إنقلاب بكر صدقي والاغتيالات السياسية.. من قتل ضياء يونس...؟!

إنقلاب بكر صدقي والاغتيالات السياسية.. من قتل ضياء يونس...؟!

معن عبد القادر آل زكريا
باحث ومؤرخ
في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الأربعاء الموافق العشرين من شهر كانون الثاني سنة 1937، وبينما كان ضياء يونس يسير في حي البتاوين وسط بغداد الواقع إلى الجهة الشرقية من شارع السعدون -ذهاباً إلى الكرادة- قاصداً مسكن الحاج إسماعيل شنشل حيث اعتاد زيارته مساء كل يوم تقريبا، مرّت بالقرب منه سيارة تسير ببطء، فلما حادته،

أخرج أحد الرجال الثلاثة الذين كانوا في السيارة مسدسه ووجهه إلى رأس المرحوم ضياء فأرداه ممدّداً على الرصيف، مضرّجا بدمائه ثم نزل إليه الاثنان الآخران ووجها إليه مزيدا من الرصاص حتى فارق الحياة في الحال وكان ضياء يونس أحد أعضاء حزب الإخاء الوطني، ثم صار نائبا أخائيا في المجلس النيابي عن مدينة الموصل حتى سنة 1930. ثم أعيد انتخابه ثانية سنة 1934، ثم نائبا للمرة الثالثة حتى سنة 1934. وبعد انقلاب بكر صدقي، سحب إلى وظيفة مدون قانوني لتنتهي حياته سنة 1937 على الشكل الذي سنبينه في مقالنا هذا.
يذكر ضياء شيت خطاب رواية نقلها إليّ مؤخرا ولده فائز، إن الرواة قالوا في حينها إن السيارة كانت تضم فضلاً عن الرجال الثلاثة المطربة عفيفة اسكندر. وتقول الرواية إن الجميع كانوا في حالة سكر شديد إلاّ أن روايتهم تلك، لم يقدّم لها من الإسناد المادي أي أصل -(الباحث).
لقد اشتهر المرحوم برقّة الطبع ودماثة الخلق، فلم يعرف عنه انه قد ضمر شراً لأحد أو تسبب في عداءٍ ألحق ضرراً بأي إنسان. لذلك يستبعد ان يكون اغتياله جراء عداوة أو بغضاء. وإذا ما وضعنا جانبا مسألة الخلافات الشخصية بحسبها سبباً من أسباب الاغتيال، فتبقى في الميزان مسألة الاغتيال السياسي... وتحديداً أكثر، من هي الجهة التي كان قتله يعود عليها بالفائدة الكبرى؟ ثم من هم الجناة؟ وما هي أوصافهم؟... وأي مناصب كانوا يشغلون وهل مثلوا أمام القانون أم فرّوا ناجين بجلودهم؟ وهل حل عليهم قصاص عدالة السماء فيما بعد كما يقول البعض من العارفين ببواطن الأمور؟!!.تقول إحدى الروايات ان إبعاد المرحوم ضياء يونس عن سكرتارية مجلس الوزراء إلى وظيفة مدون قانوني يعد انتقاماً ادارياً بسيطاً منه إذا ما قورن هذا بأعمال المطاردة والتشريد التي لحقت بعشرات السياسيين فغادروا العراق فارين بجلودهم إلى دول عربية وإسلامية مجاورة. إذن لماذا كان يبدو على المرحوم ضياء يونس - قبل اغتياله بحوالي أسبوع أو أقل - عدم راحة البال؟ إذ يذكر القريبون منه ان الهواجس قد انتابته، الأمر الذي أدى به إلى المبيت في منزل آخر غير منزله بضعة أيام، حتى انه اضطر إلى إرسال أفراد أسرته إلى الموصل وكأنه كان ينتظر المصير ليواجهه وحده بصمت ودون شهود.
وهناك رواية ذكرها احمد فوزي عبد الجبار في كتابه (أشهر الاغتيالات السياسية في العراق الملكي) تقول: ان العصابة التي قامت بتنفيذ العملية كانت نيتها متجهة أصلا لاغتيال ثابت عبد النور الذي لم يجدوه في المحل المرصود وانما صادفوا ضياء يونس فجأة أمامهم فكان لابد ان يكون اسمه قد دخل قائمة (الباشا) السوداء فاقتنصوه وعادوا إلى سيدهم بفريسة أياً كانت، خيراً من لا شيء... وهكذا كان...
