فؤاد زكريا … فيلسوف العقل

فؤاد زكريا … فيلسوف العقل

ولد د. زكريا فى بورسعيد 25 كانون الاول 1927 وتوفى فى 11 مارس 2010، أكاديمي واستاذ جامعي مصري متخصص في الفلسفة. تخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة عام 1949. نال الماجستير عام 1952 والدكتوراه عام 1956 في الفلسفة من جامعة عين شمس

عمل أستاذاً رئيساً لقسم الفلسفة بجامعة عين شمس حتى 1974. عمل أستاذاً للفلسفة ورئيساً لقسمها في جامعة الكويت (1974 – 1991). ترأس تحرير مجلتي “الفكر المعاصر” و”تراث الإنسانية” في مصر. عمل مستشاراً لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة وتولى منصب مستشار تحرير سلسلة عالم المعرفة الكويتية

قدم فؤاد زكريا للمكتبة العربية العديد من الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة بالإضافة الي مقالات ودراسات في الصحف والمجلات تتصل بمشاكل فكرية واجتماعية ونقد السائد في الفكر العربي والواقع المصري. في دراساته وكتاباته الفلسفيه يقدم لغه فلسفية رصينة وقدرة فذة علي التحليل والنقد وفهم دقيق للمصطلح الفلسفي.

فؤاد زكريا أيضا هو صاحب مقال (العلمانية هي الحل) رداً على دعوة (الإسلام هو الحل)، وصاحب النظرية القائلة: إن الغزو الثقافي الغربي خرافة لا وجود لها، وأحد أبرز المعادين للمنهج السلفي ومنتقديه، فقد سخر من الاتجاهات الإسلامية المعاصرة الملتزمة بهذا المنهج، وقال أنها بالتزامها به تُركز على التمسك بشكل الإسلام من دون مضمونه.
خاض الراحل العديد من المعارك الفكرية دفاعاً عن العقل العربي، حتى إن البعض عدّه العدو الأول للتيارات الدينية المتزمتة. لكنّه كان يرى نفسه عدواً لكثير من الجماعات والتيارات السياسية الموجودة على الساحة، الإسلاميون أولاً وبعدهم الناصريون وكذلك كثير من اليساريين والشيوعيين. لهذا السبب لم يجد على الأرجح أي جهة تدافع عنه أو تعمل على نشر أفكاره، وخصوصاً أنّه رفع دائماً شعار «العلمانية هي الحل» مقابل شعار التيارات الدينية «الإسلام هو الحل».

خاض الراحل العديد من المعارك الفكرية، كانت أبرزها عقب نشره مقالته الشهيرة «معركتنا… والتفكير اللاعقلي» في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973. كتب: «إنّه من الظلم البيّن أن ننسب الانتصار العسكري الوحيد الذي أحرزناه في العصر الحديث على الأعداء إلى الملائكة، وننكر الجهد الشاق الذي بذلته القوّات المسلحة في التدريب والإعداد والاستعداد الشاق». تلى هذا الكلام هجوم شديد عليه في معظم وسائل الإعلام المصرية حينها، تلتها منابر المساجد. خاض زكريا معركة أخرى مع محمد حسنين هيكل بعد كتاب الأخير «خريف الغضب»، فأصدر كتاباً حمل عنوان «كم عمر الغضب»، يقوّم فيه الفترة الناصرية.
كما دخل د. فؤاد زكريا عام 1984 في “معركة صحفية” مع الشيخ الشعراوى، وكتب مقالاً في الصحافة الكويتية بعنوان “كبوة الشيخ”!

المفكر الكبير الراحل، قال في مقال مطول: “سأكتفي بضرب امثلة سريعة، كلها مستمدة مما سمعناه او قرأناه للشيخ خلال شهر رمضان الأخير. فهو يعرض في أحد احاديثه التلفزيونية رأيه في اخلاق المرأة والعلاقة بينها وبين الزي الذي ترتديه، فيقول ان المرأة يجب ان تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوّة ابنائه منها! وهكذا يقرر الشيخ ببساطة شديدة، ان المرأة المستورة او المحجّبة هي وحدها التي تنجب لزوجها ابناء يكون واثقاً من انهم ابناؤه، اما اذا لم تكن كذلك، فإن الامر يظل موضع شك! وحين يعرض الشيخ شعراوي نظرية اخلاقية كهذه، لا يملك المرء إلا ان يشعر بالالم والحزن على نوع التفكير الذي يوصل الى مثل هذه النتائج.. وهكذا تختزل المرأة كلها الى عنصر واحد، هو الجسد والجنس، وننسى المرأة العاملة والمرأة المشتغلة بالعلم”.

