سبع سنوات في التشريفات الملكية في العراق

سبع سنوات في التشريفات الملكية في العراق

نصــــير النهــــــر
يقدم كتاب «من حديث الذكريات»، احاديث وصوراً وذكريات ووثائق عن العراق خلال الفترة الممتدة من عام 1947 حتى 1954، حين عمل المؤلف (عبد الرزاق الهلالي) في البلاط الملكي وشغل منصب مساعد رئيس التشريفات الملكية.. كما عمل مديرا للاذاعة ومديرا للمصرف الزراعي العام.

يبدأ المؤلف بحديث ذكرياته منذ بدء تعيينه في وزارة المعارف ثم انتقاله إلى مديرية العمل والضمان الاجتماعي العامة، ثم دخوله كلية الحقوق بدوام مسائي، وكتاباته في جريدة «الاخبار»، وهي مقالات تحت عنوان «صور واحاديث اجتماعية».. ثم يذكر كيفية استدعائه للعمل في التشريفات الملكية.
اول من عمل معهم كان الاستاذ تحسين قدري رئيس تشريفات البلاط.. ويوضح المؤلف قدرات هذا الرجل وحسن اخلاقه وطيبها وإلمامه بالبروتوكول. ثم يقدم شرحاً مفصلاً لعمل التشريفات. اول الاحداث السياسية الهامة التي يذكرها هو إلقاء رئيس الوزراء آنذاك (صالح جبر) خطابه، وبيان منهاج وزارته. ثم اجتماع «قصر الرحاب»، الذي استدعي اليه معظم رجالات الدولة آنذاك. وقد وجه الوصي ثلاثة اسئلة، وطلب الاجابة عليها بصراحة، وهي:
1 ـ هل ان العراق بحاجة إلى معاهدة تحالف مع دولة اجنبية ام لا؟
2 ـ إذا كان في حاجة فما هي تلك الدولة الاجنبية؟
3 ـ ما هي الاسس التي يعتبرونها صالحة لهذا التحالف؟
وقد استمر الاجتماع عدة ساعات، تم خلالها النقاش وتبادل الرأي حول هذه الاسئلة. ثم عقد اجتماع مصغر في قصر الرحاب. وفي ضوء نتائج الاجتماعات تم انتخاب وفد للمفاوضة مع بريطانيا. ويوضح موقف الاحزاب السياسية من المعاهدة، وهي حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاحرار.
وبعد سفر الوفد للمفاوضة تم التوقيع على معاهدة «بورت سموت».. وقد تم نشر نصوص المعاهدة في الصحف، مما ادى إلى تأزم الوضع وقامت المظاهرات مطالبة بالغاء المعاهدة، واسقاط صالح جبر.. وبعد اجتماع موسع للسياسيين في البلاط الملكي، استمر عدة ساعات (وما يذكره الهلالي بالتفصيل ما جاء في محاضر الضبط).. تم الاتفاق على تأليف لجنة لوضع صيغة بيان للجمهور اذيع من الاذاعة العراقية.
والبيان يؤكد عدم ابرام أي معاهدة لا تضمن حقوق البلاد الوطنية. وبعد ازمات متكررة قدم بعض الوزراء استقالاتهم، ثم استقالة صالح جبر، التي نقلها المؤلف نصاً.. وقد رشحت الاحزاب محمد الصدر لتولي الوزارة بعد رفضها لارشد العمري. وعقد الوصي اجتماعاً سياسياً كبيراً في البلاط الملكي يوم 28/1/1948، حضره عدد من رجالات السياسة، واستمر الاجتماع حتى ساعات الفجر الاولى، وكلف محمد الصدر بالوزارة، وبعد تشكيل الوزارة قدم الوصي استقالته، التي لم تتم الموافقة عليها، ثم حدثت تطورات سياسية سريعة حيث الغت الوزارة الجديدة المعاهدة، واطلقت الحريات للصحف، وفسحت المجال للنشاط الحزبي.. ثم بعد شهرين حل المجلس النيابي.
