كواليس ذي شاينينغ  في فيلم وثائقي.. غموضات دراما الرعب النفسية لستانلي كوبريك

كواليس ذي شاينينغ في فيلم وثائقي.. غموضات دراما الرعب النفسية لستانلي كوبريك

ترجمة: عباس المفرجي
المشاهدون الأصليون لفيلم "شاينينغ" جلسوا ليتابعوا فيلم رعب نفسي حول رجل يعتزل داخل فندق محاصر بالثلج، يفقد قواه العقلية ويحاول قتل أسرته. بعد ثلاثة عقود صاروا محل هزء؛ كانوا قرأوا العمل كله على نحو خاطئ."شاينينغ"هو في الحقيقة فيلم هولوكوست متنكّر. خربشْ هذه العبارة:"شاينينغ"هو، في الواقع، نسخة ستانلي كوبريك من ثيسيوس

[ بطل إغريقي أسطوري ] والمتاهة. لا، مهلا: إنه إعتذاره المبطـَّن عن مساعدة (ناسا) في تزييف الهبوط على القمر، أو إنه درس تاريخ شامل في الشرّ البشري، منذ فجر الإنسان حتى نهاية الزمن. إن كان يوما ثمة فيلم أثار جنون المشاهد، فإن"شاينينغ"يفي بهذا الغرض.
صرّح المخرج رودني آشر بأنه إستخدم فقط 10% من المقابلات التي أدارها من أجل فيلمه"الغرفة 237"، فيلمه الوثائقي الملفت للإنتباه، الذي يدور حول فيلم كوبريك"ذي شاينينغ"وشيخوخته، أغلب الظن خوفاً من الضياع في المتاهة،لكن تلك المقابلات التي تبقّت هي مخيفة بما يكفي. أصوات محررة من الجسد، تعبّر عن الغضب في الشريط الصوتي، كل صوت له نظريته المفضلة الخاصة به، له مؤامرته الرهيبة الخاصة به. هؤلاء يفهمون فيلم كوبريك بالمقلوب. إنهم يريدون أن يرووا لنا عن (النافذة السرية) في مكتب أولمان،عن مغزى الغرفة رقم 42، وعن (بيل واتسون الغامض)، مستخدم الفندق المتواضع الذي هو ربما من (السي آي أي) بعد فترة، وهو الشيء الأكثر رعباً، تبدأ الأصوات بالتعبير عن شيء من المنطق.
رقَّع آشر أجزاء"الغرفة 237"معا بميزانية مقترة، مجريا عملية المونتاج في البيت، ليلا، بعد أن يضع طفله في فراش النوم. (قطعت الفيلم بين الساعة الثامنة مساءً والساعة الثالثة صباحا) وتلك الساعات ملائمة جدا لإحداث جنون إرتياب معين. كان عليّ الإستماع لكل تلك التفسيرات وأفكِّر، ’ حسناً نعم، لكن لا، لكن ربما. ‘ كان الأمر يشبه فتح كتاب نيكرونوميكون أو السقوط في رمال متحركة.
محكوم بمجرد قيمته الإسمية، كان "شاينينغ" إقتباسا لكوبريك عن الرواية البستسيليرز لستيفن كنغ. قام ببطولته جاك نيكلسون بدور جاك تورانس، كاتب مكافح وكحولي سابق، يتخذ وظيفة ناظر شتائي في فندق مسكون. في عرضه الأولي، أثار الفيلم الحيرة. كان"شاينينغ"فنيا أكثر مما يجب بالنسبة لهواة أفلام الرعب وتافه أكثر مما يجب بالنسبة لمعجبي كوبريك.
سيكون أمراً مريحاً لو رفضنا شخصيات آشر بإعتبارها مجموعة من فانبويز [ هواة ] بلهاء، سريعي الإهتياج، في متناولهم الكثير جدا من الوقت،لكن الأمر بشكل مضايق، لن يكون على هذا النحو. جفري كوكس، الذي يرى في الفيلم حكاية رمزية عن الهولوكوست، هو بروفيسور في التاريخ في كلية ميشيغان. بيل بلاكمور، الذي قرر أن الفيلم يدور حول التطهير العرقي لسكان أميركا الأصليين، بعد ظهور علبة من صودا الخَبْز في خلفية أحد المشاهد، هو مراسل رئيسي في محطة الأخبار أي بي سي. هؤلاء الناس هم متعلمون، متحدثون لبقون، وغالبا جديرون بالتصديق. مع هذا بطريقة ما كان"شاينينغ"أثّر عليهم. قهري، خانق ومسنَد ترافقيا في كل بوصة منه، يصف"الغرفة 237"فيلم كوبريك بنوع من صحفة بتري [ صحن زجاجي رقيق يستعمل في المختبرات ] سينمائية. تبرز نظريات المؤامرة على نحو غير متوقع مثل نبات الفطر في الظلام.
