافة الى مادة مهمة جدا وهي الدين.
وفي المدرسة خمسة صفوف للاول ثلاثة شعب "أ، ب، ج" وللثاني شعبتين "أ، ب" وللثالث والرابع والخامس شعبة واحدة.

ثانوية البصرة:
وثانوية البصرة ايضا تعتبر من المدارس القوية في الفنون ففيها كثيا من اللجان الفنية، ومسرحها يعتبر من المسارح المدرسية الرااقية، وقد قدم طلابها مسرحيات عالمية ومحلية راقية وكثيرة.
وكم سافرت فرق وجمعيات فنية الى البصرة، واقامت مهرجاناتها وتمثيلياتها عليه، وقاعة المدرسة واسعة جدا تستوعب لمئات المتفرجين والمدعوين.
مثلت على المسرح جمعيات كثيرة نذكر منها: "جمعية اخوان التمثيل والسينما"، و"الفرقة الشعبية"، "جمعية النهضة"، "الفرقة العربية" وغيرها.
من المسرحيات التي قدمت على المسرح "جريمة الاباء، لقيط الصحراء، الجب، الهاوية، وغيرها كثيرا من المسرحيات المترجمة والمحلية".

دار المعلمين:
اما دار المعلمين فقد بلغت النهضة الفنية هناك القمة، فالمواسم الفنية تجري طول السنة بلا انقطاع، فهذا معرض للرسم، تعرض فيه افخم اللوحات الفنية، ويؤمه ارقى الجمهور، وهذه حفلة تمثيلية، تقدم فيها اروع مسرحية، وطلابها يمثلون المسرح ويقدموا احدث ما وصل اليه المسرح من ادارة وتمثيل.
ويشرف على الفنون هناك اساتذة تشبعت روحهم بالاداب والفنون وترى في طول السنة الدراسية محاضرات فنية وادبية تلقى على منبر المدرسة وخاصة في التمثيل، وكم القى الاستاذ الشبلي محاضراته الفنية القيمة التي يتلقاها الطلاب بكل شغف وشوق لما يعرفونه عن قيمة التمثيل في محاربة الامراض الثلاثة "الجهل، الفقر، والمرض".

عن كتاب (النهضة الفنية في العراق الحديث)