وعن الانتخابات التي حدثت يوثق الهلالي عدداً من الشكاوى والاتهامات التي حصلت. وفي المجال العربي، تناول انقلاب حسني الزعيم في سورية الذي ارسل قائد الانقلاب وفداً إلى بغداد. وبعد سفر الوفد صدر بيان رسمي عن موقف العراق من انقلاب سورية. ثم حدث انقلاب آخر في سورية قاده اللواء سامي الحناوي، الذي اراد اقامة وحدة بين العراق وسورية، ولكن هذا الاتحاد لم يلق قبولاً من مصر والسعودية وبريطانيا وفرنسا واميركا. وقد عرض علي جودت الايوبي على الوصي عبد الاله قبل تشكيل وزارته التي اعقبت وزارة الصدر، بأن يقوم بتسوية الخلافات مع مصر والسعودية.. وبعد صدور بيان في مصر لم يلق الرضا من الوصي.. فلما عاد الوفد من القاهرة في 30/1/1950 دعي إلى اجتماع عاجل في قصر الرحاب. وينشر الهلالي النص الكامل للاتفاق العراقي ـ المصري والمسمى «اتفاق الكرام».
ومن الأمور المهمة التي حدثت في تلك الفترة مرض الملكة عالية. وطلاق الاميرة فائزة زوجة الوصي المصرية، ثم وفاة الملكة في 21/12/.1950 وبهذه المناسبة حضر الملك عبد الله ملك المملكة الاردنية، مجلس الفاتحة في البلاط الملكي.. كما حضر الشيخان الشعشاعي والشعيشع، إضافة إلى مقرئي القرآن العراقيين. وبعد وفاة الملكة اكمل الملك فيصل الثاني دراسته في بغداد. وقد اختيرت مجموعة من الاساتذة لتدريسه المواد المقررة.
وكان الملك معجباً برياضة الجودو، ووضع كتابا خاصا عنها، وسماه الكتاب «أساليب الدفاع عن النفس».. وكان الملك عبد الله يتردد كثيرا على العراق. وفي يوم 20/7/1951 اغتيل الملك عبد الله في القدس.
وفي سورية تسلم الشيشكلي الحكم في 8 يونيو (حزيران) 1952 ولجأ الشيخ هايل السرور سياسيا إلى العراق.. ثم سقوط الشيشكلي في سورية.
وفي اجتماع في البلاط الملكي حدثت امور يذكرها الهلالي بالتفصيل، ثم يتحدث عن عنوان عمله الذي اصبح تشريفاتيا، والقصيدتين اللتين كتبهما لاحساسه بالغبن من هذا العنوان في العمل، وعدم الترقي.
وعند عودة الملك فيصل الثاني إلى بغداد، بعد اكمال دراسته، قرر الوصي نشر كتاب الملك (وطلب مني تأليفه).. (ثم طلب مني السفر إلى بيروت لطبعه).. وقد تم طبع الكتاب ووزعت النسخ خلال احتفال التتويج.. وكشف كوركيس عواد حقيقة اني كاتب هذا الكتاب. ثم تحدث المؤلف عن حفلة التتويج والمشاكل والمواقف اثناء الاحتفالات. وبعد تسلم الملك سلطاته «منحني وسام الرافدين من الدرجة الخامسة.. وهذا اقل من استحقاقي».
ويتحدث بشكل مفصل عن مشكلة اخيه الدكتور عبد الحميد وتهريب النفط. وعن مذكرات الوصي عبد الاله، ويؤكد ان الوصي كلف روفائيل بطي بكتابتها. ولو توفرت لعرفت الكثير من الاسرار.
وكتب الهلالي أيضاً عن الدكتور فاضل الجمالي ومقابلاته مع الوصي و«طولها» على غير عادة الوصي في المقابلات الأخرى. كما تحدث عن ذكرياته مع الامير زيد، الذي كان سفيرا للعراق في بريطانيا، وكانت تنسب اليه الانابة عن الوصي خلال سفره. ويقول عنه انه «رجل طيب وبسيط وبعيد عن التكبر، يتحدث بصوت رقيق وخفيض». وتحدث مطولاً عن بعض الاحداث التي جرت مع الامير زيد. كما سرد الهلالي عن ذكرياته مع تحسين قدري، وسعيد فريحة صاحب مجلة «الصياد» البيروتية.

ج. الشرق الاوسط 2002