من هي السيدة الأولى في العالم؟

من هي السيدة الأولى في العالم؟

تحقيق: افلين رياض
"انديرا غاندي السيدة الأولى في العالم.. وجاكلين اوناسيس الثانية.." هكذا كانت نتيجة الاستفتاء الواسع الذي اجراه المعهد الفرنسي للرأي العام عن اكثر الشخصيات التي تحوز اعجاب العالم..
وكانت نتيجة الاستفتاء ان فازت بالمكانة الاولى بين النساء مسز انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند وبالمكانة الثانية جاكلين اوناسيس ..

وبجانب انديرا وجاكلين هناك عدد آخر من النساء وضعهن القرن العشرون في قائمة واحدة مضيئة تضم اشهر نساء العالم... فحياة كل واحدة تعتبر اسطورة رائعة تكشف بوضوح عما في النفس الانسانية من قوى خارقة وارادة تستطيع ان تفعل المستحيل وان تحول الخيال الى حقيقة والاحلام الى واقع..
منهن العاملة البسيطة في احد مصانع النسيج التي صبحت في لحظة سعيدة تعم امرأة في العالم عندما كان ينتظر اخبار رحلتها الى الفضاء كل سكن الكرة الارضية.. انها (فالنتينا تريشكوفا) الفتاة الروسية التي فتحت افاقا امام المرأة كان مقصورا على الرجال فقط!
وامرأة اخرى كانت منذ طفولتها عمياء صماء بكماء ومع ذلك استطاعت الحصول على الدكتوراه في الاداب وترجمت مؤلفاتها الى خمسين لغة عالمية.. انها (هيلين كيلر) او معجزة القرن العشرين.
ثم ممرضة بسيطة تصبح اشهر كاتبة في العالم وتتقاضى 116 الف جنيه ثمنا لرواية واحدة.. انها (اجانا كريستي) التي ينام على قصص الرعب التي تكتبها كل الشعب الانجليزي.
ولكن لم توضع واحدة منهن تحت الاضواء البراقة الا بعد رحلة مثيرة شاقة.. ولكل منهن قصة غريبة جعلت العالم يتتبع باهتمام بالغ اخبار شهرتهن ونجاحهن.

السيدة الاولى.. رئيسة وزراء الهند
بدأت حياتها السياسية وهي لا تزال طفلة في العاشرة.. فقد طلبت ان تنضم رسميا لحزب المؤتمر الذي يعتر اقوى الاحزاب في الهند ولكن قوبل طلبها بالرفض لصغر سنها.. ولم تستطع الطفلة الثائرة الانتظار وفكرت في تكوين حزب جديد يكون جميع الاعضاء المشتركين فيه من الاطفال.. واطلقت عليه اسم "منظمة فرقة القرود".. وبعد فترة قصيرة اصبحت هذه المنظمة تضم ستة الاف من الاطفال وقامت بالكثير من الاعمال مثل كتابة وتوزيع المنشورات والبلاغات السرية ومراقبة الانجليز وتحركاتهم.. وعلى الرغم من استخفاف الجميع بها في بادئ الامر، فان هذه النظرة تغيرت بعد فترة قصيرة واصبحت منظمة الاطفال تمثل جانبا هاما في حزب المؤتمر بعد ان ساعدت الكبار في عملياتهم ضد الاحتلال البريطاني.. وقد عانت في طفولتها الكثير فقد كان دائما يزعجها القبض على احد والديها ودخوله السجن.. ثم تزوجت من فيروز غاندي، زميلها في الكفاح في عام 1942 ولكن قبل انقضاء شهر العسل قبض عليها وسجنت لمدة 13 شهرا ظلت اثناءها داخل زنزانة مفتوحة يزعجها في كل وقت صوت الرياح وهطول الامطار.. وامعانا في تقذيبها كانوا يلقون اليها بخطابات زوجها لتسبح فوق مياه الامطار وكانت تحاول بجهد كبير ان تقرأ الكلمات التي قد تخفف من عذابها ووحدتها داخل اسوار السجن العجيب ولكن مياه الامطار كانت دائما قادرة على اذابة السطور فتختفي الكلمات ولا ينبغي منها سوى رموز من الصعب قراءتها..
وانديرا هي ابنة نهرو سياسيا وغاندي روحيا وطاغور ادبيا وهي في الواحدة والخمسين من عمرها الان.. ام لولدين يدرسان الهندسة في انجلترا.. وتعيش في بيت بسيط بعد وفاة زوجها في عام 1960 ولكن حياتها مليئة بقضايا 500 مليون نسمة تحتو عليها بقلب ام فتبحث عن طعام لكل جائع وعمل لكل عاطل ودواء لكل مريض..
ومنذ تقلدت الحكم في عام 1966 صادفت متاعب وازمات كثيرة ولكنها اثبتت في كل ازمة انها المرأة القوية القادرة على حل المشاكل بحكمة وصلابة.. وعلى الرغم من المسئوليات الكبيرة الملقاة عليها فانها تعني بكل صغيرة وكبيرة في بيتها فتقوم بتنسيق الزهور يوميا وتهتم باناقتها الى اقصى الحدود.. ولكن وراء الصوت الرقيق والابتسامة الجذابة يكمن احساس قوي بالثقة في النفس وعقل قادر على التحليل المنطقي الدقيق.. ورغم انشغالها بالشئون السياسية فقد خصصت جانبا كبيرا من وقتها ونشاطها لرعاية شئون الاطفال والنساء.. انها واحدة من اللاتي عشن حياة عريضة مليئة بالكفاح والعمل واستطاعت ان تسلط عليها اضواء كاشفة تستطيع ان ترمز الى قوة المرأة وصلابتها عندما تصمم على تكريس كل دقيقة من حياتها لسعادة ورفاهية بلدها.