وتناول د. زكريا مجالاً آخر من مجالات اختلافه مع الشيخ الشعراوي فقال: “ اما في ميدان العلم، فقد كانت للشيخ صولات وجولات، سأكتفي منها بنموذج واحد استمعنا اليه جميعاً، وهو تفسيره للآيات المتعلقة بالسماوات والارض، والنظرية الفلكية التي عرضها علينا عرضاً مفصلاً، وحدّد فيها علاقة السماء الاولى بالثانية، والثانية بالثالثة، وهلم جرى.. والامر الملفت للنظر في هذا الحديث هو حرصه الدائم على الاقلال من شأن العقل والعلم الانساني، واستمتاعه بتأكيد ضعف النظريات العلمية البشرية وتفاهتها.. وان علوم الفضاء وتكنولوجيا الاقمار الصناعية كلها لا تساوي شيئاً.. هنا لا يملك المرء إلا ان يتساءل: لمصلحة من يقال هذا الكلام في بلاد تكافح من اجل اللحاق بركب العلم والتكنولوجيا.. وماذا يكون وقع هذه الكلمات على اسماع الاجيال الشابة الجديدة، التي تعيش اعداد كبيرة منها في اسر مفتونة بالشيخ ومتقبلة لكل حرف يقوله وكأنه كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ الا يدري الشيخ ان مستقبلنا مرهون بالعلم”؟

وبسبب تكرر هذا المنحى المعادي لدور العلم في احاديث واشرطة العديد من الدعاة، لاحظ د. زكريا، “ان الهجوم على العقل البشري واتهامه بالقصور أصبح سمة من ابرز السمات المميزة للدعوات الاسلامية المعاصرة.
ومن الواضح ان الكثير من الدعاة يتصورون ان الوحي الالهي لن تصبح له مكانته في نفوس الناس إلا على حساب العقل البشري، بحيث يتعين عليهم ان يحطوا من شأن العقل حتى يؤمن الناس بمكانة الوحي. وتلك في رأيي أسوأ أساليب الدعوة، خاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه العلم وغيره من منجزات العقل البشري “القاصر” حقيقة لا يملك ان يتجاهلها مخلوق. ألم تكن بعض منجزات هذا العلم هي التي اذاعت شهرة الشيخ، ونقلت افكاره على اوسع نطاق عن طريق تكنولوجيا الطباعة والاذاعة والتلفزيون والكاسيت؟.
ولكن أليس العقل الانساني قاصراً محدوداً فعلاً؟

يجيب د. زكريا: “ان العقل البشري قاصر بلاشك، ونظرياته واكتشافاته كثيراً ما تتناقض او يتضح خطؤها بمضي الزمن. ولكن عظمة هذا العقل تكمن في سعيه، برغم ضعفه هذا، الى ان يتجاوز نفسه على الدوام، ومن المؤكد انه نجح في ذلك الى حد غير قليل، بدليل انه نقلنا في قرن واحد من عصر الخيول الى عصر الصواريخ والطائرات الاسرع من الصوت، ومن تكنولوجيا “الحمام الزاجل” الى تكنولوجيا الترانزستور والعقل الالكتروني والتلستار. ان عقلنا مازال قاصراً، ومازال يقف امام ظواهر كثيرة، كالسرطان، عاجزاً مكتوف الايدي، ومع ذلك فانه يحاول، وكثيراً ما ينجح ولو بعد حين. فمن المستفيد من هذا التنديد بالعلم والعقل، والسخرية من تلك الانجازات العظيمة؟.. ان اكبر ما يلحق الضرر بالدعوات الاسلامية المعاصرة هو حالة الجهل التي تنشرها بين انصارها، والادهى من ذلك ان هذا الجهل يبدو لاصحابه علماً واسعاً”. (القبس، 1984/7/22).
واذا كان فؤاد زكريا قد كتب باقتدار في الفلسفة و خاض بعض مشكلات الفكر و الثقافة باستاذية، فانه في نفس الوقت هو المجادل الذي لا يشق له غبار في كتابيه ” الحقيقة و الوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة ” و”الصحوة الاسلاميه في ميزان العقل” فقد نحت مصطلح”البترو اسلام” و ناقش افكار الشيخ الشعراوي و مصطفي محمود، و فند اراؤهما اللاعلمية، و وضح انهما لا يمتلكان المعرفه بالاتجاهات التي ينقدانها. و كذللك تفنيده لاراء حسن حنفي التي كانت تري ان موجةالمستقبل في بلادنا هي ما يسميه بالاصولية الاسلامية موضحا تناقضات اراء ” حنفي” وخطورة الانبهار بجماعة الجهاد التي اغتالت السادات. و فند ايضا تهافت بعض اراء المعارضين التي رأت في الجهاد حليفا نظرا لعداء الجهاد للسادات. لفد كان فؤاد زكريا قارئا جيدا للتاريخ، و لم يكن مفكرايسكن فى برجه العاجي , بل يتضح من كتاباته انه كان الاقدر في ظل هذا الانبهار الجارف بالتيار الديني – و الذي ادي ببعض الكتاب الي مراجعه افكارهم والوقوع قى اسر الاصولية – علي الوصول الي الحقيقه التي قد تختفي وراء ضباب اللحظات الانفعالية، والمواقف العاطفية.
في آخر حديث له قبل وفاته بأسابيع قليلة خص به «الشرق الأوسط»، شدد الدكتور فؤاد زكريا على أن أهم مشكلة مزمنة يعانيها العقل العربي والثقافة العربية الآن.. هي مشكلة الحرية، مطالبا بترك كامل الحرية للكتّاب والمفكرين في أن يقولوا ما يعتقدونه وما يريدونه من دون قيود مفروضة عليهم من أي نوع ومن دون فرض تحريمات أو قيود عليهم في أهم الميادين التي يرتادونها أو المجالات المعرفية والفكرية التي يعالجونها ويدرسونها، وجميع المجالات المطروقة للدراسة والتفكير. وفسر زكريا مشكلة العقل العربي، قائلا: «إن التحليل الدقيق لمشكلة العقل العربي يؤكد استمرار أو سيادة نمط واحد محدد من أنماط التفكير أو شيوع التفكير اللاعقلاني وغياب المنطق وحضور الخرافة»، وأضاف: «كل هذا يؤدي في النهاية إلى تكريس وتثبيت الأوضاع الصعبة التي تعانيها الشعوب العربية. وبقاء هذه الأوضاع حتى الآن يعني أن التفكير العلمي السليم ما زال بعيدا عن التغلغل في أذهان الناس وحياتهم العامة على المستويات والطبقات كافة».

