حقوق النقد لأدب الأقليات

حقوق النقد لأدب الأقليات

عبدالكريم يحيى الزيباري
للقاص نوري بطرس صدرت مجموعة (العنكاوي الطائر وهموم النورس الفضي: نصوص قصصية). اعتاد الشعراء والقصّاصون تسمية المجموعة بعنوان قصيدة أو قصة من المجموعة. كتبَ، أ. د. محمد صابر عبيد، تقديماً للكتاب بعنوان (سردنةُ الشخصيّةِ والتاريخِ والمكانِ: رؤيةٌ نقديّةٌ جماليّةٌ) ومما جاء فيها(يعتمد تشكيل العنونة في هذا النصّ على ثلاثة مستويات تسموية،

المستوى الأول هو: العنكاويّ الطائرُ وقد ارتبط الجزء الأول منه بالمكان عنكاوا والثاني بالصفة الطائر... وصفة الطائر تمنحها قوّة الحركة والتمثّل الفضائيّ والهيمنة والمعرفة، وتضعها في موقف القدرة على الإنجاز والإيصال والبلوغ وتحقيق الأهداف بيسر وسهولة خارج المحددات الطبيعية، التي قد تعيق أحياناً حركة الأشياء على أديم الأرض. المستوى الثاني من فضاء العنونة هو يوسف إبراهيم العنكاويّ، وفيه يبرز الاسم الحقيقيّ للشخصية منسوباً مرة أخرى إلى المكان عنكاوا، إمعاناً في توكيد الحضور المكانيّ بوصفه البؤرة السردية الأصيلة في المحكي السيريّ التاريخيّ القصصيّ في هذا النصّ، ولعلّنا نلاحظ أولاً المرجعية (النَبَويّة) للإسمين العَلَمين (يوسف/ إبراهيم)، وما ينتجه ذلك على صعيد التلقّي من رؤية قرائية خاصة تحيل على المرجع ضرورةً، وحين ينسبان معاً إلى المرجع المكانيّ (عنكاوا) تتشكّل الرؤية بوضوح، أمّا المستوى الثالث وهو مستوى تصنيفيّ لنوع الجنس الأدبيّ نصٌ سرديٌ تأريخيٌ وثائقيٌ، فهو مستوى مكوّن من أربعة أجزاء تتلاءم فيما بينها كي تؤلّف الكيان النصيّ للمكتوب/ ص9- 10) ثم يتناول عبيد بعض القصص(قصة "مسافر نحو النور" تتجّه نحو استثمار الممكنات الصوتية السردية لتشكيل الرؤية القصصية، فالعنونة القصصية تحيل على فضاء إيمانيّ تتجلّى فيه الحساسية السردية داخل كيان ذاتيّ يتنكّبه الراوي للوصول بالشخصية إلى مرتبة التحوّل من الحياد إلى الإيمان، إذ تتركّز المقولة السردية في فضاء يستغرق عميقاً في ذاتيته المفردة الموحّدة من أجل استظهار معاناتها في هذا السبيل، ولعلّ ثريّا العنونة تبقى ماثلة في بنيات التشكيل المتنيّ من البداية حتى النهاية، وكأنّ القصة تحكي مسافة سفر الشخصية نحو النور/الكنيسة، حين وجدت الشخصية نفسها في نهاية القصة بين جموع المصلين وقد بلغ النور الإيمانيّ أوجَهُ/ ص27).