السيدة الثانية: ارملة كنيدي وزوجة اوناسيس
بعد زواجها من اوناسيس ظلت الصحافة لفترة طويلة تتبع اخبارها بشكل غير عادي.. فعندما حددت جاكلين موعد الزواج وضعت الجرائد العالمية الخبر في صفحاتها الاولى وافردت له المانشتات الكبيرة.. وبعدها اصبحت اخبارها يومية.. مثل النشرة الجوية تماما.. كل يوم لا تخلو جريدة امريكية من نشر اي خبر او صورة.. جاكلين بالمايوه تمارس رياضتها المفضلة.. جاكلين في رحلة شهر العسل.. فلكي عالمي يتنبأ بطلاق جاكلين من اوناسيس.. كل حركة من حركاتها اصبحت محسوبة عليها وكأنها مراقبة من جميع عيون وكاميرات الصحافة في العالم كله..
وجاكلين هي المرأة الوحيدة التي استطاعت ان تجعل العالم كله يهتم باخبارها الشخصية ويتتبعها باهتمام بالغ منذ ان اصبحت السيدة الاولى في امريكا.. فهي تملك جاذبية خارقة حصلت مجرد نشر صورتها على غلاف اية مجلة يؤدي الى زيادة كبيرة في التوزيع وصل في بعض الاحيان الى ثلاثة اضعاف الرقم العادي..
وبعد زواجها من اوناسيس اصبحت مرة ثانية محور حديث كل الناس على مختلف المستويات.. ووضعت امام اسمها الجديد علامة استفهام ضخمة.. لماذا تزوجت من اوناسيس بالذات؟ ولا تزال علامة الاستفهام تحير الجميع.. واذا لم يكن هناك سر كبير فلابد ان تكون جاكلين قد احبت اوناسيس على الرغم من جميع الفروق.. والرجل الذي تمكن ان يصنع الملايين بذكائه والذي اشتهر بمغامراته العاطفية المتعددة لابد انه استطاع ان يصل الى قلب جاكلين وان يملأ فراغا في حياتها.. انها صفقة رابحة له وقد استطاع ان يحقق الكثير من الصفقات فكيف تتعذر امامه اكبر صفقة يمكن ان يحققها في حياته .
يخيل الى ان حياة جاكلين او اسطورة القرن العشرين مسرحية شاهدنا الفصل الاول منها وبداية الفصل الثاني ولابد ان يكون هناك فصل ثالث قبل ان توضع كلمة النهاية عن قصة حياة اشهر أمرأة..

السيدة الثالثة: اول رائدة للقضاء
اسمها (فالنتينا تريشكوفا) وهي اول امرأة تعزو الفضاء في رحلة طولها 140 ميلا فوق الارض وعندما بدأت رحلتها قطعت جميع محطات الاذاعة والتليفزيون في العالم برامجها.. وتجمع الناس حول اجهزة الراديو والتليفزيون في العالم كله يتابعون اخبار الرحلة المثيرة لاول امرأة تدخل عالم القضاء.. واصبحت "فالنتينا" في لحظة سعيدة اشهر امرأة في العالم..
وقد بدأت رائدة الفضاء حياتها عاملة بسيطة في احد مصانع النسيج ولكن طموحها جعلها تلتحق باحد النوادي الجوية التي تدرب اعضاءها على استعمال المظلات الجوية.. وبدأت تشتري كتبا في القضاء وفي الطيران ثم بعثت بخطاب الى المسئولين تطلب ضم اسمها الى الطيارين الذين يتدربون على استعمال الصواريخ والاقمار الصناعية.. وبعد ان انتهت من فترة التدريب جاء دورها في غزو الفضاء.. وظل العالم كله ينتظر نتيجة رحلتها واعلن العلماء السوفيت ان رحلة فالنتينا ستؤدي الى دراسة تأثير رحلات الفضاء على تكوين المرأة الذي قد يختلف عن تكوين الرجل.. وبعد ذلك تزوجت من اندريان رجل الفضاء الذي سبقها في اقتحام هذا الميدان.. وكان زواجها حديث العالم كله.. لم يكن زواجا عاديا فقد كان يعتبر تجربة فضائية جديدة للتعرف على مدى تأثير الفضاء على الذرية.. وكانت التجربة ناجحة 100% والمرأة الوحيدة التي استطاعت ان تغزو الفضاء بشجاعة تصف السماء كما شاهدتها من السفينة فتقول انها رأت جميع الوان قوس قزح فكانت تمر من لون الى آخر فترى خطوطا زرقاء ثم برتقالية ثم خضراء تميل الى الاصفرار.. وتتحول فجأة السماء الى لون اسود وتظهر النجوم بنفس حجمها الصغير الذي تراه من الارض.. اما السحب فكانت مثل القطيفة الناعمة الرمادية اللون..

