طرائف وحقائق عن التعليم في بغداد قبل سبعين عاما

طرائف وحقائق عن التعليم في بغداد قبل سبعين عاما

احمد راشد الفهداوي
ادى اندلاع الحرب العالمية الثانية في ايلول (1939) الى نتائج سلبية عديدة تركت اثارها الواضحة على المجتمع العراقي حيث انقلبت الحياة العامة في العراق , وساءت الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية , ونال التعليم حصته من ذلك فكانت اشبه بالانتكاسة سواء في نوعية التعليم او اتجاهاته , وبقيت خطواته تسير ببطء شديد بعد ان عجزت الدولة عن وضع خطة تعليمية واضحة ورصينة ,

فضلاً عن عدم تهيئة المستلزمات الضرورية كالابنية المدرسية والمقاعد والكوادر التعليمية والتغيير المستمر في المناهج المدرسية.

ولم يكن الاستعمار البريطاني الذي يخضع العراق لهيمنته انذاك جاداً في تسيير امور التعليم بل كان يقف حجر عثرة امام تقدم التعليم واتساعه , فما كان يهمه هو فرض السيطرة والهيمنة البريطانية على المجتمع العراقي, وهذا مايمكن تلمسه من خلال ما اعلنه المستر (DOBS) معتمد الواردات البريطاني بان انشاء المدارس في العراق كان هدفه اعداد ملاكات ادارية لتسيير شؤون الدولة ومساعدة البريطانيين في هيمنتهم على العراق وليس تربية المواطنين وتثقيفهم , الامر الذي ادى الى التصادم المستمر بين البريطانيين ومن حالفهم مع العراقيين المخلصين من سلك التربية والتعليم.
كما يمكن تلمس هذا التوجه ايضاً من خلال طلب البريطانيين من حكومة نوري سعيد احداث تغيير في المناهج الدارسية التي وجدوا فيها مايدعو الى وحدة الامة العربية والعمل على طرد الاستعمار بعد انتفاضة العراق في مايس (1941) فاستجابت لمطالب بريطانيا بتغيير المناهج الدارسية لكي لا تتعارض مع مصالحها

واستدعت الخبير البريطاني المستشار (هملي Hemly), الذي قام بتاليف لجنة ضمت اشخاصاً متعاونين مع بريطانيا وليس لهم صلة بالافكار القومية , فضلاً عن ذلك فقد ادى التضخم النقدي , وارتفاع الاسعار , وضالة المبالغ المخصصة لوزارة المعارف دوراً كبيراً في تدهور مستوى التعليم بصورة عامة.

