تشايكوفسكي.. عندما يتدفق الإبداع من حياة بائسة

تشايكوفسكي.. عندما يتدفق الإبداع من حياة بائسة

أميــرة أحمــد
“إن الاهتمام بموسيقاي سيثير الاهتمام بي شخصياً، وهي فكرة شديدة الوطأة، أعني فكرة أن القوم في يوم ما سيحاولون سبر العالم الخصوصي لأفكاري ومشاعري وكل شيء حرصت على إخفائه طوال حياتي لهي محزنة وغير سارة.”يميل النقّاد والجمهور أيضًا إلى محاولة كشف حياة أي فنان، موسيقيّ كان أم كاتب أم ممثل إلخ، وذلك لمعرفة مدى تأثير حياته الشخصية على أعماله، ومعرفة الظروف التي ساهمت في إنتاج أعماله الإبداعية أيضًا..

هنا، نحن أمام موسيقيّ عالمي غاص النُقّاد في حياته الشخصيّة إلى القاع، وتداولت الثقافات المختلفة سيرته الذاتية، لكشف الظروف التي أنتجت لنا هذا الإبداع، إنه بيتر إيليش تشايكوفسكي أحد أشهر الموسيقيين الروس في العصر الرومانسي.
ولد تشايكوفسكي في 7 مايو من عام 1840، في مدينة فوتكينسك بروسيا، درس القانون وعمل في وزاة العدل لفترة، ثم إتجه لدراسة الموسيقى وترك عمله رغم رفض أسرته، لكنه إختار أن يتبع شغفه، وبالفعل تفرّغ تماماً لدراسة الموسيقى، والتحق بالكونسرفتوار في سانت بطرسبرج عام 1862 وتخرج منه عام 1865.
إستطاع تشايكوفسكي أن يصنع لنفسه بصمة خاصة في عالم الموسيقى، من العذوبة والدفء والكثير من الحزن أيضًا، حيث اتخذت موسيقاه لونًا قاتمًا أغلب الأحيان، ولعل هذا هو السبب وراء رفض عديد من النقاد والموسيقيين في عصره لموسيقاه، وإتهامهم أياه بأنه شخص تشاؤمي إلى حد كبير، هذا الرفض الذي تسبب – بلا شك – في نوبات إكتئاب متكررة عاشها تشايكوفسكي.
حياته لا تختلف كثيرا عن موسيقاه القاتمة – كما يرى النقاد – فقد عاش مواقف وتجارب بائسة كثيرة، بدءً من فقده لأمه في الخامسة من عمره، والتي وصفها بتجربته الأولى في الحزن العميق، مرورًا بزواجه الفاشل وميوله المثلية والتي كانت سببًا رئيسيًا في إنتحاره.
والآن.. دعونا نتعرف معاً على أهم وأجمل أعمال الرائع تشايكوفسكي:
بحيرة البجـع
بمجرّد ذكر إسم تشايكوفسكي يتبادر إلى ذهنك فوراً باليه بحيرة البجع، أجمل أعماله وأهم روائع العصر الرومانتيكي، ألفها عام 1887، ويتضمن باليه بحيرة البجع 4 فصول استعراضية في إطار درامي رومانسي، وقد عُرِض لأول مرة على مسرح البولشوي بموسكو في 4 مارس 1887.
كونشرتو الكمان
كتب تشايكوفسكي كونشرتو الكمان في عام 1878، أهم أعماله وأكثرها تعقيدًا من الناحية الفنية، يقول أن صديقه"يوسيف كوتيك"هو من ألهمه لتأليف هذه الرائعة، وذكر في سيرته الذاتيه أنه أراد أن ينسبها لكوتيك، لكن خوفه من القيل والقال منعه من ذلك، خشية أن يتم تفسير ذلك بعلاقة عاطفية مع كوتيك، وهو الذي يبذل قصارى جهده لإخفاء ميوله الجنسية المثلية عن جمهوره.
السيمفونية السادسة
يقول تشايكوفسكي عن السيمفونية السادسة "لا مغالاة في القول بأنني وضعت كل روحي في هذه السيمفونية”، وكعادته كأنه يسجل كل ذكرى مؤلمة له بمقطوعة موسيقية، فقد كتب هذه السيمفونية التي وصفها الموسيقييون بأنها تشبه الموسيقى الجنائزية، وداعًا وألمًا على صديقته السيدة فون ميك، والتي قطعت علاقتها به بعد 17 عاماً من المراسلات، لتعلمه بأنها لن تستطيع التواصل معه بعد ذلك.
كما إنها ستتوقف عن إرسال أية مساعدات مالية له لكونها أوشكت على الإفلاس، حيث كانت ترسل له مبلغ معيّن مقابل الحصول على مؤلفاته الخاصة، كطريقة لمساعدته دون أن تجرح مشاعره، وبالطبع وقع الخبر على تشايكوفسكي كالصاعقة ودخل في نوبة إكتئاب جديدة ترويها لنا سميفونيته السادسة، التي تحمل بداخلها حب 17 عام للسيدة فون ميك، والكثير من الألم والشعور بالنقص.
روميو وجولييت
ذكرى أليمة أخرى لتشايكوفسكي ترويها لنا موسيقاه، بالرغم من أن السبب وراء هذه المقطوعة قد يبدو غريب، إلا أن هذا ما تؤكده كل كتب السيّر الذاتية الإنجليزية التي تناولت سيرة تشايكوفسكي، والتي تجزم بأن هذه المقطوعة كتبها حزنًا على تلميذ له إنتحر، كانا قد جمعتهما علاقة حُبّ، ولهذا السبب يختتم مقطوعته هذه بالكثير من الألم والحزن.
كسّارة البندق
تكاد تكون هذه المقطوعة العمل الوحيدة المبهجة لتشايكوفسكي، وسط كل هذه الآلام ونوبات الإكتئاب والأزمات النفسية التي عاشها، والتي تظهر بشدة في كافة أعماله، بدأ في تأليف كسّارة البندق عام 1891 وإنتهى منها في عام 1892، إتخذت شهرة عالمية وذاع صيتها، ولازالت تُعتبر حتى وقتنا هذا من أفضل موسيقى الباليه.