مصير الزعماء الثائرين

مصير الزعماء الثائرين

في 13 مارس سنة 1933 لبى نداء ربه في الحجاز الامام المجاهد السيد احمد الشريف السنوسي الكبير، الشهير في ميادين الحرب والسياسة والدين، فانطوت بموته صفحة مجيدة من صحائف التاريخ في الشرق الناهض الساعي لحريته واستقلاله.
وجدير بنا اليوم ان نلقي نظرة على الحوادث التي كان الشرق ميدانا لها في الاعوام الاخيرة، وبنوع خالص بعد الحرب العظمى،

وان نجمل في هذه الصفحة ذكرى الابطال والزعماء الذين برزوا للعدل في الاقطار الشرقية ثم اضطروا الى التزام السكون والهدوء، او فاضت ارواحهم قبل ان يحققوا الاماني التي جاهدوا في سبيلها وهم احياء.
رفع السيد احمد الشريف السنوسي الكبير لواء الجهاد في سنة 1911 وحارب الايطاليين عندما نزلت جيوشهم الى طرابلس الغرب بنية احتلالها واستعمارها. وظل يقاتل في اثناء الحرب العظمى بالرغم من انسحاب الاتراك من طرابلس ورفض مرارا الصلح الذي عرضه عليه الايطاليون، وهاجم الديار المصرية وقاتل الانجليز شهورا عديدة. ثم سافر الى الاستانة في غواصة المانية واقام في تركيا وكان عونا لمصطفى كمال باشا في تنفيذ الانقلاب الخطير الذي احدثه الغازي في تركيا. وانتهى الامر بان انتقل السنوسي الكبير الى الحجاز في ضيافة جلالة الملك ابن السعود فاقام في مكة المكرمة حيث وافته المنية في 12 مارس ولو اردنا سرد تاريخ حياة السنوسي الكبير ابطال بنا الشرح ونحن لانبغى في هذه الصفحة غير الاشادة بذكره مقرونا بذكر غيره من ابطال الاستقلال في الشرق.
***
ففي جزيرة ريتيون الفرنسية، على مقربة من جزيرة مدغشقر، يقيم الان سجينا وحيدا منعزلا، رجل لعب منذ سنوات دورا اهتزت له اوربا ودهش له العالم. ذلك الرجل هو الامير عبد الكريم المراكشي، بطل حرب الريف ضد اسبانيا ثم ضد فرنسا. وقد هزم عبد الكريم الجيوش الاسبانية وشكل بها، ولو لم يرتكب خطأ عظيما باعلانه العداء لفرنسا، لكان الان حرا طليقا على رأس دولة ريفية مستقلة، اذ انه لم يهزم في الحرب ولم تسد في وجهه منافذ الخلاص إلا لانه اراد ان يحارب دولتين في آن واحد، فكان عداوة فرنسا هي القاضية عليه. وهو الان سجين، وقد فقد كل امل في تحرير الريف وتحقيق الاماني التي امتشق الحسام من اجلها.
***
وفي العام الماضي، نفذ الايطاليون حكم الاعدام في زعيم طرابلسي جليل، اراد ان يتمم ما بدأ به السنوسي الكبير في طرابلس، ويعني به البطل الخالد الذكر عمر المختار، الذي ظل يجاهد الى آخر نسمة من حياته. وقد مات من دون ان يحقق شيئا من امانيه وآماله البعيدة.
***
وهذا غاندي زعيم الهند الاكبر وقائدها الاوحد، الذي رفع لواء العصيان في وطنه وتمكن من توحيد كلمة الهنود على الرغم من اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وشيعهم، بصورة تدعو الى الاعجاب، ولم يؤثر فيه الى الان لا وعد ولا وعيد. فهو يجاهد في سجنه كما يجاهد خارج السجن.
وقد حقق غاندي جزءاً من برنامجه وامانيه، ولا يزال يعمل في سبيل تحقيق ما يريده للهند من حرية واستقلال.