الكتاتيب (الملالي) وكيف انتهى عهدها في بغداد
يقصد بها اماكن تعليم الاطفال وغالباً ماتكون في المساجد او الجوامع او في بيوت الملالي والملايات(الملاّ: وهي كلمة مشتقة من الكلمة التركية (منلا) والتي تعني (من لا نظير له او لا يشبهه احد) بينما يرى اخرون بانها جاءت من كلمة (مولى) أي مربي الصبيان , واصبحت كلمة تدل على مكان الكتاب حيث يقول التلميذ (انا ذاهب الى الملا أي الكتاب), وتكون الدراسة اما مختلطة تشمل البنين والبنات او منفصلة ويتلقى فيها المتعلمون اصول قراءة القران الكريم وحفظه , فضلاً عن تعلمهم الحساب والخط ويردد هؤلاء الصغار الكلمات وراء الملا كالببغاء وهم لا يعرفون معناها , ويقوم الملا بمعاقبة الصبيان بالضرب القاسي الامر الذي ادى الى امتناع الكثير من الاهالي عن ارسال ابنائهم للتعلم لدى الملا .
يتمتع الملا بسلطة كبيرة حيث يخافه الجميع ويجلس امام تلاميذه كالملك لا احد يستطيع الحركة الا باذن منه ونادراً ما يفلت احد منهم من الضرب او فلقة الارجل التي يستخدمها الملا كاقسى عقوبة للتلميذ والمعلقة دوماً على الجدار الداخلي للصف واما انظار الجميع فضلاً عن وجود عصي الخيزران عن يمينه بكثرة.
يفرض الملا على التلاميذ ان يجلبوا معهم المنادل ليجلسوا عليها والصناديق الخشبية الصغيرة لكي يضعوا فيها ادوات الكتابة واللوحة التي يكتبون الواجب عليها بواسطة الاقلام التي يعملها لهم (الملا) من القصب حسب نوعية الخط الذي يراد خطه كالرقعة او النسخ او الثلث , ويتقاضى الملا اجوراً شهرية من عائلات التلاميذ يختلف قدرها من مكان الى اخر ولكنها لا تقل عن (50) فلساً او ياخذ مادة عينية اخرى , وفي كتاتيب اخرى يدفع الاطفال للملا اجور الدراسة كل يوم خميس لذلك سميت ب (خميسية).
ظلت الكتاتيب تؤدي دوراً مهماً وكبيراً في تاريخ التعليم في العراق , وبعد قيام الحرب العالمية الثانية بدت الحاجة كبيرة اليها فانتشرت من جديد في بغداد وازداد نشاطها بشكل ملحوظ حيث استقبلت الاطفال من ابناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة على حد سواء لفترة غير محددة قبل ان يلتحقوا في المدارس الابتدائية , وكانت الكتاتيب المنتشرة في بغداد بانواع ثلاثة هي الكتاتيب الاسلامية وتعد الاكثر انتشاراً وتُدرس مباديء القران الكريم كدرس اساسي فضلاً عن الحساب والخط والرياضة البدنية , اما النوع الثاني فهي الكتاتيب (الاسرائيلية) الخاصة باليهود الموجودين في بغداد وتقوم بتدريسهم الديانة اليهودية , في حين سمي النوع الثالث منها بالكتاتيب المسيحية الخاصة بالمسيحيين حيث يدرسون فيها الديانة المسيحية.
