اسماعيل الترك حاضراً بأعماله

اسماعيل الترك حاضراً بأعماله

زياد جسام
استطاع الفنان الراحل اسماعيل فتاح الترك إبداع مدرسة نحتية خاصة به، حيث تميزت بالتلقائية والعفوية والحضور الفاعل والمؤثر في الكثير من ميادين الفن وعلى المستوى العربي والعالمي ايضا، مهما تحدثنا عن هذا الفنان فلن يكفي للافصاح عن كل منجزاته إذ اعتبر من أبرز ممثلي فن النحت العراقي، ان اعماله التي انجزها لا تعد ولا تحصى حيث الغزارة بالانتاج اعطته فرصة الانتشار الواسع في اكثر من بلد كما انه انتشر على المستوى الشعبي وليس النخبوي فقط.

يلاحظ على منحوتات الراحل الترك تأثرها بمنحوتات الحضارة السومرية القديمة التي تأثر بها الكثير من الفنانين قبله، لكن كل فنان اشتغل عليها بأسلوبه وطريقته الخاصة، كما العديد من التماثيل لشخصيات أدبية وفنية.. كالواسطي وأبي نواس والفارابي، وضعت هذه الشخصيات بأماكن مهمة وساحات وميادين بغداد شاهد على ذلك. ما زالت تجربة الفنان الترك تحتاج لدراسات نقدية وتحليلات مكثفة، كونها لا تنفصل عن مرحلة رواد الفن التشكيلي في العراق, فالإنجاز الفني الذي تركه على الساحة المحلية والعالمية لم يدرس بشكل ينسجم مع حجمه، إذ تميز اسلوبه بالأصالة مع اقتدار كبير على التأليف الدراماتيكي للموضوعات الاسطورية المنتقاة من بالدرجة الاولى من الحضارة والحكايات المحلية، مثل اعماله التي كانت تحمل اسم « وجه سومري، امرأة سومرية، رجل وامرأة في حالة حب، الرجل حامل الديك، الى اخره..» في الكثير من الاحيان يقوم بتناول الموضوع والعمل عليه كمنحوتة ويعيده بالرسم او الكرافك، ترك اسماعيل فتاح، ارثا حضاريا كبيرا، يبدأ من نصب الشهيد، تلك التحفة المعمارية الضخمة وينتهي بـأصغر كتلة فنية نحتها وقد نالت هذه اعمال استحسان الكثير من النقاد والفنانين، تمكن فعلا من ان يكون له ارث فني لا يضاهى، فأعماله التي خلفها بقيت أنموذجا فنيا تتعلم منه الاجيال.

اصر الترك على ان تكون اغلب منحوتاته من مادة البرونز للاطالة بعمرها واعتمادها للبساطة والمعالجة القائمة على حركة الكتلة المتوازنة حجما وفضاء، مبسطا السطوح الى حد كبير، مع استمرار قوة ترابط الكتل المشتغل عليها، فقد تخلص من حشد العناصر في العمل الواحد والتعقيد الذي يتجمع داخل الاعمال احيانا، ايضا اشتغل على الملمس الذي كان يستخدمه او التكنيك فهو لا يشبه اي نحات من قبل، اذ ترك بصمة واضحة على تكنيكه حيث زين سطوحه الخشنة الملمس والمتعرجة بحذف جزء من الكتلة الفنية فتكون مسحة صقيلة لماعة تعطي شكلا جماليا ودلاليا في وقت واحد، وهذه التجارب تحولت فيما بعد إلى مدرسة نحتية قائمة بذاتها في الاوساط التشكيلية العراقية المعاصرة على الاقل، مدرسة تربى فيها العديد من النحاتين العراقيين الذين تعلموا على يد الترك في مشغله الخاص، اذ يكثف ويختزل وينوع في أعماله البرونزية وألوانه مستنهضا تكوينات قديمة بقي يشتغل عليها لتصبح اكثر نضجا وابداعا، فهو فنان أصيل اخترقت أعماله جذور التاريخ، يعتمد أسلوبا تجريديا تعبيريا لم يتخل فيه عن الهيئة الآدمية.. امرأة أم رجلا، فقط تلاعب بالنسب وجرها الى ابسط الصور، كما ركز في الفترة الاخيرة على الرسم واكد على ان تكون اعماله ملونة بألوان نقية وصريحة، حملت بداخلها دلالات كثيرة اغلبها من الواقع التاريخي المحلي، رحل اسماعيل الترك، تاركا ثروة من المنحوتات بمختلف الأحجام عرض بعضا منها في معرض خاص به أقيم في دار الفنون في عمان قبل سنوات من وفاته..

رسم ونحت

رحل الفنان الترك في العام 2004 اثر مرض عضال عن عمر ناهز السبعين عاما، يذكر انه من مواليد مدينة البصرة في العام 1934 درس الفن في روما وتشكل تجربته علامة مهمة في التشكيل العراقي والعربي، حصل على الدبلوم العالي في النحت من أكاديمية الفنون في روما ودبلوم في السيراميك من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد. اقام ستة معارض للنحت وخمسة معارض للرسم في روما، بغداد، بيروت. شارك في بعض معارض جماعة بغداد ومعارض جمعية التشكيليين. حصل على الجائزة الأولى للفنانين العرب في إيطاليا للرسم 1962. حصل على الجائزة الأولى للنحت في إيطاليا سنة 1963. عضو جماعة بغداد 1957، تجمع الزاوية 1966. اعماله المنجزة – نصب الشهيد و النصب البرونزية للشعراء_ الفارابي ومعروف الرصافي، الكاظمي، أبو نواس، نصب برونزية لعمارة التأمين وتمثال الواسطي، رليف برونزي لواجهة وزارة الصناعة، ملحمة كلكامش، رليف برونزي لدار الضيافة، رليف من المرمر لمدخل مدينة الطب. ونصب المحامين وقصر المؤتمرات دجلة والفرات، وهو الفنان المثير للجدل الذي خرج عن طور اللوحة العراقية التقليدية ليختط طريقا مغايرا في تجاربه في النحت والرسم والغرافيك، محتفيا بالجسد الانساني (المرأة والرجل)، حيث ظهرت تأثيراته على كثير من الفنانين العراقيين الشباب. ومن أهم النصب الجمالية التي اثارت أسئلة «نصب الشهيد 1986» والذي ركز فيه على القبة العربية العباسية الزرقاء المفتوحة والراية الوطنية العراقية التي ضمت الشهداء التي ترتفع بطول 5 امتار. عاش اسماعيل فتاح الترك حالة الفنان الحقيقي فنانا ورحل كرحيل الفارس في بغداده التي تضم ابداعاته التي ستبقى شاهدة عليه وعلى حياته