ويؤخذ على رواية عبد الرزاق الحسني في ذكره حادثة الاغتيال ووصفه إياها، أن الحيثيات التي جاء بها لا تصلح سنداً قوياً ولا تشكل رأياً راجحاً تحت أي باب من أبواب التاريخ أو التوثيق ومنها قوله (والمعروف ان القتيل كان يرأس اجتماعات سرية ضد الوزارة القائمة. وان قاتله اسماعيل توحلة بالذات).
للرد على ذلك يقول آخرون: إن الجو السياسي العام بعد انقلاب الفريق بكر صدقي كان جوا مكتظا بالارهاب وحوادث التهديد والاغتيال لشخصيات عديدة ومشبعا بروح السفه السياسي والأخلاقي سواء على مستوى الضباط الصغار ومرافقي القادة أو حتى على مستوى القادة والوزراء أنفسهم.
لذا فان إمكانية ترأُس ضياء يونس اجتماعات سرية ضد الوزارة القائمة أمر مستبعد، بل يمكن اعتماد رواية غيرها تقول انه كان يتراسل مع زعيم حزبه ياسين الهاشمي الذي غادر العراق إلى منفاه (لبنان). كما أن اتهام إسماعيل عباوي (توحلة) بأنه القاتل دون الاعتماد على إثبات يرجح تلك الرواية أو الإتيان بدليل مادي ملموس معززا بشهادة شهود، فهو من باب إطلاق الكلام على عواهنه، إلا أن أحدا من الذين عاشوا إبان تلكم الحقبة لم يبرئ المذكور (توحلة) على مستوى (الظن) من الاتهام بتلك العملية كما سنرى.
أما رواية مدير الشرطة السابق عبد الرحمن حمود السامرائي، التي حكاها الصحافي احمد فوزي عبد الجبار ونشرها في كتابه الموسوم (الاغتيالات السياسية في العراق الملكي) فتقول إن السامرائي كان قد اطلع على بعض الوثائق المأخوذة من تقارير أمنية بشأن حادثة اغتيال ضياء يونس، تلك الوثائق التي تزعم كما قرأها السامرائي بوجود (جماعة) من الانقلابيين من أنصار الفريق بكر صدقي، هم الذين دبروا هذه العملية والسبب في ذلك احتفاظ المرحوم ببعض أصول الحوالات المالية التي كانت ترسلها الوكالة اليهودية في فلسطين مساعدة لجماعة (الأهالي) مع رفضه (ضياء يونس) تسليمها إلى طالبيها الذين يمكن أن يفتضح أمرهم...!!
هنا، وعند هذه النقطة يمكننا الوقوف لهنيهة باعتبارها من أكثر الأمور التي يرجّح قبولها، بحسبها سبباً من أسباب الاندفاع نحو اغتيال المرحوم المحدث عنه.. أما مؤاخذتنا على الرواية إياها فهو الامتناع عن ذكر أسماء سوى الذين ذكرهم السامرائي بـ (الجماعة).
إن الإحجام عن ذكر أي أسماء المشتبه بهم يتضمنه تقرير أمني تقوم بإجرائه جهة أمنية تذكر فيها تفاصيل حادثة اغتيال سياسي وقع في وسط العاصمة بغداد لشخصية قانونية وسياسية معروفة فهو لأمر عجب!!.
ثم يضيف (السامرائي) مستطردا في روايته (هم الذين دبروا هذه العملية) ويقصد بذلك (الجماعة) الذين ذكرهم قبل ذلك. ومن باب التحليل القانوني الدقيق فان صفة مدبر قد تنطبق على المخطط أكثر مما تنطبق على المنفذ، لذا كان الأجدر بالسيد السامرائي وهو ضابط شرطة متمرس أن يحاول التفتيش عن أسماء القائمين بالعملية طالما انه فتش بين طيات أوراق التقارير وأضابير دوائر الأمن والتحقيقات الجنائية، أو في الأقل يذكر نصوص وبيانات أخرى يمكن ان تكون قد تناولتها التقارير بحذافيرها، كونه قد اطلع على التقارير وقرأها بتمعّنٍ وتروٍّ كما ذكر لأحمد فوزي شخصيا.
وأكثر الروايات مقبولية في نظرنا هي رواية السفير البريطاني في بغداد المستر (ارجيبالد كلارك كير Archibald Clarck Keer) التي تضمنها تقريره المرسل إلى وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 14 شباط من سنة 1937. وتعد أهم فقرة وردت في الرواية قوله (إن الغالب على صفة القائمين بعملية الاغتيال كونهم ضباط في الجيش العراقي).