تفتقر الدراسة في الكتاب الى الخطة التعليمية والى المنهج الدراسي والى الكتب فقد اعتمدت على (الملا) وكفاءته , ففي تعليم القراءة كانت للملالي طريقة مميزة تبدأ بتعليم التلاميذ الحروف الهجائية وهي ما تعرف بطريقة (التهجي الصائتة) أي القراءة بصوت عالي , وبعد ان يتقن التلميذ تهجي الحروف ينتقل الى مرحلة القراءة السريعة التي تسمى (رَوَان) وهكذا كان التلميذ في الكتاب يتدرج في الدراسة كلما تقدم في الحفط وبصورة اساسية حفظ القران الكريم وصولاً الى ختم القران (الذي تتراوح مدته بين ستة اشهر الى سنة حيث يحصل التلميذ على شهادة التخرج من الملا وهنا يقيم له اهله (زفة) التخرج التي تعرف (بزفة الختمة) يشارك فيها تلاميذ الكتاب ويلبسون اجمل الملابس يتقدمهم المتخرج (خاتم القران) ويسير امام الجميع حملة الاعلام الملونة وقارعو الطبول ويسير خلفهم الملا ووراءه احد (الخلفات) وهو يقرأ دعاء الختمة الذي يبدأ ب (الحمدلله الذي تحمدا... حمداً كثيراً ليس يحصى عددا)... والجميع يرددون امين .
وقد اهتمت وزارة المعارف العراقية بالكتاتيب وسعت الى تنظيمها وتطويرها واخضعتها لرقابة الوزارة وطلبت من اصحابها وجوب توفر الشروط الصحية في بناياتها بل انها اصدرت اوامرها الى مديريات المعارف باجراء الكشف عليها قبل منح اصحابها الاجازة الرسمية الخاصة بفتح الكتاب , ثم افردت لها صفحة خاصة في تقريرها السنوي لسير المعارف بدءاً من عام (1944).
يتبين من خلال الاطلاع على تقارير سير المعارف للمدة من عام (1944) لغاية عام (1956) ان عدد الكتاتيب المنتشرة في بغداد كانت متأرجحة بين الكثرة والقلة حيث وصلت الى اعلى رقم لها في موسم (1950- 1951) اذ بلغت ثمانية كتاتيب ثلاثة منها خاصة بالذكور وخمسة مختلطة وعدد التلاميذ وصل الى
(1506) تلاميذ منهم (1282) من الذكور و(224) من الاناث فقط , فيما سجلت تقارير سير المعارف في موسم (1955- 1956) اقل عد بعد ان انخفض الى ثلاثة كتاتيب فقط واحد للذكور واثنان للاناث وعدد التلاميذ وصل الى (114) فقط منهم
(81) من الذكور و(33) من الاناث , وتشير تقارير سير المعارف الى ان اعلى رقم للمشتركين في الكتاتيب كان في موسم (1949 –1950) حيث بلغ
(1721) تلميذاً وتلميذه فيما انخفضت اعداد التلاميذ في موسم (1954 –1955) الى ادنى مستوياتها اذ وصل الى (99) تلميذاً وتلميذة فقط ,مع تفوق كبير في نسبة اعداد بناتها لغرض التعلم التزاماً بالتقاليد التي كانت سائدة في تلك الفترة , وظهر لنا كذلك ان الانخفاض في اعداد الكتاتيب بدأ منذ سنة (1952) ويعود سبب ذلك الى تزايد اعداد المدارس الابتدائية والتي فضل الناس ارسال ابنائهم اليها بدلاً من الكتاتيب.
ولاجل ان تؤكد وزارة المعارف اهتمامها بالكتاتيب فقد اجازت قبول المتخرجين من الكتاتيب في الصفوف التي توافق مستواهم التعليمي بعد ان يجرى لهم اختبار خاص في المدرسة.
يتضح مما تقدم ان للكتاتيب رغم السلبيات الكثيرة التي رافقتها خلال سنوات انتشارها دوراً كبيراً في خدمة المجتمع ثقافياً , اذ وفرت فرصة التعلم لعدد كبير من الصغار الذين حرموا من فرصة التعلم لاسباب كثيرة خاصة بعد الاوضاع السيئة التي افرزتها الحرب العالمية الثانية التي تاثرت بها كل مفاصل الحياة في العراق بما فيها قطاع التربية والتعليم الذي عانى من الكثير.