أطلق البي أف آي [ معهد الفيلم البريطاني ] جزءاً مرمما وموسعا من"شاينينغ"، فذهبت الى مشاهدته قبل عرضه على الجمهور. على نحو مضايق الى حد ما، يستوقفني الفيلم بطريقة ما أغنى، أغرب واعمق أكثر مما فعل في الماضي. جزء من هذا هو ببساطة فائدة مشاهدته على شاشة كبيرة. جزء، كما أخشى، مسؤول عنه فيلم"الغرفة 237". بالكاد 10 دقائق منه بدأت أفهم من أين جاءت هذه النظريات، حين يركب داني الصغير (داني لويد) دراجته مارّا بالغرفة المحظورة رقم 237، والشبح القديم للفتاة يدعوه الى (اللعب معنا الى الأبد والأبد). المشكلة في فيلم كوبريك هي انه، على نحو موسوس، مؤلف بشكل جيد. له ذلك العمق السخيف من التركيز. ينتاب المرء شعورا بأن كل شيء في هذه الكوادر المحتشدة (الصور المعلّقة على الجدران، علب الكرتونلا على الرفوف) هو هناك لسبب ما، نابض بمغزى معين. مشاهدة"شاينينغ"تشبه إنعام النظر في لوحة لريتشارد داد، إن حدّقت بها مطوّلا ستفقد موضوعها،
لكن كم عدداً مثل هذه المشاهد النزوية التي وضعت بقصد؟ عندما يرتكب مخرج عادي أخطاءً متواصلة، فهذا يُعـد برهانا على قلة الكفاءة. عندما يفعل الشيء نفسه مخرج عبقري مبجّل، فنحن نتساءل ماذا كانت تعني. يصبح الفيلم ملغزاً بالقطع غير المتقن وبديكوره المتنافر، كرسي يتلاشى من مكانه قرب الجدار، بينما تختفي الرقعة اللاصقة على باب غرفة النوم، وفي منتصف الطريق، تغيّر الآلة الكاتبة ألوان حروفها.
يتحزّر آشر أن كوبريك ربما كان يجد بعض المتعة في مضايقة جمهوره، رغم انه يسلم بأن بعض الأجزاء ربما تكون مجرد خاطئة. أنه مأسور بشكل خاص بسجاد الفندق الذي يتغيّر نمطه من لقطة الى لقطة تالية. لك هو الأكثر خداعا، لأنه يعني تحريك الكاميرا من طرف لموقع الى آخر. تلك هي عملية كبيرة. إنها تشتمل على قصدية حقيقية.
بلا شك، يمكن للعديد من التفسيرات الأكثر غرابة أن تكون ببساطة مؤكدة من خلال الحديث مع اولئك الذين عملوا في الفيلم. مع هذا، يحجم آشر بعمد عن سلوك هذا الطريق. (حتى إذا عرفت نوايا المخرج، فهذا بالضرورة لا يجعل كل شيء مفهوما.) اللاوعي، ربما، هو البطل غير المتغنى به في أي عمل من أعمال الفن. غير آبه بالعوائق، إتصلت بجان هرلان، أخ زوجة كوبريك والمنتج المنفذ في"شاينينغ". لا، قال لي، أن الفيلم هو ليس إعتذارا عن تزييف الهبوط على القمر. تلك الشائعة، جزئيا، كان منشأها فيلم تلفزيوني وثائقي فرنسي، تمّ بثه بعد وفاة المخرج عام 1999، ويبدو إنها إنتشرت على نطاق واسع منذ ذلك الحين. إستهجن هارلان ذلك بغضب. (إنه لم يفعل، بالطبع، لكن القصة لا زالت دائرة)
كوبريك، كما يشرح قائلا، كان منكبّا دائما على الشغل بهذا الشكل، إذ يترك العمل مفتوحاً أمام تفسيرات متعددة، مثله مثل الإنطباعيين الفرنسيين أو رسامي المدرسة التكعيبية. (فيلم رعب صريح، لم يكن ما يهتم به) يصرّ هارلان قائلا(كان يبغي إلتباسا أكثر. لو كان يريد صنع فيلم عن الأشباح، لكن جعله فيلم اشباح من البداية حتى النهاية. كان موقع الفيلم أُنشأ عن قصد ليكون غريب الأطوار ونائي، بحيث أن قاعة الرقص الضخمة ما كانت في الواقع ملائمة في داخله. جمهور المشاهدين جُعِلوا بعمد لا يعرفون الي أين هم ذاهبون. يقول الناس أن"شاينينغ"لم يكن مفهوما. بوسمه على هذا النحو، هو فيلم أشباح. إذاً، ليس من المفروض أن يكون مفهوماً.
هل سيمدّ هذا آشر بالإرتياح؟ ذلك هو ما نخمنه جميعا. أثناء تجميع فيلم"الغرفة 237"، وجد المخرج نفسه يتابع"شاينينغ"المرة تلو المرة، بدماغ يطنّ، وأحاسيس تصطخب. بشكل لا سبيل الى إجتنابه، جاء هو بنظرية خاصة به. (هناك مشهد، يقول فيه اولمان أن غريدي يكّدس الجثث في الجناح الغربي من الفندق) يقول آشر (فكّرت ’ الجناح الغربي ‘؟ ذلك يبدو أشبه بـ ’ البيت الأبيض ‘. إغتيال كندي، كل تلك الأمور) كان عليه المضي قدما؛ كان يجب أن يفلت. في ذهني صورة عنه وهو لم يزل منتظرا داخل ذلك الفندق المسكون، لم يزل تائها في الأنماط المتغيرة لسجاد المدخل، معرَّضا لخطر اللعب الى الأبد والأبد.