هتلر يقول: اذا مت اختلف الحلفاء!

هتلر يقول: اذا مت اختلف الحلفاء!

هل مات هتلر حقا ام هل لا يزال على قيد الحياة؟
نستطيع ان نؤكد ان هذا السؤال سيظل بغير جواب قاطع حاسم، وسيظل موضع الخلاف بين الكتاب والمؤرخين مهما اطالوا البحث وامضوا في التحقيق.
على ان الحلفاء – والروسيين بوجه خاص – جادون في اماطة اللثام عن هذا السر العجيب، لا لانهم يخافون ان ينهض هتلر ويقود المانيا الى المقاومة والقتال مرة اخرى،

فقد انتهى الامر بهذا الشعب الى الهزيمة المنكرة التي لا نهوض منها الا بعد اجيال وعهود – ولكن ليوفوه – ان كان حيا الجزاء الاوفق على جريمة اثارة الحرب التي لم يشهد العالم مثيلا لها في عدد الضحايا، ومساحة التخريب، واساليب الاضطهاد والتنكيل..

اما الروسيون فقد القوا هيئة تبحث وتحقق في مصير هتلر: كيف امضى ايامه الاخيرة، وماذا انتهى اليه امره، وهل مات في المانيا ام لاذ منها بالفرار..
***
اسفر بحث هذه الهيئة عن انه يوجد في غرفة نوم هتلر في دار المستشارية بيرلين باب سرى لا يمكن اكتشافه الا بعد البحث والتدقيق... ففي جانب من جوانب الغرفة مكتبة وراءها باب سري لا يرى، ارتفاعه لا يتجاوز طول قامة هتلر.. وهو يؤدي الى مخبأ سري تحت الارض بخمسمائة متر!! ويتصل هذا المخبأ من ناحية اخرى بخط"مترو"يسير تحت الارض كذلك!
وقد وجد في هذا المخبا مواد طعام وشراب تدل على انه كان به ما يتراوح بين ستة افراد واثني عشر فردا، وانهم ظلوا به حتى يوم 9 مايو.. اي الى اليوم الذي يلي يوم النصر!.. فمن هم هؤلاء الاشخاص واين ذهبوا؟ وهل كان هتلر احد هؤلاء المختفين في المخبأ السري السحيق؟
لقد سألت هيئة التحقيق هذه عددا كبيرا جدا من الالمان الذين كانوا يعملون في دار المستشارية وعلى مقربة منها، فلم تجد احدا منهم يعلم علم اليقين ماذا آل اليه مصير الفوهرر.. وكان آخر ما وصلوا اليه عن طريق رجل من حرس هتلر الخاص جرح واسر في اثناء معركة برلين، وقد قال لهم:
"لقد رأيت الفوهرر آخر مرة يوم 27 ابريل.. وكان ذلك في مخبئه الخاص.. وكان جالسا على اريكة وامامه زوجته ايضا براون جالسة الى منضدة تكتب رسالة.
وكان هتلر يستمع الى انباء معركة برلين الرهيبة، وعن الاضرار المباشرة التي لحقت دار المستشارية وهو مختبئ تحت مبانيها وانقاضها وفجأة نهض من جلسته، وراح يتكلم بصوت مرتفع مدو ويقول:
- ما دمت حيا فلن يختلف الحلفاء.. ستظل روسيا وامريكا وبريطانيا يدا واحدة لا هم لها، ولا امل لها. الا ان تحطمني.. اما اذا مت فسيختلفون، ويتخاصمون، ويتقاتلون.. سيقوم بينهم النزاع حتما دون ارتياب.. وفي هذه الساعة يجب ان اكون على قيد الحياة، لاقود الشعب الالماني، واخلصه من محنته وهزيمته، واتجه به مرة اخرى نحو الهدف المنشود.. انه لا امل في انقاذ المانيا الا اذا اعتقد العالم كله انني قضيت نحبي، اذن فيجب ان يعرف العالم انني مت..".
وهنا نظر هتلر فوجد كاتب الاختزال واقفا فامسك عن الكلام..
***
وقد وجدت هذه الهيئة عند مدخل المخبأ ورقة مكتوبة بالقلم الرصاص بخط نسائي.. وهي عبارة عن رسالة موجهة من كاتبتها الى ابويها، وفيها تقول انها ستتغيب عنهما فترة طويلة من الوقت، لا تصلهما فيها اية انباء عنها، ولكن عليهما ان يطمئنا عليها وان يثقا بانها ستعود اليهما ظافرة سعيدة.