رياض الاطفال وظهور اول روضة
ادت الظروف الاقتصادية التي مر بها العراق خلال الحرب العالمية الثانية والسنوات التي تلتها الى انخفاض كبير في ميزانية الدولة بشكل عام وميزانية وزارة المعارف بشكل خاص والتي قامت بصرف اهتمامها عن رياض الاطفال مما ادى الى تناقص اعدادها بشكل كبير اذ لم يبق من مجموع (17) روضة كانت موجودة في بغداد خلال عام (1938) الا روضة نموذجية واحدة وعدد قليل من الصفوف الملحقة بالمدارس الابتدائية عام (1945) , وقد اكد هذا التقليص الغاء وزارة المعارف الصفحة الخاصة برياض الاطفال التي كانت تتضمنها تقاريرها السنوية لسير المعارف ولم يظهر اسم رياض الاطفال في تقريرها السنوي للموسم الدراسي (1939-1940) لغاية الموسم الدراسي(1954-1955) حيث اطلق على هذه الفترة ب (فترة الركود).
لم يكن لرياض الاطفال أي نظام تسير عليه منذ ان تاسست في العراق عام (1926) وبقيت تحكمها الارتجالية والاهواء الشخصية لغاية صدور نظام رياض الاطفال الرسمية رقم (13) لسنة 1950 الذي ضم (28) مادة تناولت كل ما يخص رياض الاطفال بدءاً بأهدافها مروراً بتحديد سن القبول واجور الدراسة ونسبة الاعفاء والمنهج اليومي وانتهاءاً بواجبات الهيئة التعليمية والادارة بصورة تفصيلية , ومن الجدير بالذكر ان اول روضة للاطفال ظهرت في بغداد سنة (1913)اسستها الطائفة الارمنية مما اتاح للطوائف الاخرى ان تحذو الحذو نفسه وتفتح رياضاً خاصة باطفالها وتلحقها بمدارسها الابتدائية ,وهي رياض اهلية , كان الهدف منها اكبر بكثير من مجرد التعلم .
وعلى العموم فان لرياض الاطفال اهمية كبيرة في تربية الاطفال وهم في سن الرابعة من العمر حيث توفر لهم الجو المليء بالفرح واللعب بجانب تعويدهم على عادات وتقاليد تهذيبية اخلاقية تجعل منهم مواطنين صالحين في المجتمع بعد سنوات .
وقد شعرت وزارة المعارف باهمية رياض الاطفال فشجعت المؤسسات التربوية الاهلية على فتح رياض الاطفال بعد ان قل وجودها خلال فترة الحرب العالمية الثانية لغاية سنة (1955) , فتم على اثر ذلك فتح عدد من رياض الاطفال الاهلية في بغداد مثل روضة النجاح وروضة المشرق وروضة المعهد الاهلي وروضة البيت العربي وروضة عادل وروضة الرافدين وكانت اجورها عالية لانها تابعة اما لمؤسسات دينية او جمعيات خيرية او لاشخاص معينين لذلك اقتصرت على ابناء الاسر الغنية.
قررت وزارة المعارف في اجتماعها المنعقد بتاريخ 2/11/ 1948 اعفاء (25%) من تلاميذ رياض الاطفال من دفع اجور الدراسة على ان لا يشمل الاعفاء اجور النقل والاكل , ويفضل ان يكونوا من ابناء المعلمين الذين لا تتجاوز رواتبهم ال
(25) دينار , اما الاخوة فيتوجب الدفع عن واحد منهم فقط مهما كان عددهم.
وبعد سنة واحدة من صدور نظام رياض الاطفال وبالتحديد في الموسم الدراسي (1951- 1952) قامت وزارة المعارف بدمج عدد من رياض الاطفال الرسمية بمدارس الاحداث فمن مجموع (10) رياض اطفال في مدينة بغداد تم دمج اربع رياض اطفال مع مدارس الاحداث فيما بقيت (6) رياض اطفال منفصلة , وهكذا استمرت فترة الركود والانحسار بالنسبة لرياض الاطفال حتى منتصف الخمسينات حيث شهد الموسم الدراسي (1955-1956) بدء عهد جديد لرياض الاطفال في العراق بصورة عامة نتيجة الوعي الثقافي والتربوي , ونمو الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية في البلد اذ استعادت رياض الاطفال مكانتها في السلم التعليمي , وبدات وزارة المعارف تولي اهتمامها بها من جديد , وافردت لها صفحة خاصة كاملة في تقاريرها السنوية تبين فيه عدد رياض الاطفال وانواعها رسمية او اهلية , فقد اشار التقرير السنوي للسنة الدراسية (1957-1958) الى ان عدد رياض الاطفال في العراق قد بلغ (24) روضة رسمية (ثمانية) منها في بغداد وباقي الاعداد موزعة على الوية العراق حيث ضم كل لواء روضة واحد فقط.
ومما تقدم يتبين ان رياض الاطفال لم تحظ بالاهتمام المطلوب من الدولة رغم أهميتها الكبيرة على اعتبار انها تهيء التلاميذ للدخول الى المدرسة الابتدائية لذلك قامت الجمعيات الموجودة في بغداد والمختلفة التوجهات والاهداف والغايات بفتح هذه الرياض , لذا يمكن القول ان الدولة ممثلة بوزارة المعارف كانت مقصرة تجاه هذه المؤسسة الضرورية فتركت الفوضى والارتجالية تطغى على مسيرتها سنوات عديدة ولم تكن القوانين التي اصدرتها لتعديل مسيرتها ذات جدوى كبيرة فضلاً عن عدم وجود البنايات الخاصة لهذه الرياض التي تحتوي على ساحات اللعب وتوفير ما يحتاجه الاطفال حيث فقدت الاستقلالية بعد ان الحقت بالمدارس مما زاد في تعقيد مسيرتها ووضع العراقيل في طريق تقدمها.

