أتلك سمكة في أُذُنك؟ الترجمة ومعنى كل شيء

أتلك سمكة في أُذُنك؟ الترجمة ومعنى كل شيء

ترجمة: عباس المفرجي
بعد بضعة فصول فقط، واجهت أول لحظة مضايقة لي: ((النقّاد... يصرّحون بشكل معتاد، من أجل الثناء على الترجمة، انها تبدو كما لو انها كُتِبت أصلا باللغة الانكليزية. هذا ثناء اجوف...)) وهي النقطة التي أدركت عندها أنني في الاسبوع الماضي فقط أثنيت على ترجمة صوفي لويس للمجموعة القصصية لمارسيل آيمي "الرجل الذي سار عبْر الجدران" بنفس العبارة بالضبط. ((أين؟)) يسأل ديفيد بيللوس مؤلف الكتاب،

((هو الربح في قراءة رواية بوليسية فرنسية ما لم يكن هناك شيء فرنسي فيها؟)) عندئذ تذكرت أني قلت أيضا أن ترجمة لويس احتفظت بنكهة غاليّة، كما رأيت في معظم الكتاب. عند نهاية الكتاب، يقدّم بيللوس قائمة هازئة من الصفات الخالية من المعنى المستخدم من قبل نقّاد الكتب في وصف الترجمة التي يظنون انها ملائمة: سلسة، مفعمة بالحيوية، أنيقة... استخدمت أنا ’’ جيدة ملعونة ‘‘، والتي لم تتضمنها القائمة.
استغل بيللوس هذا الكتاب، جزئيا، لدحض الأفكار المقبولة حول الترجمة. أنا بالكامل مع دحض الافكار المقبولة، لكن، كما قالت غلوريا ستاينم، ان الحقيقة ستحررك، لكنها ستزعجك أولا. كنت سأوافق بكسل على الاقتراح بأن الترجمة هي ليست بديلة عن الأصل، لكن في هذا القول، كما يشير بيللوس، شيء من البلاهة حين تعتبر أن بديلاً عن الأصل، في الواقع، هو بالضبط ما هي عليه الترجمة. ولو لم تكن لدينا ترجمات، كما يشير هو، لما كانت لنا معرفة عن الكتاب المقدّس، وأعمال تولستوي، أو عن "كوكب القردة".
كان الناس دائما يقولون أشياء سخيفة حول الترجمة. قال خوزيه اورتيغا غاسيت: ((تقريبا كل الترجمات المنجزة حتى الآن كانت ترجمات سيئة))، ويستعين بيللوس بهذه العبارة مثالا يسخر منه، بتجريبها مع استبدالات، مثل ((تقريبا كل الاطفائيين حتى الآن كانوا اطفائيين سيئين.)) مشيرا الى الاهتمام ((المفرط)) الذي أبداه الباحثون لقصة برج بابل – البحث عن أصل ووحدانية اللسان البشري كانت وصيته – يقول، ((لا يبدو واضحا أن وقتهم صُرف على نحو مفيد.)) (بالأحرى، فكرة انه كانت هناك لغة أصيلة واحدة والآن تعددت هي بالضبط عكس المقصود.)
انه يرفض القول المأثور القديم، باعتباره هراء وتمييزا جنسيا، والذي عُبِّر عنه أولاً بالفرنسية، بأن الترجمات مثل النساء – لو كنّ جميلات فهنّ غير مخلصات، وإن كنّ مخلصات فهنّ غير جميلات؛ برغم انه لم يذكر هراءً اكثر حماقة وتمييزا جنسيا، كان نابوكوف اكتشفه حين قال أن النساء لا يصلحن أن يكنّ مترجمات. واحد من الاوصاف الأقدم للمترجم هو مجموعة معقدة المظهر الى حد ما من اوتاد مسمارية تعني، في السومرية، ’’ المحوِّل ‘‘؛ هذا ما يفضله بيللوس، وتأمله عن كلمات اللغات المتنوعة التي تستخدم لفكرة الترجمة هي في حد ذاتها منوِّرة.
ليس هناك سبب يجعلنا لا نثق ببيللوس تماما. لا فقط لأن مترجمين آخرين، مثل مايكل هوفمان، تكلموا بحماسة بالغة عن هذا الكتاب: لدى بيللوس علامات على هذا، حين ترجم جورج بيريك، الذي يعتبر تلاعبه بالالفاظ تحديا لقراءة لغته كما هي (ناهيك عن اعتبارها تحديا للكتابة)، ولو انه توقف فجأة عند رواية "الاختفاء" الشهيرة المكتوبة بدون حرف ’ إي ‘؛ نجح غيلبرت آدير في ذلك، وبيللوس لا ينكر محاسنه.
كُتِب هذا الكتاب على نحو جذاب، وفضلا عن ذلك تسود الفتنة في أرجائه، وأية شكوك قد تكون راودتني على رواجه، إذ انه عمل من 400 صفحة وحول الترجمة، تبددت بالكامل. وبرغم أن الكتب التي تُرجِمت من الانكليزية هي أكثر بعشرة اضعاف من التي تُرجِمت اليها – نحن جماعة لغوية منعزلة – فلا بد ان نحيي الابداع في فن الترجمة. هذا الكتاب هو الطريقة الأفضل من أية طريقة للقيام بذلك. أي رد فعل يمكن أن يكون لديك، عدا الرهبة والأسف، حين تحاول أن تترجم ((أبيض كالثلج)) في لغة لم يَرَ ناطقوها الثلج أبدا، أو أن تصادف واقعا مثل هذا الواقع: ((ليست هناك ترجمة روسية وافية بالمراد لشيء بسيط بشكل واضح مثل كلمة ’ جُبْن ‘؟))
عن صحيفة الغارديان