طه سالم والمسرحية الحديثة

طه سالم والمسرحية الحديثة

حسين السلمان
تُعد الكتابة عن مبدعينا مهمة وطنية يتوجب علينا ممارستها بصدق من أجل إرساء الدعائم الحقيقية لحركة الثقافة العراقية ولأن تتحول هذه المنهجية العلمية إلى اشتغال فني عميق لقتل العزلة المقيتة للفراغ العازل ما بين المهمة الوطنية والعملية الاب....داعية.

أرى في هذه الكلمات دليل عمل جاد لغالبية من المبدعين العراقيين حتى وأن اختلفوا أو تقاطعوا في تصوراتهم وآرائهم بخصوص الكثير من المواضيع المثيرة للجدل في ثنايا الثقافة العراقية على امتداد حركتها، فالمسرح جزء مهم منها وهو أكثر تقبلاً لمثل هكذا مواضيع ملتهبة كما أنه عنصر من العناصر الاب....داعية التي لما تزل ترفد الوطن بطاقات إبداعية كبيرة وفي مختلف الاختصاصات.
طه سالم واحد من هذه الطاقات المتحركة المتوثبة التي لها اكثر من موهبة ابداعية تجسدت منذ بداية عمله الفني وحتى احترافه. حيث تألفت ابداعاته في مفاصل متعددة من الفن المسرحي.
وفي تصوري اصبح هذا التنوع منبع ابداع كبير جعل من شخصيته تتوسع في مجالات كثيرة ليتعرف عن قرب على اسارا الفن.
وهذا ليس بغريب لان هناك العديد من الكتاب ممن لهم صلة بالعملية الاب....داعية للمسرح. كان لطه سالم لمسه ابداعية التصق بها، بحيث استطاع ان ينتقي بشكل ذكي اضاففته الاب....داعية في التأليف المسرحي.
حقاً انه كاتب. فهو في اوائل نصوصه ادرك الجميع ولادة كاتب يدرك ما يكتب، بل يعرف اسرار الكتابة، وانه يمتلك الحرفية التي تجعله صانعاً مقتدراً لحياة شخوصه ولافكارهم وحتى لكل ما يجب ان يتجلى بالانسان من قيم وممارسات نبيلة ترفع من شأنه وقدرته. وهذا ما جعل شخصياته متميزة، بل انها ترقي بانحيازها الى نظريات وافكار غاية في الاهمية على الرغم من انها نشكل خطورة على معتنقيها. فكثيراً ما يدفعنا طه سالم الى دهاليز شخصياته. نبكي معهم ونفرح.. نجري في طرقاتهم ونتعايش معهم حتى نعرف تفاصيل دقيقة عنهم تغنينا عن هم المشاركة. ربما عن التقصي والبحث لأنها تعرف ماذا تريد وكيف تعمل للوصول الى اهدافها عبر اشكال كثيرة منها تنويعات الفعل المسرحي وكذلك التركيب الدرامي. وهذا ما استورثه من برتولد برخت في العديد من مسرحياته،بل انه يذهب بعيداً ليجعل من شخصياته تتلاقح مع شخصيات مسرحية عالمية مثلما هملت وغيرها. وهذا التنوع جعله يرتقي الى درجات عالية من الادراك لمهام الكاتب المسرحي. فضمن تلك البواعث التي يقودها كاتبنا هو انه يدرك تمام الادراك ان الجمهور.... المسرحي العراقي ليس كلامتجانساً. وهنا يتوجب عليه ان يحافظ على تنوع كبير من اجل الوصول الى اكبر عدد منه.
المسرح السياسي
ان اقتحام جدلية الصراع الطبقي في ستينات القرن العشرين لم تكن قضية عابرة عامة يتطرق لها كل كاتب. بل كانت حالة فيها من الخصوصية الكبرى. فهي موضوعة سياسية كبرى في خطورتها كما يصعب تطويعها في غير مجالها السياسي
وقد كان لطه سالم تجربة متميزة في هذا المجال، فهو من الاوائل الذين فتحو بوعي جدلي ابواب المسرح للسياسة في العراق، وارى ان الاسبقية في هذا المجال ليس فقط في مسرحية (البقرة الحلوب) بل حتى في مسرحياته الاول....ى التي لاتخلو ابداً من الدعوة الى الفكر التقدمي الانساني الذي مهد له كثيراً الان يدخل الى معترك شائك ومتشظ بغموضه وضبايته واختفائه بين ثنايا الفكر الاوربي. انه التجريب..