وقد قرن ذلك الاشتباه بنوع الرصاصات المستخدمة في العملية فضلاً عن نوع المسدس على وجه التحديد ومدى اقتصار توفره لدى ضباط الجيش العراقي أولئك الذين يشغلون مكانات قريبة من صناع القرار السياسي.
كما ذكر تقرير السفير البريطاني ان ضياء يونس (كان يراسل ياسين الهاشمي (زعيم حزبه) في بيروت، وانه دفع حياته ثمنا لعدم تبصره).
أما تقرير القائم بأعمال السفارة البريطانية المستر (اوزوالد سكوت Oswald Scoot) فهو في طبيعته ليس أكثر من توصيف للحالة العامة من حيث انه لم يأت بشيء جديد كون حكومة جميل المدفعي التي أعقبت حكومة حكمت سليمان (حكومة سياسة إسدال الستار على الماضي وعفا الله عما سلف) فلم تتخذ أية إجراءات بشأن تقديم الجناة إلى القضاء.
كما أن الصحافة العراقية، التزمت الصمت المطبق تجاه تلكم الأعمال، كأنما كان هناك سيفاً مسلطاً على رقاب السلطة الرابعة... ما عدا السائح العراقي والصحافي الموصلي يونس بحري الجبوري صاحب جريدة العُقاب الذي يقول في كتابه (أسرار 2 مايس 1941، أو الحرب العراقية الانكليزية) ما نصه: (وبعد أن شاركت الجبهة الشعبية اليسارية في مناصب وزارية أخذت صحفها تصب صباح كل يوم سيلاً عارماً من الشتائم على رؤوس السياسيين وتحملهم مسؤولية ما آلت إليه أحوال البلد السيئة آنذاك من تبعة الشقاق والفرقة التي سادت صفوف المجتمع، فضلاً عن نقمة العشائر وتمردها (المقصود حكومة ياسين الهاشمي وحزب الاخاء الوطني على وجه التحديد).
يضيف يونس بحري قائلا (لذلك فقد تصديت بواسطة صحيفتي (العقاب) للرد على أولئك المهاجمين بشدة وضراوة اعتبرها الفريق بكر صدقي موجهة ضده بالذات).
ويضيف البحري متحدثا: وفي صباح الثلاثين من شهر كانون الثاني من سنة 1937، وبينما كنت متوجهاً إلى مبنى وزارة الداخلية كعادتي بحكم عملي الصحفي، صرت وجها لوجه قدام ثلاثة من أصدقائي الضباط الذين يعدون من أشد أنصار بكر صدقي وهم العقيد الطيار محمد علي جواد واسماعيل توحلة (عباوي) وصالح فوزي. وقد ناداني صالح فوزي أن اقترب منهم، عندها تقدم مني محمد علي جواد وفاجأني بقوله ما نصه: لقد كلفنا الباشا (يقصد الفريق بكر) باغتيالك فوراً!! ولما كنت صديقاً وفياً لنا فقد سمحنا لك بالسفر إلى خارج العراق فانج بنفسك حالاً، كي لا يكون مصيرك كمصير صاحبك ضياء يونس من قبل..!!
ويضيف يونس بحري متحدثاً (ولما كنت وقتها وحدي في الساحة، فلم أكن أملك حينها إلا أن أظهر تبسمي وأكظم غيظي وخوفي مما قاله لي العقيد الطيار محمد علي جواد حتى قلت متداركاً: لكن يا أخي العقيد ليست معي فلوس للسفر..!! وسرعان ما مد محمد علي يده في جيب سترته وأخرج ديناراً واحداً ونصف دينار، قائلاً ومقسماً: والله هذا كل ما لديّ فاذهب في أمان الله).
ثم اختفى البحري منذ ساعتها ليظهر في لبنان ويكتب كتابه المسمى (العراق اليوم) يفضح فيه أساليب البطش والتنكيل التي استخدمها الانقلابيون ضد معارضيهم ومن أنصار الوزارة السابقة. نعود إلى مناقشة الروايات التي خاضت في موضوع اغتيال ضياء يونس فنقول إن رواية العريضة التي قدمتها والدة المغدور هي رواية حقيقية كانت قد طلبت فيها بإعادة فتح التحقيق كون أصابع الاتهام تشير إلى تحريض تم من قبل بكر صدقي نفسه...!
