تشظيات السيرة الذاتية في النص السردي  لغانم الدباغ

تشظيات السيرة الذاتية في النص السردي لغانم الدباغ

كثيراً ما تستهوينا قراءة صفحات من تجارب الكتاب حتى أن بعض تلك الصفحات تكون اكثر امتاعاً من النصوص السردية والروائية والقصصية، وتنبع اسئلة تلو اسئلة ساعية في البحث عن اجابات أو خلق مشتركات بين تلك التجارب المقروءة والمعيشة من جانب المتلقي، ولاسيما عند المتلقي الواعي الباحث عن نوافذ وخطوط يطل منها على العالم السردي للابداع بصورة عامة والابداع السردي بشكل خاص.

تكرار فعل القراءة والتواصل مع تجارب كبار الكتاب المتعددة قد يدفعان بالمتلقي إلى ركوب موجة المغامرة فيندفع الى تكرار كتابة تلك التجارب أو النسج على غرارها، مستثمراً مقاطع من تجربته الشخصية، أو يأخذه الهوس والجنون إلى انشاء هيكل عام من مفردات وجمل تسطر حوادث مر بها، إلا أن كل تلك الحوادث لا ترقى إلى مستوى الفعل المقروء أو المدون في السرديات السير الذاتية لأؤلئك الكتاب.
هذا ما جاء به الكاتب محمد جبير في كتاب "جوار النص.. التشظيات والسير ذاتية في النص السردي (غانم الدباغ انموذجاً)".
ويجد جبير أن القراءة في نصوص الدباغ تعد معرفة مضافة واكتشافا وخبرة تقاطع أو تقارب مع المشتركات الفكرية والانسانية للآخر وتعمل على تفكيك او معرفة المنظومات الفكرية والاجتماعية التي انتجت تلك التجارب الخلاقة التي يسعى المتلقي لاتخاذها مثالاً في احايين كثيرة.
ويشير جبير " اذا كان الكتّاب العرب يبتعدون كثيراً عن تدوين تجاربهم وسيرهم الحياتية فإن الساسة على النقيض من ذلك يبحثون بجد ويلهثون وراء من يدون تجاربهم، حيث انهم يبغون من وراء هذا التدوين تخليداً لذكراهم بالطريقة التي يرونها وليس بالطريقة التي عرفوا بها اثناء اداء الوظيفة السلطوية ولكن في المقابل هنالك كتاب اخذوا في تدوين جزيئات من سيرهم سواء عن طريق نصوص سردية روائية او قصصية، او عن طريق المذكرات الشخصية او اليوميات أو الكتابة عن شخصيات اثرت فيهم ورسمت لهم الخطوات الاولى في السيرة الابداعية."
وجود مثل هذه النصوص في كتب مستقلة لا يعني بالضرورة وجود ادب " سير ذاتي " له خصائص وملامح مميزة وانما نجد فيه ادبا قد يقترب الى ادب الاعترافات اذ ما يزال الكاتب العربي ينأى بنفسه عن الخوض في مثل هكذا تجارب كتابية لوجود محظورات ذاتية واجتماعية وسياسية عدة وعدم امتلاكه جرأة البوح الصادق والجريء في الكشف عن المكونات الحياتية الاولى في المسيرة الابداعية.
هذا الكتاب جاء للبحث في مقاربة التشظيات السيرذاتية في النصوص السردية ولا يمكن ان يتحقق ذلك إلا من خلال معرفة الكاتب الشخصية او الاطلاع على بعض تفاصيل تجربته الحياتية.
ويأخذ الكثير من الكتاب العراقيين في نشر تجاربهم الشخصية في العديد من النصوص السردية من دون ان يذكر ذلك او يشير الى مواقعها ضمن المتن السردي وهو دائما ما يلجأ الى اعادة انتاج تلك التجارب في المتن السردي وضمن السياق العام للنص، وقد يقترب او يبتعد من الواقعة الحياتية إلا انها في النهاية تحمل ثمرة خطيئة التجربة ذاتها.