المدارس الابتدائية
حفلت فترة الحرب العالمية الثانية والسنوات الباقية من أربعينيات القرن العشرين بخصائص لم يشهدها التعليم الابتدائي من قبل او من بعد , فتذبذب النمو ووصل الى حد التوقف والتناقص بعد ان اهمل التعليم , وقل الاهتمام بمؤسساته , لذلك عانى التعليم الابتدائي في مدينة بغداد من نقص كبير في المستلزمات الضرورية لنجاحه منها عدم توفر الابنية المدرسية المناسبة , وافتقاد المتوفر منها الى ابسط الشروط الصحية , فالصفوف مظلمة ورطبة والابواب والشبابيك غير صالحة , فترك ذلك تاثيراته على الاوضاع الصحية للتلاميذ وبالتالي تأثر مستواهم العلمي, ومعلوم ان غالبية تلك المدارس كانت عبارة عن بيوت استأجرتها الحكومة العراقية وليست بنايات مدارس مستقلة , لذلك كانت الحاجة كبيرة لبناء مدارس جديدة , وهذا مادعا صحيفتا الاتحاد العربي والبلاغ الى مطالبة وزارة المعارف العراقية بتاسيس مدارس جديدة تستطيع احتواء الاعداد الكبيرة من الطلاب. ضمت المدارس الابتدائية في ذلك الوقت نوعين من المدارس , النوع الاول هو (مدارس الاحداث) اذ يكون التعلم فيها مختلطاً في حين تتكون الهيئة التعليمية من المعلمات فقط , اما النوع الثاني من هذه المدارس فكانت اما مدارس خاصة بالبنات تقودها هيئة تعليمية من المعلمات او مدارس خاصة بالبنين تحت امرة هيئة تعليمية من المعلمين فقط, وتقبل هذه المدارس كل من اكمل السادسة من عمره ولم يتجاوز الرابعة عشر بشرط ان يكون سالماً من الامراض والعاهات المانعة للدارسة ,اما الطلاب الذين تجاوزوا الرابعة عشر من العمر فلا يقبلون الا بعد إستحصال موافقة
مدير معارف المنطقة, في حين يقبل الطلاب الذين ياتون من الكتاتيب الاهلية او الخاصة في الصفوف الموافقة لمداركهم بعد ان يجرى لهم اختبار خاص في المدرسة , ويهدف التعليم الابتدائي الى اعطاء اسس عامة في القراءة والكتابة ومباديء الصحة والواجبات الوطنية لابناء الشعب جميعاً فضلاً عن تزويدهم باساسيات التربية والثقافة والعمل على جعلهم مواطنين سليمي الجسم والعقل والخلق اضافة الى اكتشاف مواهبهم الكامنة وتوجيههم بما يتناسب مع هذه المواهب والقابليات.
في عام (1937) قدم متي عقراوي مشروعاً لتطبيق التعليم الالزامي في العراق خلال ثلاثين عاماً يبين تفصيلياً كيفية انجاح هذا المشروع بالدعم المالي الذي ياتي بفرض ضرائب محلية لصالحه فضلاً عما توفره وزارة المعارف من اموال, وعندما صدر قانون المعارف رقم (57) لسنة (1940) نصت مادته العاشرة على تطبيق التعليم الالزامي في قسم من المناطق , التي تتوفر فيها مستلزمات التطبيق الضرورية وفي سنة (1954) قامت لجنة مشكلة في وزارة المعارف بدراسة امكانية تطبيق مشروع التعليم الالزامي الذي تقدم به خبير اليونسكو فكتور كلارك عام (1950) الا ان خبير التعليم (هيوبرت هندرسن) الذي استخدمته وزارة المعارف في العام الدراسي (1956- 1957) أكد إمكانية تطبيق التعليم الإلزامي خلال عشر سنوات قادمة.
سعت وزارة المعارف الى الاهتمام بالتعليم الابتدائي وتطويره بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ويمكن تلمس ذلك من خلال التعديلات التي اجرتها على هيكل الوزارة وتشكيل اللجان الفنية والعلمية وإصدار القوانين والأنظمة التي تخص التعليم الابتدائي فضلاً عن استحداث مديرية عامة مستقلة تهتم بشؤونه في العام الدراسي
(1945- 1946) , الأمر الذي ساعد , فضلاً عن الوعي الحاصل لدى العوائل العراقية لأهمية التعليم ودفع أبنائهم للدخول في المدارس , على ازدياد أعداد المدارس الابتدائية في العراق بصورة عامة ومدينة بغداد بصورة خاصة, فقد ازداد عدد المدارس الابتدائية الرسمية من (41) مدرسة في العام الدراسي (1944-1945) الى (247) مدرسة في العام الدراسي(1957-1958).
هكذا نال التعليم الابتدائي اهتمام ودعم وزارة المعارف لاجل ترقيته وتوسيع دائرته ليشمل عدداً كبيراً من أبناء الشعب , فضلاً عن اهتمامها بالمدارس الأهلية والأجنبية من خلال الاشراف عليها وتقديم الدعم المادي وتعيين هيأتها التعليمية مما اتاح لهذه المدارس ان تاخذ دورها في العملية التعليمية جنباً الى جنب مع المدارس الحكومية فازداد انتشارها في بغداد حتى وصل عددها في الموسم الدراسي (1956-1957) الى حوالي (33) مدرسة في مركز المدينة وبواقع
(11) مدرسة للذكور ومدرسة واحدة للاناث و(21) مدرسة مختلطة فيما ضمنت مناطق اطراف بغداد (7) مدارس منها مدرستان للذكور ومدرسة واحدة للاناث واربع مدارس مختلطة.

عن رسالة (الحياة الثقافية في بغداد 1939 ــ1958)