السيدة الرابعة: اشهر كاتبة بوليسية
بدأت اول عمل لها كممرضة بسيطة في احد المستشفيات.. واستفادت من درايتها بانواع السموم فاتخذت منها مادة لرواياتها البوليسية التي بدأت تظهر منذ عام 1914.. ثم اصبحت اجاتا كريستي اشهر كاتبة بوليسية في العالم فهي الكاتبة التي ينام على رواياتها معظم البريطانيين من رئيس الوزراء الى عامل المنجم واغرب ما في "اجانا كريسني" هو شخصيتها الرقيقة على عكس ما قد يبدو من شخصيات رواياتها.. وقد كتب عنها الناقد الانجليزي "ليو هاريس" قائلا:
- "انها ارتفعت بمستوى القصة البوليسية وخلعت عليها من شخصيتها الانسانية الطيبة.. ففي رواياتها فلما تجد عنفا او قبحا او رعبا مخيف بل كل شيء يتم ببساطة وسهولة وبسرعة.. الطلقات النارية قاضية والسم مميت على الفور والغرق مرة واحدة.. وحتى الخنق يتم بمناديل حرير وببراعة تخفف الميتة.. وليس هناك تعذيب فكمية الدماء التي تراق في روايات "اجاتا كريستي" هي اقل كميات دم يمكن ان تراق في هذه المناسبات.. وقد القت اجاتا كريستي اكثر من ستين رواية ترجمت الى جميع اللغات العالمية اشهرها "مقتل روجر اكرويد" وقد ظهرت في عام 1926 وكانت اول قصة لها تتحول الى مسرحية.. واشهر مسرحياتها هي "مصيدة الفئران" التي ظلت تعرض على مسارح لندن اكثر من 12 عاما دون توقف.. وتليها في الشهرة الرواية التي حولتها هوليوود الى فيلم "شاهد الاتهام" وقام بتمثيلها باولين ديتريش مع تشارلز لوتون وتقاضت ثمنا لها 116 الف جنيه.. وهي تكتب قصتين بوليسيتين في كل عام وبقدر ربحها عن كل رواية بعد دفع الضرائب ما بين ستة وسبعة الاف جنيه.. وقد باعت قصصا للتليفزيون الى مليون جنيه وهكذا تحولت الممرضة البسيطة الى اشهر كاتبة في العالم بعد ان قررت ان تعمل المستحيل لتكون كاتبة لقصص الجريمة التي يحبها الجميع واستطاعت ان تحقق امنيتها فتصل الى الشهرة والنجاح والارباح الطائلة التي منحتها حياة فيها كل الوان الرفاهية والمتعة.

السيدة الخامسة: معجزة القرن العشرين
"لقد منحتنا الطبيعة حاسة سادسة هي وحدها التي تستطيع ان ترى مالا تراه العيون وتسمع ما تسمعه الاذان وتدرك مالا يدركه العقل.. هذه الحاسة التي تغنينا عن الحواس الاخرى هي دليلنا في هذه الحياة وعزاؤنا في هذا العالم" .
كانت هذه هي مقدمة اول كتاب نشرته "هيلين كيلر" او معجزة القرن العشرين والذي تمت ترجمته الى خمسين لغة عالمية واستطاعت ان تربح منه مبلغا كبيرا اشترت به مزرعة وقصرا فاخرا..
وقد اصيبت هيلين كيلير وهي في الثانية من عمرها بمرض افقدها الرؤية والسمع والنطق الى الابد.. فاصبحت عيناها في ليل مستمر واذناها خلف جدار من الفولاذ الاسم ولسانها كليلا بصمت ابدى.. ومع ذلك فقد استطاعت ان تحقق عن طريق حاسة اللمس ما لا يستطيع ان يحققه الانسان العادي الذي يملك جميع الحواس... واصبح اسمها لامعا في عالم الادب حتى ان "مارك توين" الكاتب الامريكي الشهير كتب عنها يقول:
- "ان الكتب الفلسفية التي وضعتها هيلين كيلر لاكبر دليل على ان هناك قوما يرو وعيونهم مطبقة الاجفان لان فيهم روحا تدرك وبصيرة ترى!!".
وقد ترجم كتابها الاول الى خمسين لغة عالمية ثم كتبت عدة مؤلفات لاقت نفس التقدير من الناشرين والقراء على السواء..
وامتدت الحياة العريضة بها 88 عاما فقد توفيت في شهر يونيو عام 1968 بعد ان اثبتت للعالم كله ان الحياة يمكن ان تكون فنية منتجة سعيدة مهما كانت قسوة الطبيعة..

مجلة آخــر ســاعة - 1966