من اسرار يوم 14 تموز 1958.. لقـــاء نـــــادر

من اسرار يوم 14 تموز 1958.. لقـــاء نـــــادر

تحقيق ولقاء/ مصطفى صالح كريم
في تموز عام 1996 أجريت لقاءاً مع اثنين من الضباط الكرد اللذين كان لهما دور في خلايا تنظيم الضباط الأحرار وكذلك في المساهمة الفعلية بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، لقد كانت تربطني صداقة متينة بكليهما لذلك لم تكن مهمتي الصحفية صعبة لأن هذه العلاقة، هيأت لي هذا اللقاء الذي تم نشره في الذكرى الثامنة والثلاثين لقيام الثورة.

واليوم وبعد مرور سبعة عشر عاماً على نشر ذلك اللقاء و بعد أن رحل عنا الضابط اللامع نوري الشيخ رشيد فيما يمضي النقيب المناضل مصطفى عبدالله أيامه على فراش المرض، آثرت نفخ الروح في ذلك اللقاء الذي لاشك بأن قراء اليوم لم يطلعوا عليه في حينه لأن الموضوع كان قد نشر في صحيفة (الاتحاد) العدد ( 192- تموز 1996) حينما كانت تصدر في اربيل.
الاضطهاد السياسي الذي مارسته السلطات الحاكمة في العراق، دفع الاحزاب الوطنية والقوى السياسيية لتوحيد جهودها وتنظيم صفوفها في جبهة الاتحاد الوطني للعمل على الاطاحة بالحكم، وفي نفس الوقت كان التنظيم السري لخلايا الضباط الاحرار جاداً في عمله لوضع الخطط للقيام بثورة عارمة.. واستطاع هذا التنظيم ان يفجر الثورة بقيادة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم آمر اللواء التاسع عشر في (14/7/1958) ولمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين لقيام الثورة وتأسيس الجمهورية ارتأت (الاتحاد) ان تستعيد ذكريات الثورة من اثنين من الضباط الكرد اللذين كان لهما دور مشهود في عملية تنفيذ الثورة.

الرئيس (النقيب) نوري الشيخ رشيد يتذكر الاحداث

زرته في منزله، وبعد الاستفسار عن صحته حيث انه يمشي على عكازتين اثر اصابته بكسور في حوضه منذ حوالي 6 سنوات، استأذنته في اجراء حوار معه حول احداث الرابع عشر من تموز، والشيخ نوري الذي كان ضابطاً برتبة (رئيس- نقيب) اثناء قيام الثورة، شخصية اجتماعية معروقة تولى عدة مناصب ادارية في محافظة السليمانية، وكان واحداً من الضباط الكرد المنتمين الى تنظيمات الضباط الاحرار، ونظراً للمعرفة القديمة بيننا ولعلاقات الصداقة التي تربطنا ببعض فقد كانت مهمتي سهلة في اجراء الحوار معه، واستعادة ذكرياته التي مازل يحتفظ بها طرية ندية قلت له:
*متى دخلت الى التنظيم السري للضباط الاحرار وكيف تم ذلك؟.
- في اواخر عام 1956 كنت ضابطاً برتبة ملازم اول في الفوج الثالث- اللواء التاسع عشر وكان آمر الفوج العميد الركن عبدالسلام عارف وآمر اللواء الزعيم الركن عبدالكريم قاسم، حين صدرت الاوامر بتحركنا الى الاردن. وذات يوم كنا جالسين في بهو الضباط بمدينة الزرقاء وقد باغتني الزعيم عبدالكريم قاسم بسؤال مفاجئ حيث قال: ملازم اول نوري يقال ان البارزاني يقوم بالتدريبات العسكرية في المناطق المتآخمة للحدود السوفياتية- الايرانية ويشاع بأنهم ينوون تشكيل دولة كردية في (شمال) العراق، ماذا سيكون موقفك اذا تم ذلك وخاصة انت ضابط في الجيش العراقي؟، فاجبته على الفور: سالتحق بهم دون تردد لا بصفة ضابط بل بصفة جندي، خيم الوجوم على الجالسين، الا ان الزعيم ابتسم ولم يعلق بشيء، وبعد أيام اتصل بي الرئيس الاول (الرائد) فاضل محمد علي وشرح لي اهداف الضباط الاحرار، وعرض علي الانضمام اليهم ثم اضاف: انك مزكى من قبل اللجنة العليا، وهكذا اصبحت عضوا في تنظيم الضباط الاحرار واقسمت على الولاء لاهدافه.