***
ولعل الزعيم الشرقي الوحيد الذي تحققت جميع امانيه ونفذت جميع خططه، هو الغازي مصطفى كمال باشا، الذي قلب كيان تركيا رأساً على عقب، وسار بها بخطى واسعة سريعة نحو الرقي والمجد.
وفي تركيا طائفة كبيرة من الاكراد ضاربة في مناطق الحدود بين تركيا وايران والعراق، وهؤلاء الاكراد يسعون لتحقيق امانيهم الوطنية القائمة على مبدأ الجنسية، ويتوقون الى انشاء دولة كردية لا تكون خاصعة لتركيا او العراق او ايران. وقد قام منهم زعيم كبير هو الشيخ اسعد بثورة دامية انتهت بفشله وموته. وحاول بعض الزعماء الاكراد بعده ان يضرموا نار الثورة ولكنهم فشلوا كما فشل.
***
وقامت في سوريا ثورات عديدة منذ ان احتلتها فرنسا وفرضت عليها جمعية الامم نظام الانتداب. وزعماء الثورات السورية المشار اليها مشهورون معروفون، وبعضهم لا يزال الى الان رافعا لواء العصيان، والبعض الآخر لزم الهدوء وعاد الى وطنه.
فصبحي بك بركات رئيس المجلس النيابي السوري الان، من اولئك الزعماء الذين حاربوا فرنسا في بدء الاحتلال، وهو الان من انصار الانتداب وصديق الفرنسيين الحميم. وابرهيم بك هنانو، من اعضاء الكتلة الوطنية في سوريا، احد والئك الذين امتشقوا الحسام ايضا ونازلوا جيوش الاحتلال في الميادين وهو اليوم باق على عدائه للانتداب، يعمل في بلدته حلب مع زملائه الوطنيين في سبيل سوريا واستقلالها.
وفي مصر يقيم زعيم سوري معروف هو الدكتور عبد الرحمن شهيندر، الذي لا يسمح له بالعودة الى سوريا، وقد اشترك ايضا في الثورات العديدة التي اضرمت نيرانها في القطر الشقيق، وفي طريق دمشق، على مقربة من المكان الذي وقعت فيه معركة ميلون بين الفرنسيين والسوريين في سنة 1920 يوجد ضريح البطل السوري يوسف بك العظمة، الذي قتل في تلك المعركة وهو يحاول مع الفرنسيين من الوصول الى دمشق واحتلالها.
ولكن ابز شخصية بين الزعماء السوريين الذين لجأوا الى الثورات وقادوا الثائرين الى القتال، شخصية سلطان باشا الاطرش، الزعيم الحربي لجيل الدروز، وقائد الثورة السورية الاخيرة، في سني 1925، 26، 27. فان هذا البطل الشجاع والفارس المغوار، لايزال الى الان مرابطا في الصحراء، وراء الحدود السورية، مع فريق من ابناء قومه، يعلن على الملأ في كل مناسبة له لن يعود الى وطنه الا اذا تحققت امانيه القومية.
***
وإذا القينا نظرة على الحركة الوطنية في مصر، من الاحتلال الى اليوم، فانه لا يسعنا الا ان نذكر اربعة اشخاص ماتوا قبل ان يروا تحقيق الاغراض التي سعوا اليها، والامال التي جاهدوا في سبيلها.
واولهم: احمد عرابي باشا، الذي مات بينماالانجليز الذين هزموه في الميادين يقيمون في مصر ويتحكمون في شؤونها.
وثانيهم: مصطفى كامل باشا، الذي وافته المنية وهو في ريعان العمر، وحالت دون مواصلة الجهاد الذي بدأ فيه.
وثالثهم: المرحوم محمد بك فريد، مثال الاخلاص والتضحية والتفاني في خدمة المبدا والذي ذاق في سبيل ذلك مرارة النفي.
واخيراً: المغفور له سعد زغلول باشا، وقد لبى نداء ربه قبل ان يتحقق البرنامج الواسع النطاق الذي وضعه لاستقلال مصر!.

كل شيء والدنيا/
نيســان-1933

ذات صلة