أما رواية السيد احمد فوزي عبد الجبار نقلا عن مذكرات العميد طه الهاشمي التي يقول فيها ويؤكد (أن ليس للعسكر ضلع في مقتل السيد ضياء يونس) فهو قول نعده من باب الروايات الضعيفة، ناهيك عن انها جاءت مبتورة، كما ان المقتبس السيد احمد فوزي لم يشر إلى مكان الاقتباس من جملة مذكرات الهاشمي لأن تصفح مذكرات الهاشمي وحسب تواريخ تسبق حادثة الاغتيال أو تأتي بعدها (كما قمنا به نحن كاتب هذا المقال) فهي في جملتها لا تبرئ جماعة بكر صدقي بأي شكل من الأشكال. اما الاعتماد على النص (ليس للعسكريين ضلع) فهو كلام يحتمل التأويل إذ يجوز أن يكون مقصده أن القائمين بالعملية هم من العناصر المدنية لكنهم محسوبين على العسكر وعلى جماعة بكر صدقي. تبقى مسألة تبرئة العسكر بصفة (الانقلابيين) فهو كلام فيه تجنٍ على الحقيقة التي كانت واضحة للعيان كما سنرى لاحقا.
يقول طه الهاشمي، الذي كان يومئذ في الأستانة في مذكراته ليوم 5 كانون الثاني 1937 (إن الأخبار التي ترد من الوطن لا تدعو إلى الاطمئنان، والجماعة - يقصد جماعة بكر صدقي- لن يراعوا ذمة للوطن، واصبح بكر يتسفه ويشجع جماعته على الفتك والقتل وهو يعيش حياة خلاعة ومحاط بسقط المتاع من الجيش من أمثال: علي غالب الأعرج ولازار برادو وحسين الدليمي وغيرهم، والانكليز يتربصون للأمر وهم يدبرون في الخفاء أمراً لا تعلم عواقبه).
ويقول الهاشمي في مذكراته ليوم 26 كانون الثاني 1937: تم توقيف صادق البصام وصادق حبة وعلي محمود الشيخ علي وداوود السعدي.وفي 7 شباط يقول العميد الهاشمي: (ذكرت الأخبار ان الجماعة مستمرة على سياسة الارهاب فشاع ان عبد الله باشعالم اغتيل في الموصل، وان جمال المفتي قد جرح في ظروف مجهولة وان مولود مخلص رئيس مجلس الأعيان اطلقت عليه النار من قبل مجموعة ولم يصب بسوء فهرب عن طريق دير الزور ثم اطلق سراح البصام الذي وصل بيروت وان داوود السعدي ويونس السبعاوي اخرجا من العراق وان جميل روحي ومصطفى الجادر قد جرحا أيضاً).
وكتب العميد طه الهاشمي في مذكراته ليوم 23 آذار 1937: (ذهبت إلى القنصلية العامة في استانبول فشاهدت الرئيس الأول محمد زكي مرافقي السابق وهو برفقة أخيه، وقد وصل من بغداد يوم أمس يروم الذهاب إلى فيينا للتداوي. وقال انني رأيت رضا العسكري في 20 مارس عند علاء الدين النائب وسألته عن ظروف مقتل ضياء يونس، فقال إن السبب مجهول وقال انه سمع أخبارا عن توقيف بعض الضباط. ويضيف محمد زكي قائلا: ان المقدم احمد بهجت الذي جلب امرأة نمساوية كانت تعمل راقصة في الملاهي الليلية كزوجة لبكر صدقي. ويعلق العميد الهاشمي على هذا الموضوع قائلا: (ان هذه المرأة هي ذاتها كانت قبل بضع سنين تقيم في ايران وتعمل في التجسس لحساب الألمان ثم أخرجوها من إيران، وان الدكتور غروبا الوزير الالماني المفوض في بغداد هو الذي سعى لجلبها من النمسا وتزويجها من بكر صدقي.
ويضيف العميد طه الهاشمي قائلا في مذكراته (ان الضباط الذين كان يعتمد عليهم بكر صدقي في الموصل هم كل من احمد حمدي وخليل مخلص واحمد فخري).
وقد أخبرني صديقي المهندس فايز ضياء شيت خطاب (في مقابلة شخصية معه) وهو حفيد ضياء يونس من ابنته قائلا (ان جدي المرحوم شيت (والد الحاج محمود وضياء) نصح المرحوم جدي ضياء يونس بامكان تهريبه إلى قرية امشرف احبيط و قرية ملح التي كان يملك فيها أطيانا وتسكنها عشاير الجحيش وعشائر طي قرب قرية وانه من أعمال سد الموصل حاليا، وهو عند ذاك سوف يكون لا خوف عليه من شر يطوله إذا كان في الجو ما ينذر بالشر. إلا أن جدي المرحوم ضياء يونس رفض ذلك رفضا باتا قائلا: لا اعتقد ان الأمور يمكن ان تصل بهم إلى هذا الحد... ومع ذلك فالأعمار بيد الله...)