المسرح التجريبي. واراه كان مبكراً في طرق ابواب التجريب قبل الكتاب العرب. لقد اقتحم اساليب الحداثة. ولم يكن فضوليا او متطفلاً عليها. قد تكون واحدة من اشكال جنون الكتابة، واحدة من انفعالات العقل خارج الحدود الواقعية، لذا فان كاتبنا يدرك ويعي ما يريد ولهذا نجده قد وظف ادواته ابداعيا في الكثير من مسرحياته مثل (طنطل) و(مامعقولة) حيث دخلت في عوالم غريبة لم يكن الفضاء المسرحي العراقي على دراية بها. فتشظت مسرحياته بخزين هائل متنوع، فهو مرة يطل علينا بابطال يعيشون حياة ضائعة. مستلبة لا يعرفون غير عثيتها وفوضتها ومرة اخرى يحلق عالياً بخيال لا تلاحقه غير اشباح حياة بائسة يعيشها ابطال ينعهم واقع، الا انهم يعيشون خارج ذلك الواقع، انهم ينتمون الى اللاواقع والى الخيال، انهم ينشدون حياة قد يكون المؤلف هو الذي يرسمها. او ربما هو الذي يريدها ايضاً. المؤلف هنا يتناغم مع الظرف الراهن. مع الحالة المختفية في بواطن الاشياء، ربما هناك جوانب غامضة، بقصد او بغير قصد ربما الهروب من الوضوح المترهل او السطحية المقيته، او قد تكون حالة من التطابق مع حركة المجتمع. او حركة الفن العراقي في تلك المرحلة المهمة. فمرحلة الستينات وبداية السبعينيات احدثت انعطافات مهمة في الثقافة العراقية. فالرسم والنحت تمرداً على العديد من المسميات الفنية القائمة انذاك. فاحدثا تغيرات في العديد من المفاهيم الجمالية والفنية واستطاعا ان يرتقبها بالفن العراقي الى مقدمات نشرت تأثيرها على العديد من التيارات التشكيلية العربية. بل اصبح القول يشير الى ريادة الفن العراقي لكل الحركات الفنية العربية. وقد وصل التألق الة البؤر الاب....داعية العالمية.
فكان للفن العراقي موقعه المتقدم. كما ان المسرح تألق في هذه الفترة بولادة اساليب متنوعة اخذت ترسم لوحة جديدة لعرض مسرحي عراقي اقتحمت خشبة المسرح العربي. فظهرت اسماء جديدة في هذا الميدان حققت ما استطاع ان يؤكد ملامح واضحة لهوية مسرح عراقي خالص. وبعض الشيء تحركت ابداعات الشريط السينمائي في بعض من افلام تلك المرحلة كما انتعشت حركة الفلم التسجيلي والثقافة السينمائية. ويمكن القول او ان الوضع السياسي تطور مع ذلك التطور لكان للثقافة العراقية ان تصل الى قمم راقية في تطورها وابداعها. وارى ان السياسة كانت معولاً هداماً شقراس الوطن ومبدعيه. وهذه في تصوري موضوعة كبيرة تحتاج الى دراسات ميدانية للوصول الى استنتاجات دقيقة تكشف الخراب الذي يصيب الثقافة من جراء الافعال السياسية.
في تلك المرحلة التي ظهر فيها طه سالم اصبحت مكانة النص المسرحي متقدمة في الكثير من المفاهيم والتصورات والاستنتاجات في تنويعات العرض المسرحي. بدأ المسرح يقطع شوطاً متقدماً عبر التطلع الى التحديد والتحرك بسرعة قصوى من اجل اللحاق بركب التطورات الحاصلة في المسرح العالمي. ما حدا بكل العاملين في هذا الفضاء الاب....داعي ان يستجيبوا لتلك المتطلبات الداخلة في العمللية الاب....داعية للمسرح العالمي. لذا نجد امتلاء موضوعة العرض المسرحي بالروح الصادقة للكاتب،فاخذت الكتابة تتنفس العواطف والاحاسيس الانسانية المعبرة عن توقها لامتلاك الارواح والتحليق بها عالياً في فضاءات مفتوحة. بعد القراءات الجديدة لنصوص طه سالم اجد ان الفضاءات المسرحية استخدمت من اجل تأطير المضمون بشكل جديد يتناسب معه او يتشابه معه او يتشابه ويعمل على تطويره ومزاجته مع العناصر الاخرى الفاعلة في التأليف المسرحي. بمعنى ان ندرك الجوهر من وراء الشكل وهذه صفة مبكرة استطاع ان يتوصل لها لانه جعل (الحداثة والمهارة يعيشان في وئام وسلام) الذي اراه ان تكون الحداثة بيئته ومناخاً للفن لا ان تكون هدفاً له