واثناء عودة لوائنا من الاردن ووصول اللواء الرابع عشر الى (H3) تقرر القيام بالثورة عند بدء مراسيم الاحتفالات بعودة القطعات من الأردن، ولكن تغيب نوري سعيد من الحضور أدى الى تأجيل القيام بالحركة.
* هل جرت محاولات اخرى بعد تلك المحاولة التي اشرتم اليها؟
- اجل، هناك محاولة في خريف عام 1975 اثناء القيام بمناورات وتمارين بالسلاح الحي في منطقتى بيخال، كما وجرت محاولة اخرى في 6/1/1958 (ذكرى يوم الجيش) ومحاولة اخرى في 11/5/1958، والتي لم تنفذ لأن اللواء الخامس عشر لم يعسكر في بغداد وانما انتشر بين الفلوجة والرمادي ولذلك لم يستطع العقيد عبدالغني الراوي تحريك فوجه للسيطرة على بغداد.
* كيف حدثت المحاولة الاخيرة التي كتب لها النجاح؟.
- صدرت الأوامر في اوائل تموز 1958 الى لواء المشاة العشرين الذي كان آمره الزعيم الركن العميد احمد حقي بالتحرك من مقره في معسكر جلولاء نحن الاردن وسمي ذلك بحركة (صفر) رغم ان تحرك اللواء قد تأجل الا ان اللجنة العليا للضباط الاحرار سارعت بوضع خطة التنفيذ.. وهكذا حين صدرت الاوامر الى اللواء بالتحرك الى الاردن كان الزعيم عبدالكريم قاسم الذي كان آمراً للواء التاسع عشر قد وضع خطة متكاملة وتم ابلاغ الضباط الاحرار الذين سيقومون بمهام التنفيذ مع عدم ابلاغ اي ضابط آخر للمحافظة على السرية التامة والمباغتة.
* من هو الضابط الذي اتصل بك في ليلة التحرك واخبرك بالقيام بالثورة؟
- أبلغني مسؤولي وصديقي الرئيس الأول (الرائد) فاضل محمد علي، وكانت الأوامر تقضي بعدم توزيع العتاد على المراتب الا بعد وصول قطعاتنا الى H3 ولكنني خالفت الأوامر وقمت بتوزيع الأعتدة على الفصائل والسرايا، وكان قد تقرر اعتقال العقيد الركن ياسين محمد رؤوف الذي كان آمر الفوج الثاني ولم نكن نأمن جانبه فيما كان الفوج الأول يقوده العقيد عبداللطيف الدراجي والفوج الثالث آمره العقيد الركن عبدالسلام محمد عارف، ولكن الضابطين باعتقال العقيد الركن ياسين لم ينفذا الواجب لذلك فقد بادرت بنفسي الى اعتقاله فوراً ثم تحركنا كل حسب الهدف المرسوم له.
* ماذا كانت المهام التي كلفت بها اثناء تنفيذ الثورة؟
- بما اني كنت قد حزت على المرتبة الثانية في دورة الرماية بالمسدس، لذلك كلفت بقتل اللواء غازي الداغستاني الذي كان قائداً للفرقة فيما اذا انكشف امرنا و تأكدنا من أنه يريد أن يطعن الثورة، غير ان ذلك لم يحدث ولله الحمد.
أما فيما يخص الواجب التنفيذي فقد كلفت بالسيطرة على مقر شرطة القوة السيارة في الصالحية-قرب مبنى الإذاعة- وذلك بالتعاون مع الرائد فاضل محمد علي، فيما كان قوة اخرى مكلفة بالسيطرة على المقر الآخر لشرطة القوة السيارة في قصر الأبيض يقودها الطيب الذكر الأخ العزيز المرحوم الرئيس الأول (الرائد) محمد علي شريف "وهو من أبناء السليمانية ايضاً؟". اما القطعات الأخرى فكانت مكلفة بالسيطرة على الأهداف التالية: قصر الرحاب، بيت نوري السعيد، دار الإذاعة، دائرة البريد والبرق والهاتف، الجسور الرئيسية، وزارة الدفاع، ومراكز مهمة أخرى.
