كيف استولى موسوليني على الحكم؟

كيف استولى موسوليني على الحكم؟

يحتفل الايطاليون في هذا الاسبوع بانقضاء ثماني سنوات على زحف موسوليني على روما على رأس القوات الفاشستية واستيلائه على زمام الحكم في ايطاليا، وسيطلع القراء في هذا المقال على تفاصيل ذلك الحادث العظيم الذي غير مجرى التاريخ في تلك الدولة.
لم يحل شهر اكتوبر سنة 1922 حتى كان عدد اعضاء الحزب الفاشستي قد بلغ المليون وبلغ عدد افراد المليشيا الفاشستية نحو نصف مليون،

والمليشيا هي الهيئة العسكرية النظامية التي عني السنيور موسوليني بانشائها الى جانب الادارة السياسية لحزبه لكي تكون بمثابة الدعامة الكبرى لصرح الحزب.
وفي 24 اكتوبر من تلك السنة عقد الفاشتي مؤتمراً كبيرا في مدينة نابولي برئاسة السنيور موسوليني ولما انتهى فخامته من عرض جيش انصاره الجرار ادرك انه يمتلك قوة اصبح يستطيع بها ان يذلل كل الصعاب فقال لمندوبي الهيئات الفاشستية:
"إما ان تؤول الينا مقاليد الحكم بسلام او نستولي عليها بالقوة بالزحف على روما ومنازلة الساسة الاشقياء المتربعين في دست الاحكام".
وفي 26 اكتوبر عاد موسوليني الى ادارة جريدته في ميلانو بعدما عظم عود انصاره في مؤتمر نابولي واخذ بدون تردد يعد معدات تنفيذ خطة العمل واخراجها الى حيز الفعل فبدأ بتأليف هيئة للقيادة من اربعة من اكبر مساعديه وهم ميشيل بيانكي السكرتير العام الفاشتي يومئذ وقد توفي من اشهر والدكتور بالبو الوزير الان والسنيور دي فكي والجنرال ديبوتو الوزير الان وقد كان من اشهر القواد الايطاليين في الحرب العظمى.
وعين موسوليني السنيور غراندي رئيسا لأركان حرب تلك الهيئة الرباعية واضاف اليه مهمة القيام بجميع الاعمال السياسية المتعلقة بها وكان غراندي يومئذ عضوا في مجلس النواب ثم فصل عنه لصغر سنه وهو يتقلد الان منصب وزير الخارجية في الوزارة الايطالية الحالية وعلى اثر ذلك سافر دي فكي وغراندي الى روما لتنفيذ مهمة عهد فيها اليهما السنيور موسوليني وهي اطلاع جلالة الملك على المجرى الذي ستسير عليه الحوادث ومطالبته باستقالة السنيور دي فكتا رئيس الوزارة اذ ذاك وقد تردد هذا في الاستقالة وجاهر برغبته في المقاومة ولكن زميله السنيور سالندرا والسنيور اورلنو نصحا له بالعدول عن هذه الفكرة فاستقال مع وزارته في مساء الجمعة 27 اكتوبر وباستقالة دي فكتا خطا الفاشتي خطوة كبيرة نحو تحقيق غايتهم فكان لامندوحة لهم بعد ذلك عن ان يخطوا الخطوة الثانية وكانت تنطوي على اطلاع جلالة الملك على حقيقة اغراض الفاشتي ومراميهم فقام غراندي ودي فكي بهذه المهمة احسن قيام ثم غادرا روما الى"بروبا"حيث كان مركز اركان حرب المليشيا الفاشستية ولكن في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي تلقى دي فكي إشارة تليفونية من روما بان جلالة الملك يرغب في مقابلته فعاد الى روما على جناح السرعة ومعه زميله غراندي فقابلهما فيها السنيور شيانو (وزير المواصلات الآن) وكان السنيور موسوليني قد أوفده من ميلانو الى روما مزوداً بتعليماته الاخيرة فقيل لهم ان قوات الجيش وقوات الحكومة ستتعرض لقوات المليشيا الفاشتية عند استيلائها على دور