إلبي يسرج حصان العبث من أجل مسرح قائم على الجدل

إلبي يسرج حصان العبث من أجل مسرح قائم على الجدل

مريم جمعة

قبل اشهر اعلن مسرح «ناشيونال ثيتر» البريطاني عن استعداده لعرض مسرحيتين للكاتب الامريكي ادوارد ألبي ابتداء من 8 مايو المقبل.
ومسرحيتا السعي وراء الشمس ولعبة الحب هما من الاعمال المهمة لمؤلف مسرحية من يخاف فرجينيا ولف؟ الشهيرة.

برز ادوارد البي على خارطة المشهد الثقافي والمسرحي الامريكي على نحو قوي في الخمسينيات من خلال تقدمه لعدد من الاعمال المسرحية المتميزة التي تمتلئ بتفاصيل الصراع العنيف والمعاناة وخيبة الامل التي تميزت بها تلك المرحلة التي شهدت انتقالاً مفاجئاً في حياة المجتمع الامريكي من حالة الهدوء التي شهدتها خلال الفترة التي تولى فيها ايزنهور الرئاسة الى مرحلة الستينيات المضطربة. وفي البداية
جرت اعماله المسرحية شديدة الكثافة التي يهتم فيها بمعالجة موضوعات الحداثة جماهير القراء والنقاد في آن واحد وكان واضحاً فيها تأثيره القوي على خارطة الدراما الامريكية مما استحق معه بالاجماع الاقرار بأنه الكاتب المسرحي الذي تمكن مقارنته بـ «ارثر ميلر» وتينس وليامز» و«ايوجين اونيل».
ان اهم اعمال البي الى الان هي مسرحية «من يخاف فرجينيا ولف»؟ التي عرضت للمرة الأولى في نيويورك في سنة 1962 الفائزة بجائزة بولتزر والتي تم تحويلها الى فيلم سينمائي سنة 1966 ولعب دور البطولة فيه «ريتشارد بيرتون» واليزابيث تيلور.
وتدور احداثه حول العلاقة غير العادية بين زوجين يعامل احدهما الاخر بقسوة وضراوة ليستمرا معاً وزوجين اخرين تبدو علاقتهما عادية في الوقت الذي يعيشان حياة تعسة يتستران عليها امام الاخرين. وبهذا العمل المسرحي الذي يمثل نجاحاً حقيقياً رائعاً وعمل اخر كان قد سبقه هو قصة حديقة الحيوان «في سنة 1960 اعلن البي عن نفسه كأحد اهم كتاب الدراما الامريكيين.
لم يعش البي طفولة سعيدة مع والديه بالتبني المليونيرين ريد وفرانسيس البي الذين لم يظهرا اي اهتمام بعواطفه او موهبته وهو ما اضطره الى الخروج على كل ما يمت بصلة الى القيم العائلية والاجتماعية التقليدية السائدة في المجتمع الامريكي خلال مرحلة الخمسينيات وظهر اثر ذلك واضحاً في رؤيته المتشائمة للعلاقات الانسانية وفي تقنياته الابداعية المختلفة ولهجته الساخرة كما تجسدها اعماله المسرحية التي يستلهم فيها تجارب مسرح العبث والمسرح التجريبي.
ورفض البي لهذين الشخصين في الاساس ولقيمهما جعله يسقط ذلك على كل شيء حتى السياسة وتعاطيه مع الحياة السياسية في امريكا الى اليوم. فكل اعماله المسرحية تشكل منظومة واحدة يمكن القول بأنها تعرف بالتفرد وعدم المهادنة وقوة الجدل والايجاز والاستفزازية.
وهو ما يصفه من جانبه بالقول بأنه بحث في المشهد الامريكي او الهجوم الشرس على تلك المبادئ التي تحل الزيف محل القيم الانسانية الحقيقية او ادانة كل اصناف الرضا عن الذات والوحشية والبلاهة والرغبة في استعباد الاخرين ولا غرابة في ان تكون سنوات عمله في المسرح بمثابة المعاناة من الفشل اكثر منها من النجاح على مستوى تسويق اعماله المسرحية تجارياً.