* كيف سارت الأمور بالنسبة للواجب الذي كلفتم به؟
- في الحقيقة اني استأذنت من الرئيس الأول فاضل لأكون على رأس القوة المهاجمة وحين اقتحمنا الردهات والبناية فوجئ الضابط الخفر الذي كان نائماً ومسدسي مصوب الى رأسه فصرخ باللغة الكردية (أرجوك لا تقتلني، فأنا اعرفك وطالما استضافني اهلك في عبابيلي "قرية ابي عبيدة" وانا انفذ ما تطلبونه) فطيبت خاطره ثم القيت كلمة على أفراد الشرطة حول قيام الثورة وطلبت منهم ترك اسلحتهم في المشاجب والعودة الى اهلهم ريثما نطلبهم بوساطة الإذاعة، لأني وجدت ان بقاءهم بهذه الكثرة في المعسكر ليس من صالحنا.
* في زيارة لي الى الإذاعة بعد قيام الثورة بأيام وجدتك كضابط مسؤول هناك ماذا كانت مهمتك؟
- كلفت بالأشراف على القسم الكردي، حيث فسحت المجال للسياسيين والمثقفين والأدباء بالقاء الكلمات والقصائد دون اية رقابة و (اعتقد انك تعرف ذلك لأنك كنت واحد من اولئك الذين القيتم كلماة من دار الإذاعة).
واذكر ان الأستاذ المرحوم احمد غفور هو الذي كان واسطة التعارف بيننا، ولابد لي ان أشير الى ان الأخ الشاعر المرحوم كامران موكري كان متواجداً في الاذاعة بصورة مستمرة، وكانت لقصائده الحماسية دورها في تاجيج الحماس لدى جماهير شعبنا.
كما وان الأخ احمد حامد قادر والأخت نسرين محمد فخري كان لهما دورهما في إعداد البرامج وتنسيقها، والمذيع المتميز كان الأخ عمر هلمت.
* يقول (جاسم العزاوي) الذي كان مرافقاً للزعيم عبدالكريم في مذكراته التي اعترف فيها بأنه كان يعمل سراً مع قوى الردة لأسقاط عبدالكريم كان عبدالكريم قاسم رجلاً بسيطاً، سواء قبل الثورة او بعدها، لم يتكبر على أحد، وانتم كيف تقيمون القائد الذي عملتم في إمرته؟
- كان رجلاً نبيلاً، شهماً، جريئاً، مقداماً، وكان يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، كان رحمه الله صافي القلب، ولعل صفاء قلبه هو الذي أودى بحياته.
ختاماً باسم (الإتحاد) نشكركم على هذا الحوار اللطيف واستجابتكم الى هذا اللقاء متمنين لكم دوام الصحة والتوفيق.
- وأنا ايضاً اشكر صحيفة الإتحاد التي اعادتني في هذه الزيارة الكريمة الى ثمانية وثلاثين عاماً مضى حيث الذكريات الماضية بحلوها ومرها آمل لكم ولجريدتكم كل التوفيق.

الرئيس (النقيب) مصطفى عبدالله والهجوم على قصر الرحاب

كان الرئيس مصطفى عبدالله منذ ان كان طالباً في ثانوية السليمانية منتمياً الى الحركة الثورية وساهم مع زملائه الطلبة في مظاهرات الوثبة وفي النشاطات الطلابية، وعليه إن خلفيته النضالية كانت تؤهله للخوض في الأعمال الثورية.
زرته في بيته المتواضع في محلة (الإسكان) بمدينة السليمانية واستأذنته في اجراء لقاء معه لمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين لثورة 14 تموز فرحب بنا وفتح لنا صدره مشكوراً، ولنعد الى ماض بعيد ونستعيد معاً نتفاً من الذكريات.
* متى تم اتصالك بالضباط الأحرار؟
- يعود اتصالي بهذا التنظيم كصديق للسنوات قبل الثورة عن طريق المقدم الركن داود الجنابي الذي عين فيما بعد الطبقجلي قائداً للفرقة الثانية، كما واتصل بي في كركوك الرئيس فاضل البياتي الذي كان من الضباط الشيوعيين.
وقبل الثورة بحوالي اربعة اشهر اتصل بي الأخ العزيز والصديق الوفي المرحوم الرئيس الأول محمد علي شريف الذي كانت تربطني به علاقات الود، وفاتحني في العمل ضمن خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فوافقت عليه دون اي تردد.