تبدأ قصة "مسافر نحو النور" وهي قصيرة جدا(كل شيء هادئ وجميل من حولنا، أحببنا الحياة والأرض والناس، وكل شيء في هذا الكون، حركة ضاجة من دون توقف، نتحرك في كل اتجاه ولا نعرف إلى أين تقودنا في النهاية المحتومة، إنها ولا بد محسومة مسبقاً. ماذا تقصد؟ قالها صديقي. ألا نغادرها يوماً ما؟ قلت. فكرت مليا في هذه الكلمات، هل هي مجرد كلمات أم أنَّها مصير حقيقي، نعم هي مصير كل فرد منا... هواجس وأفكار تدور في رأسي وأنا متكئ على جذع شجرة عالية أكاد لا أرى نهايتها... سنوات طوال انقضت من عمري كأنَّها دقائق، لقد تقدم العمر بنا من دون أنْ ندري... كلما قرعت أجراس الكنيسة يرنُّ في أذنيه صوت موسيقي جميل، جموع تتجه نجو الكنيسة وهو قابع في مكانه لا يتحرك... تحرك قليلاً نحو جدار الكنيسة، أفراد كثيرون يدخلونها، وقف هنيهة واتكأ على الجدار، قبل دقائق كانت تُسمع أصوات: تن تن تن، إنه جرس الكنيسة يدعونا إلى وجبة جديدة من الإيمان... سرعان ما وجد نفسه في باحة الكنيسة، تناهت إلى سمعه أصوات من الداخل، بدأت الإيمان يسري في قلبه وصعدت الدماء العرفانية إلى شرايينه... وجدَ نفسه أخيراً واقفاً بين المصلين، تنفس من جديد مثل زهرة تنتظر الربيع والمطر، وقد اغتسل جسده بالنور، أطال النظر في جموع المصلين ووقف خاشعاً بين يدي الله/ ص166). وفق هذه "الممكنات الصوتية السردية (تن تن تن) تشكلت الرؤية القصصية في فضاء إيماني، لتحكي القصة مسافة سفر الشخصية نحو النور/الكنيسة، حين وجدت الشخصية نفسها في نهاية القصة بين جموع المصلين وقد بلغ النور الإيمانيّ أوجَهُ" كما حدث لحكماء مملكة المجوس، سافروا بحثاً عن الحقيقة، وحدث لسلمان الفارسي، وغيرهم الكثير.
الناقد د. محمد صابر عبيد لم يتناول قصة (هموم النورس الطائر) بالنقد، والقصة جاء تسلسلها قبل الأخير. تبدأ القصة (لم أرَ طائراً كهذا، من قبل البتة، ليس كطائر الفينيق... وفي إحدى المرات رأينا طائراً يحوم فوق مدينتنا، ولا يقرُّ له قرار، وكأنه يرى المدينة لأول مرة، عمارات وأسواق ومحلات وشكال هندسية لم يألفها من قبل/ نوري بطرس، العنكاوي الطائر وهموم النورس الفضي، منشورات ضفاف، بيروت، 2015، ص173) سقطت ألف الأشكال. (وقف العم عيسى يراقب المنظر من عتبة داره، ما هذا الطائر الغريب؟... كان العم عيسى يراقب النجوم ليلاً وهو ساهرٌ عسى أنْ يرى طائراً يجلبُ له أخباراً سارة ينتظرها بشغف/ ص174). وكان العم عيسى يراقب النجوم ليلاً وهو ساهرٌ، وهي حالة تختلف عن حالة أخرى: كان العم عيسى يراقب النجوم ليلاً وهو نائم!. (لم تعد لنا أرض، ولا نرى في سمائنا غير طيور الشؤم، ها أنا مثل طائر حزين منكسر الجناح لا يقوى على شيء، بينما كانت زوجته ماريا تهدهد طفلها:
- كم أتمنى أنْ أطير معها، لكن هيهات... كم أتمنى أنْ أرى طائراً أبيض، حمامةً بيضاء تحمل لنا نبأ الخلاص والملاذ الأخير/ ص175) وتنتهي القصة.
وقد كتب عن تجربة القاص نوري بطرس الكثير من الأكاديميين منهم د. فليح مضحي أحمد السامرائي بعنوان (المكان القصصي بين الحضور والغياب مقاربة نقدية لقصة "نافذة في المنزل" لنوري بطرس)، وكتب مدرس علم النفس في جامعة الحمدانية (إشكالية الضياع في قصص نوري بطرس عطو: رؤية نفسية).