من اعمال البي الاخيرة كتاب من الفكرة الى الموضوع وهو كتاب يشترك في تأليفه مع «هاري راند» من اندرسون جالاري ويسلط الضوء على اعمال تسعة من اشهر النحاتين فهم جون بيتشي وديفيد فولتون وديفيد مكدونالد ويشتمل على مجموعة من الصور لأعمالهم الفنية ومقدمة بقلم البي وحوار بين بينه وبين المؤرخ الفني هاري راند من معهد سمثسونيان للفنون وآراء راند ومناقشاته مع البي حول تلك الاعمال.
وكان البي قد اعتمد في هذا العمل على اسلوب البحث او الزيارات الميدانية للمعارض واستوديوهات الفنانين وبوصفه واحداً من جامعي القطع الفنية على مدى اكثر من اربعين عاماً فقد مكنه ذلك من امتلاك رؤية جمالية شخصية.
اما مسرحية ثلاث نساء فارعات الفائزة بجائزة بولتيرز لسنة 1994 لافضل الاعمال المسرحية بالاضافة الى حصولها على العديد من الجوائز الاخرى فقد اطلق عليها النقاد وصف الانجاز الاكثر دقة وبراعة لادوارد البي وفي هذا العمل على وجه التحديد الذي يعود فيه البي الى خشبات المسرح في نيويورك ولندن تبرز رؤيته للعالم القوية الى جانب رؤيته الاخلاقية على نحو مثير مذهل وعلى نحو لا يكاد يدرك.
يعترف البي انه كتب في ثلاث نساء فارعات عن امه بالتبني وعن استبدادها الذي لم يطقه في يوم من الايام وعلى الرغم من تجسيده صورة قبيحة لها الا انه يعترف في الوقت ذاته بأنها كانت بمثابة التعزية بموتها. وبوجه عام فإن هذا العمل الى جانب اعمال اخرى منها «حديقة الحيوان» يحملان القارئ على التوقف للتفكير في نفسه وفي العالم من حوله ففي هذه المسرحيات يتفوق البي في تصوير مشاعره الحقيقية على نحو استثنائي بالاضافة الى شرح وجهة نظره في الشخصيات التي يقدمها على الخشبة وكلها تبدو من الشخصيات الواقعية حتى تلك التي تنتمي الى العالم على نحو جزئي خيالي.
ويدور موضوع مسرحية «ثلاث نساء فارعات» حول مايمكن ان يلخص في تجربة طويلة لأمرأة يسلط البي فيها الضوء على ثلاث مراحل من حياتها فيبدو وكأنه يتحدث عن ثلاث نساء وفي كل مرحلة يتحدث المؤلف بواقعية يصور من خلالها الاسلوب الذي نتعامل فيه مع مشكلاتنا ومع أنفسنا باستخدام تلك التجربة.
يطلا مسرحية «من يخاف فرجينيا ولف»؟ هما زوجان يمضيان اخر الليل في سهرة مع زوجين اخرين وهما في الوقت ذاته يعبران تماماً عن وجهة نظر البي في امريكا الحديثة واختيار هذا النوع من الدراما الذي يعبر عن فساد الاخلاق كمبدأ. وكانت المسرحية المكونة من ثلاثة فصول قد عرضت لأول مرة في سنة 1972 اما احداثها فتقع في غرفة المعيشة في منزل يقيم فيه زوجان في منتصف العمر هما جورج ومارتا اللذان لا يكفان عن حالة الصراع والعراك وتبادل السباب والشتائم وكل ذلك يحدث على مرأى من صديقيهما الزوجين نيك وهوني اللذين يشاطرانهما السهر في كل ليلة تنشب فيها المعارك بينهما.
ومع انك لا ترى الا هذا الصراع الشرس العنيف بين جورج ومارتا الا ان البي يهدف في الحقيقة الى تحليل ومناقشة موضوع العلاقات الزوجية بوجه عام لا بين هذين الزوجين فقط بل وبين الازواج الاخرين الذين يتعايشون بسلام ظاهرياً.
فالزوجان نيك وهوني اللذان يعيشان حياة زوجية هادئة يكشف النقاب عن انهما يعيشان في حقيقة الامر حياة تملؤها المشاكل.