وأوضح زكريا أن «العقول لا تتغير من فراغ، فلا معنى لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولا، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع، لأن الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدى، العقول لا تبدأ التغير إلا بعد أن تتغير الأوضاع من حولها».. وتابع: «ما زال لدينا أناس يدافعون ويروجون للشعوذة والسحر والدجل إلى يومنا هذا، ومنهم من يؤمنون بهذا، وهم حاصلون على مستويات تعليمية عليا، وكل هذا نتيجة إحساس الإنسان بالعجز عن مواجهة أزماته ومشكلاته التي يواجهها».
ووفقاً لما جاء في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الدكتور فؤاد زكريا يعتقد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت لها علاقة بالإرهاب المباشر، وأكد أن محاولات الدفاع عن الإسلام وتقديم الصورة الصحيحة له في الغرب لم يكن لها نصيب كبير من النجاح، لأن كل الأعمال الإرهابية التي وقعت كانت تتقنع وتتحدث باسم الإسلام، وفي الوقت نفسه لم يحاول بعض المسؤولين ورجال الدين المسلمون القيام بما يتحتم عليهم القيام به من كشف وفضح زيف وادعاءات هذا الفريق من المسلمين، الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الإسلام.
نال زكريا جائزة الكويت للتقدم العلمي وجائزة العويس الإماراتية وجائزة الدولة التقديرية في مصر.

مؤلفاته

- نيتشه، 1956
- نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان، 1962
- اسبينوزا
- الإنسان والحضارة
- التعبير الموسيقي
- مشكلات الفكر والثقافة
- دراسة لجمهورية أقلاطون
- آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة، 1975
- التفكير العلمي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1978
- خطاب إلى العقل العربي، 1978
- كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي. الكويت 1983
- الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة، 1986
- الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، 1987
- آفاق الفلسفة، 1988
- الثقافة العربية وأزمة الخليج، 1991
- ماركيوز
كتب ترجمها

- ب. موي: المنطق وفلسفة العلوم (جزآن).ء
- ر. متس: الفلسفة الإنجليزية في مائة عام، 1963
- هانز رايخينباخ: نشأة الفلسفة العلمية
- هربرت ماركوز: العقل والثورة، 1970
- أرنولد هاوزر: الفن والمجتمع عبر التاريخ (جزآن)، 1973
- برتراند راسل: حكمة الغرب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت،
- هنتر ميد: الفلسفة أنواعها ومشكلاتها..الناشر مكتبة مصر
- جمهورية افلاطون 1966