وبعد فترة عمل على ترشيحي الى دورة الضباط الأقدمين التي فتحت فيما بعد في مدرسة المشاة القريبة من القصر، وقد اخبرني الرئيس محمد علي شريف لاحقاً بان الزعيم الركن ناجي طالب مدير التدريب العسكري بوزارة الدفاع استطاع ان يقنع رئيس اركان الجيش بفتح تلك الدورة حيث شرح له اهدافها التي هي ضمن الضرورات الراهنة لتوحيد التدريب بين دول حلف بغداد، اما الغرض الرئيسي منها هو تواجد عدد كبير من الضباط الأحرار ومن ضباط الصف الذين يعتمد عليهم ليكونوا قريبين من قصر الرحاب ومستعدين للمساهمة الفعلية في الثورة. ولما صدر أمر ترشيحي لتلك الدورة اخترت عناصر مخلصة طيبة من ضباط الصف للمشاركة في الدورة. وحين اصدرت الأوامر بتحرك اللواء العشرين الى الأردن كنا نحن مداومين في مدرسة المشاة ومنهمكين في التدريب.
* متى تم تبليغك بالقرار المتخذ حول قيام الثورة؟
- قبل أيام من تحرك اللواء عرفني الأخ محمد علي شريف على الزعيم عبدالكريم قاسم والعقيد عبداللطيف الدراجي واخبرني الزعيم بأنه اختارني لمهمة سيبلغني بها فيما بعد الرئيس الأول محمد علي شريف. وكانت المهمة هي المشاركة في الهجوم على قصر الرحاب، وحين اخبرني محمد علي بذلك حضر معي الى مقر الدورة وأطلعني على المواقع الستراتيجية للقصر و أخبرني بانه يعرف تفاصيل دقيقة عن داخل القصر وذلك عن طريق ضباط الصف هناك والذين سبق وان عملوا تحت امرته في الكلية العسكرية.
* كيف تم الهجوم على قصر الرحاب؟
- لقد بدأ في الساعة السادسة، وكان عبدالسلام عارف قد أوعز الى الرئيس الأول منذر سليم من لواء المشاة العشرين بأن يتوجه على رأس سريته الى قصر الرحاب حيث يقيم الملك وخاله، وكانت السرية التي تقدر بحوالي اربعين جندياً قد امتدت على طول الرصيف وصوبت بنادقها باتجاه القصر، وحين سمعنا رشقة الإطلاقات الأولى بادرت بكسر مخازن العتاد في مدرسة المشاة واخذت صناديق من الأعتدة في ناقلة واخترت خيرة ضباط الصف الكرد الذين كانوا معي ليكونوا تحت امرتي، وقد وزعت الفصيل الى قسمين: القسم الأول يحرس الممر الخارجي خوفاً من هروب عبدالإله والقسم الآخر اتخذ موقع الهجوم، وحينما بدأت زخات الرصاص تنهال على القصر سارع الضباط الأحرار الآخرون المنتسبون الى الدورة في مدرسة المشاة بالالتحاق بالقوة المهاجمة على القصر وفي غضون ذلك وصل الرئيس (النقيب) عبدالستار سبع العبوسي واطلق ثلاثة قنابل بازوكا من المدفع 106 ملم باتجاه القصر، فاهتزت المنطقة إثر الإنفجار، استغلينا هذه الفرصة فتحدثت باللغة الكردية مع العقيد طه بامرني آمر الحرس الملكي الذي كان قد حدد موقفه وانضم الى الحركة.. وبعد تبادل اطلاق النار من الطرفين وبناءً على طلب الضباط الأحرار الى قوات الحرس بوجوب التسليم خرجت العائلة المالكة وخلفها يسير الملك وعبدالاله، وإثناء ذلك فوجئنا برشقات من الرصاص حيث جرحت في صدري جرحاًعميقاً وكان ان دخل الرئيس عبدالستار سبع العبوسي من الباب الرئيسي حاملاً غدارته معه فأطلق الرصاص على العائلة المالكة ثم توالي إطلاق رصاص المهاجمين، وكان الرئيس حميد السراج قد جرح ايضاً وصايب من ضباط الحرس الرئيس ثابت يونس الذي فارق الحياة اثناء نقله الى المستشفى، اذكر اني صرخت بوجه عبدالستار وقلت له: لماذا فعلت ذلك؟
قال: كنت أخشى ان يعيد التاريخ نفسه وتفشل الثورة فيأتي عبدالاله ويعلقنا على اعواد المشانق كما فعل بالعقداء الأربعة عام 1941. وبعد ان تم الاستيلاء على القصر نقلت الى المستشفى.