كما ان البي يستخدم من جانبه حواراً يسحق القلب من شدة الحزن من اجل ايصال صورة صادقة لواقع الحياة الزوجية والحب والصداقة والحميمية. وبينما يتشاجر جورج ومارتا طوال الليل فإن هذا ما تقوله مارتا عن زوجها ان جورج يتواجد الان فيما مكان ما في هذه الساعة من الليل، جورج الذي يعاملني بلطف واشتمه ويفهمني واعرض عنه والذي يضحكني فألجم ضحكتي في حلقي والذي يضمني في الليل حتى اشعر بالدفء فاعضه حتى يدمى جسده والذي يستمر في تعلم لعبتي على نحو سريع والذي يشعرني بالسعادة في الوقت الذي لا ارغب فيه ان اكون كذلك، لكن بلى اتمنى ان اصبح سعيدة جورج ومارتا تعيسان، تعيسان، تعيسان.
في كتابهما كلف نوتس يفرد المؤلفان سنثيا مكجوان وجيمس روبرتس 12 صفحة للحديث عن ادوارد البي تحت عنوان «ادوارد البي ومسرح العبث» حيث يعقدان مقارنة بينه وبين صامويل بكيت، وايوجين اونسكو، وجان جنيه و«آرثر آدموف» وهي من المقارنات الهامة بالنسبة لكل من يقوم بدراسة اوتدريس مسرح العبث. وبوجه عام فإن اراء العديد من النقاد تجمع على ذلك التشابه القوي بين البي في من يخاف فرجينيا دلف وارثر هيلر في موت بائع متجول وتنس وليامز في عربة اسمها اللذة، واونيل اوجين، في رحلة يوم طويل في الليل.
ومما قاله البي ذات يوم انه لا توجد دائماً علاقة وثيقة بين الشهرة وبين التميز وما عليك الا التظاهر بأنك تقوم بعمل جيد وان تستمر في ذلك. ومن الواضح ان مثابرته على التقيد بهذا المثل كانت قد تمخضت عن عدد من الاعمال الريادية في تاريخ الحركة المسرحية في امريكا.
في موضوعه في مسرحية السعي وراء الشمس لا يختلف البي هذه المرة عما كان عليه في مسرحية ثلاث نساء فارعات، وتدور احداثها حول زواج امرأتين شابتين من شابين غنيين يقعان معهما في علاقة غرامية ثم ما يلبثان بعد زواجهما ان يخضعا لضغوط الحياة والمجتمع ليعيشا حياة تقليدية تافهة تفتقر الى الحب. وعلى الرغم من كآبة الموقف الا انه يبدو باعثاً على التفاؤل كلما استعاد كل من الزوجين وعيهما وعلى لسان بطله فيرجس يقول البي «لا يوجد ما هو أسوأ من ان يصل المرء إلى اواخر عمره فيتبين له انه لم يعش حياته كما يجب».
في حين تنتهي مسرحية «لعبة الزواج» إلى نهاية تقول كما يتصورها البي ان بطليها يصلان إلى مرحلة يكتشفان فيها ان العلاقة الأخيرة في حياة الانسان تكون مع الموت. فرغم انه لم يكن زواجاً سيئاً على الاطلاق الا ان نهايته ستكون هي الموت.
ولد ادوارد البي في واشنطن العاصمة وعاش في أسرة ارستقراطية وتلقى تعليمه في المدارس الخاصة.
وبخلاف ما كان يتوقعه له والده بالتبني أظهر البي تمرداً شديداً على التقاليد الاجتماعية السائدة وتوجه إلى دراسة الفنون والأدب وتغلغل في الوسط الثقافي على نحو مصيري.
غادر ألبي منزل والديه إلى نيويورك وهو شاب في العشرين من العمر وخلال تلك الفترة اضطر إلى العمل في بعض المهن المتواضعة حتى سنة 1959 عندما عرضت في أوروبا مسرحيته الشهيرة «قصة حديقة الحيوان» التي بدأ عرضها في برلين ثم نيويورك والتي اتبعها بعرض مسرحيته التالية من يخاف فرجيينا ولف؟ تمثل الأعمال المسرحية لألبي حرصه على تجريب العديد من المدارس المسرحية من الوجودية إلى البعثية إلى الكلاسيكية إلى الاخلاقية والواقعية.
من أهم أعمال البي الاخرى «موت بيسيه سميث» 1959 و«علبة الرمل» 1959 و«موازنة دقيقة»، «مشهد بحري» 1975 حازت على جائزة البوليتزر و«سيدة من دابولو» 1979.