المصالح الاميرية وزحفها على روما طبقا للخطة التي وضعها موسوليني ثم بلغهم ان دي فكتا اعلن الاحكام العرفية قبل استقالته وان جلالة الملك امضى المرسوم الملكي الخاص بها فلما سمعوا هذه الانباء خشوا من نشوء حرب اهلية في حالة وقوع اصطدام بين الفريقين ولكنهم قرروا ان يسيروا الى النهاية مهما كلفهم الأمر وبينما هم يفكرون في مجرى الحوادث وعواقبها غادرهم"شيانو"برهة من الزمان ثم عاد اليهم ووجهه يطفح بشراً وسروراً وقال لهم انه علم من مصدر خاص ان جلالة الملك ابى بحكمته السامية ان يوافق دي فكتا على امضاء المرسوم الملكي باعلان الاحكام العرفية وان كان له وقع عظيم في نفس دي فكتا فعجل بتقديم استقالته فلما سمع غراندي ودي فكي هذا الخبر بكيا من شدة الفرح إذ ايقنا ان الثورة الفاشستية ستتم عندئذ بدون اراقة نقطة واحدة من الدم.
وبعد قليل دعي غراندي ودي فكي وشيانو الى الاجتماع بالسنيور سالندرا فابلغهم ان جلالة الملك كلفه تأليف الوزارة الجديدة وانه يود ان يقودهم الى حضرة جلالته.
ولما مثل الزعماء الثلاثة بين يدي المليك قال جلالته للسنيور دي فكي:"انني اريد ان يعرف الايطاليون انني رفضت ان امضي المرسوم الملكي باعلان الاحكام العرفية"وهنا سكت جلالته لحظة ثم قال:"ولكن ربما نسي الايطاليون ذلك في خلال اسبوع"فقال له دي فكي على الفور:"كلا يا صاحب الجلالة! انهم لم ينسوا وسنذكرهم!".
وفي مساء ذلك اليوم دعا السنيور سالندرا الفاشتي الى الاشتراك معه في تأليف الوزارة فلما استشير السنيور موسوليني في الامر ورد منه الرد الآتي:
"انني ارفض الاشتراك في كل وزارة لا اكون على رأسها فان الفوز الفاشتي يجب ان يكون كاملا".
فلم يسع سالندرا عندئذ سوى الاستقالة بدوره وكانت قوات المليشيا الفاشتية قد بلغت يومئذ ابواب روما وعسكرت على مقربة منها منتظرة بفارغ صبر الساعة التي تدخل فيها"المدينة الخالدة"دخول الفاتح وخشي دي فكي وغراندي ان تفقد قوات المليشيا صبرها من طول الانتظار فتمضي في زحفها قبل ان تسوى المسألة السياسية فيؤدي ذلك الى نشوء ارتباك جديد في الموقف فالتمسا من جلالة الملك بالحاح ان يدعو موسوليني الى روما بدون اي تأخير.
فخاطب ياوره السنيور موسوليني بالتلفون وكلفه المجيء الى روما لمقابلة الملك فقال له انه لا يلبي هذه الدعوة الا اذا بلغت بالتلغراف فلم يمض طويل وقت حتى كان التلغراف يسلم اليه. ولما بلغ ابواب روما نزل من القطار وامتطى صهوة جواده ودخل روما على رأس قوات المليشيا الفاشتية وقد لبس القميص الاسود اسوة بكل واحد منهم ولما مثل امام جلالة الملك خاطبه بما يأتي:
"انني التمس من جلالتكم العفو عني لمثولي امامكم بهذا اللباس ولكنني قادم في هذه اللحظة من معركة لم ترق فيها نقطة من الدم وكان لا بد لنا من خوضها وانني اعيد الى جلالتكم ايطاليا المنتصرة وقد اضافت الى تاريخها انتصارا جديداً وانني يا مولاي خادمكم المخلص".
ثم اختلى جلالة الملك بالسنيور موسوليني وبعد نصف ساعة اطل موسوليني رئيس الوزارة الجديد على الجماهير المحتشدة في فناء السراي وقال لهم:
"من هذا اليوم لن تكون لكم وزارة فقط بل ستكون لكم حكومة".
المصور / تشرين الأول- 1930