وقد بحثت الهيئة خط هذه الرسالة، فرأت انه يشبه خط ايفا براون.. فهل تكون هذه الرسالة وكلام ذلك الحارس، دليلا على ان هتلر لم يمت، بل لاذ بالفرار متخفيا واهما بان الفرصة ستحين يوما ما ليظفر على مسرح العالم مرة اخرى؟!
***
اما الحلفاء الغربيون والامريكيون فقد بحثوا من جانب آخر ليعرفوا كيف امضى هتلر ايامه الاخيرة.. وقد ادلى اليهم كاتب الاختزال الخاص بهئة القيادة الالمانية العليا – هزارد هيرجسل – بمعلومات مهمة في هذا الموضوع، فقال:
عقد هتلر يوم 22 ابريل، في الساعة الثالثة بعد الظهر، مؤتمرا من قادته ومستشاريه ليقرر موقف المانيا بعد ان صارت العاصمة انقاضا تحت وابل المدفعية الروسية الرهيبة وقد كان اخطر مؤتمر عقده هتلر واستمر ثماني ساعات طوال.. وقال هتلر في اثناء الاجتماع مرارا وتكرارا انه يريد ان يموت في برلين.. في عاصمة الرايخ!..
وكان هتلر في هذا الاجتماع رجلا خاضعا مستسلما.. يعلم انه هوى من قمة مجده الى هاوية لا قرار لها. فكان شاحب اللون، مهتاج الاعصاب، لا يكاد يستقر في مقعده حتى ينهض منه منتفضا، فيذرع الغرفة جيئة وذهابا في خطوات عصبية مضطربة وكانت اعصب فترة في هذا الاجتماع عندما خلا هتلر بثلاثة من اتباعه: هم مارتن يرومان، الذي عينه عقب اسر هيس، مديرا للحرب النازي وخلفا له، والماريشال فون كبتسل والجنرال – يودل..
وقد انفرد بهم هتلر – ومعهم اثنان من المختزلين – مدة خمس عشرة دقيقة.. اصر فيها هتلر على ان يبقى في برلين حتى يلقى حتفه معتقدا ان"هذه اكبر خدمة يؤديها الى شرف الشعب الالماني"، ولكن رجاله اعترضوا على هذا الرأي وهاجموه في عنف وقسوة..
فقال كبتل ان هذا يناقض الخطة التي رسمتها من قبل وامرتنا بتنفيذها وهي ان ندافع عن ارض المانيا شبرا شبرا، والا نستسلم للعدو اذا سقطت العاصمة.. وايد بودل هذا الرأي قائلا انه سيترك برلين فورا، لانها ليست اكثر من مصيدة كبيرة يجب ان نفر منها سريعا، لنستطيع ان نستمر في القتال والمقاومة فترة طويلة.. واخذا يلحان عليه ان يترك برلين ليستانف الحرب في ساحات المانيا الاخرى.. ثم قالا: اما اذا اصررت على البقاء في برلين فانا سنبقى الى جوارك حتى النهاية..
وقال هتلر: اني ارى ان تؤلف حكومة المانية جديدة برئاسة جورنج وتتفاوض هذه الحكومة مع الحلفاء وتضع حدا لهذه المأساة..
فاحتج بودل على هذا الرأي، وقال ان المانيا لا تزال تملك فرقا قوية ثابتة، نستطيع ان نحارب فترة طويلة قد نجد في اثنائها منفذا لانقاذ المانيا..
فقاطعه هتلر قائلا:
- افعلوا ما تريدون:
ويقول كاتب الاختزال هذا:
***
اني اعتقد ان هتلر لم يبق في دار المستشارية بعد هذا الاجتماع.. وانه خرج من مخبئه الى سطح الارض ليلتمس الموت تحت قذائف المدافع الروسية..
اما هل اصابته هذه القذائف فاراحته، او اخطأته فتركته حتى الان هائما شقيا، او مختفيا كئيبا، فهذا ما لا يزال سرا من اسرار الحرب، وقد يبقى الى الابد لغزا من الغاز التاريخ.

الأثنين والدنيا /
حزيران- 1945