تبقى هناك رواية أخرى يرويها اللواء الركن الحاج محمود شيت خطاب ولا يتطرق إلى ذكرها احمد فوزي عبد الجبار حكاها لي فايز بن ضياء شيت خطاب، بخصوص أسماء الذين أوفدهم بكر صدقي إلى المرحوم ضياء يونس يطلبون منه فضح الأسرار الخاصة بسياسة الهاشمي وبحياته العائلية كي يقوموا بنشرها في كتاب خاص، لكن جواب ضياء يونس للمدفوعين (لا أحد يذكر أسماءهم) كان قاطعا وحاسما: لا أعرف أسرارا عن الهاشمي ولا علم لي بخفايا الناس..!!
وتضيف الرواية قائلة: إن الموفد (لم يحدد الراوي فيما إذا كان شخصا واحدا أو أكثر) هدده وتوعده إن هو لم يفعل ما أمر به. إلا أن المرحوم ضياء لم يقل للموفد غير الحق. كما لم يذكر لنا أحد نقلا عن المرحوم ضياء يونس أو غيره أسماء الذين أوفدوا لتهديده، لأننا لو علمنا ذلك فسيكون مفتاحا مساعدا في كشف أسماء حلقة التآمر والاغتيال.
يروي المرحوم اللواء الركن الحاج محمود شيت خطاب قريب المرحوم ضياء يونس وصديقه: عندما كنا في زيارة لوالدة المرحوم ضياء صحبة والدي وحكت لنا رؤياها صعق والدي وصعقت عند ذكرها أمامنا الأسماء وكأنها قد انطبعت في ذاكرتها حرفيا دون تردد أو نسيان.
وتضيف رواية اللواء الركن محمود ان الأسماء التي ذكرتهم الوالدة تنطبق على المشتبه بهم وأنهم قتلوا جميعا دون استثناء فيما بعد. وان أحدهم قد اعدم وقطعت رأسه خارج العراق (والمقصود هو المقدم جمال جميل شقيق اللواء الركن خليل جميل) الذي ذهب إلى اليمن على رأس وفد عسكري لتدريب القوات اليمنية المسلحة فاشترك في تدبير اغتيال الإمام يحيى بن حميد الدين امام اليمن سنة 1948 وأعدم هناك. أما المتهمان الآخران فأحدهما هو اسماعيل عباوي المشهور بـ (توحلة) الذي تقول رواية ضياء شيت خطاب انه بعد أن راج اسمه ضمن فرقة الاغتيال جاء إلى والدة المرحوم ضياء بعد سنوات على الحادث وأقسم أمامها على المصحف الشريف انه لم يكن من الجناة وأنه بريء من دمه.
لكن لم يزودنا باسم الشريك الثالث، الذي ذكرت المرأة التقية اسمه على محمل الرؤيا. ونسأل من جانبنا فنقول: ان لم يكن (عباوي) الذي برّأ نفسه بالقسم كونه لم يكن من ضمن فريق الاغتيال..! فأين إذن الاسمان الآخران..؟! جواب هذا نتركه لكتاب آخرين.
رحم الله ضياء يونس فقد شيَعه أناس كثر بعد نقل رفاته إلى المقابر الحديثة في السبعينيات أكثر من الذين شيّعوه عند اغتياله في الثلاثينيات بسبب الخوف من البطش والإرهاب.
وهكذا يثبت لنا التاريخ أن كل عمليات الاغتيال السياسي التي تقف وراءها فئات سياسية لم ينل القائمون بها أي عقاب وسجلت ضد مجهول.
فقتلة جعفر العسكري لم يحاكموا....! وقتلة ضياء يونس وعبد الله باش عالم لم يحاكموا هم الآخرون وان المشتركين بمؤامرة مقتل الملك غازي لم يكشف عن أسمائهم لغاية تاريخه وان القائمين على اغتيال بكر صدقي لم يسلموا إلى السلطات وقام حينها آمر الموقع في الموصل اللواء أمين باشا العمري بقطع العلاقة مع السلطة المركزية في بغداد ومزق أوراق التحقيق ورفض تسليم المشتركين والمحرضين على العملية.
أما قاتل رستم حيدر (حسين فوزي توفيق) فقد تم إعدامه وكذلك أعدم (محمود جودت) قاتل عبد القادر السنوي.