* ان احد المشاركين في الهجوم على القصر وهو النقيب (الرئيس) محمد علي سعيد قال في مقابلة شخصية بتاريخ 7/1/1977 بأنه انطلق الى مدرسة المشاة وتحدث مع الضباط والجنود فيها مستثيراً نخوتهم وشعورهم الوطني لنجدة القائمين بالحركة فهب هؤلاء يجمعون العتاد وحملوه بناقلتين مع 60 ضابط صف ما رأيكم بهذا التصريح.
- ان كنت تريد الحقيقة ما قاله محمد علي سعيد الذي وصل فيما بعد الى رتبة عميد ركن ليس صحيحاً بما فيه الكفاية، لأني كما شرحت لك آنفاً كنت مكلفاً بالهجوم بناءً على اوامر من الزعيم عبدالكريم قاسم، لذلك لم انتظر من يستثير في النخوة والشعور الوطني فقد جمعت العتاد وحملته بناقلة مع ضباط الصف بقيادة العريف مولود (وهو من اهالي السليمانية).
* سمعت بأن الرئيس (النقيب) عبدالستار سبع العبوسي قد انتحر مؤخراً هل لك علم بذلك وماهو تحليلك لانتحاره؟.
- ان العبوسي كان معنا في الدورة، وكتن من الضباط الاحرار، عذا ذلك فأنه كان عنصراً طيباً، وطنياً وديمقراطيا، كان يهمه اعلاء شأن العراق وتحرير الشعب العراقي، وبكلمة اخرى كان عراقي التفكير، ولما ادرك في السنوات الاخيرة ما آل اليه مصير الشعب بيد الزمرة البعثية التي داست على كل القيم واخرقت الاخضر واليابس لابد وانه خاطب نفسه مراراً (أ لاجل هذا قامت الثورة؟) لقد وضعنا ارواحنا على راحة كفوفنا وعرضنا صدورنا الى رصاص القصر.. ثم تأتي زمرة من تكريت او بالاحرى من العوجة لتتحكم في مصائرنا ) وهكذا وفي حالة من حالات اليأس اطلق الرصاص على نفسه منهياً حياته.
* حين كنت في المستشفى إثر اصابتك بتلك الرصاصات جئتك زائراً وكان قميصك الملطخ بالدم مازال عالقاً في غرفتك، لقد علمنا آنذاك بزيارة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم اليك والاستفسار عن صحتك، هل لك ان تذكر لنا شيئاً من تلك الزيارة؟.
- بالمناسبة بعد عودتك الى السليمانية نشرت صورتي في جريدة (زين) وقد روى لي صديق ان عبدالسلام عارف حين اطلع على الصورة امتعض منها، وصادف ان زارني مندوب مجلة (المصور) المصرية واجرى معي لقاءً صحفياً وعلى اثر اطلاع عبدالسلام عارف عليه اصدر امراً يمنع فيه اعطاء التصريحات واجراء المقابلات الا بإذن خاص، وحين زارني في المستشفى اخبرني بأنه كان قد كلف الرئيس منذر سليم بالهجوم، وفهمت من كلامه انه يقصد بأنني لم أكن مكلفاً بذلك الواجب فاجبته على الفور..(سيدي لقد كلفت بهذه المهمة بناءً على اوامر الزعيم) فسكت على مضض، ثم قام الزعيم الركن عبدالكريم قاسم بزيارتي واقترح ارسالي الى الخارج لاجراء العملية، بيد ان الجراح البارع –ابن مدينتي- الدكتور رافد أديب (المقيم حالياً في لندن) اجرى لي العملية الجراحية وسهر كثيراً على معالجتي، سأظل شاكراً له فضله مقدراً رعايته الكريمة لي.

وفيما بعد حين علم الزعيم بتماثلي للشفاء طلب مني ان ازوره في مكتبه بوزارة الدفاع بملابسي العسكرية واعود بعدها الى المستشفى.. فنفذت الامر على الفور وحين دخلت مكتبه واديت التحية العسكرية نهض من مكتبه وصافحني، ثم اشار الى المصور العسكري ليأخذ لنا صورة مشتركة وعلق قائلاً: الثورة هي ثورة العرب والكرد).