أوديسة الفضاء...  ملحمة كوبريك الخالدة

أوديسة الفضاء... ملحمة كوبريك الخالدة

كثيرا ما، أدهش ستانلي كوبريك، عشاق السينما في العالم، بتجاربه السينمائية المختلفة والعديدة. ومن أهم الفلام التي قدمها، و جعلته في مقدمة المخرجيين السينمائيين في العالم. هو فيلم أوديسة الفضاء. هذا الفيلم الذي كتب فيه ومازال الكثير من المقالات والاراء النقدية. أوديسة الفضاء، فيلم خيال علمي من إنتاج أمريكي - بريطاني عام 1968؛ أنتجه وأخرجه ستانلي كوبريك. كتب السيناريو"كوبريك"وآرثر سي كلارك،

وقد استوحيت قصة الفيلم جزئياً من قصة كلارك القصيرة"الحارس". كتب كلارك القصة بالتزامن مع الرواية 2001: أوديسة الفضاء التي صدرت بعد فترة وجيزة من صدور الفيلم. تتناول القصة سلسلة من اللقاءات بين البشر وأجسام غامضة سوداء والتي على ما يبدو أثرت في تطور الإنسان، أرسلت رحلة فضاء إلى كوكب المشتري لتتبع إشارة منبعثة من إحدى هذه الكتل الموجودة على القمر. أدى كل من كير دوليا وغاري لوكوود دور رائدي فضاء في هذه الرحلة، بينما أدى دوغلاس رين صوت الكمبيوتر"HAL 9000"الذي يسيطر سيطرة كاملة على سفينة الفضاء. يوصف الفيلم بالفيلم الملحمي بسبب مدته والموضوع الذي تناوله. أنتجت الفيلم ووزعته استديوهات مترو غولدوين ماير الأمريكية، تم إنتاج الفيلم بالكامل في بريطانيا باستخدام مرافق استديوهات شركة MGMالبريطانية. وفي استديوهات شيبيرتون، نظراً لتوفر إمكانيات صوتية أفضل من تلك المتوفرة في الولايات المتحدة. كما شارك في إنتاجه كوبريك. • ناجح حسن - حمل العديد من أفلام السينما العالمية تواريخ مستقبلية في عناوينها تناقش فيها موضوعات الخيال العلمي في إطار يسعى إلى الاقتراب من حقائق مكتشفة حديثاً وتحكي عن خفايا الغد القادم...... وفيه يلمس المشاهد حجم تلك الجودة والاندفاعة الجريئة التي استخدم فيها مخرجه سينما الفضاء كاطار ملائم في اطلاق صرخة تحذيرية تلعب على الخوف من المستقبل تارة وتمسك بالواقع وأخطائه وانحرافاته وهوسه المحموم بالاكتشاف العلمي ومنجزاته الخارقة على حساب المفاهيم الانسانية التي تحكم علاقات البشر فيما بينهم تارة اخرى. «2001: اوديسا الفضاء"يشهد احداثه عن قصة «الحارس» لارثر سي كلارك يحكي في قالب من الصورة المخضبة بانواع من الموسيقى العالمية القادمة من موروث القامات الرفيعة مثل: ريتشارد شتراوس، ويوهن شتراوس آرام خاتشوديان، وسواهم، بحيث وصفه البعض بأنه سيمفونية خيالية تتسم بالرؤية المستقبلية عن واقع قائم تختار فيه البشرية في معالجة قضايا انسانية ومفهوم قدرتهم على البقاء والتطور، ومحاولات الانسان الجبارة في السيطرة والتحكم بالكون في شكل مغاير لمضامين تلك الافلام، التي دارت في عوالم الفضاء المستقبلية انه عمل مبهر باسلوبيته الفنية المدهشة التي مضى عليها ما يزيد عن (37) عاما (العمل انتاج العام 1968) في اتون الصراع والتنافس على ارتياد الفضاء بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي آنذاك. يمضي وقت ليس بالقليل من أحداث الفيلم ودون ان تكون هناك جملة حوار واحدة فالمخرج كوبريك والذي اختار انكلترا مكانا لاقامته وللعمل شاء ان يقسم فيلمه الذي تزيد مدة عرضه عن الساعتين إلى ثلاثة أجزاء متصلة ولكن تحت عناوين فضفاضة الاولى هي «فجر الانسان"بحيث يميل فيها المشاهد الى العصور الاولى وارض يباب لا يرتع فيها سوى القرود والحيوانات المفترسة على انقاض من العظام لحيوانات اخرى، نرى فيها محاولات تلك الحيوانات في البقاء على نحو يثير الفزع وهي تستخدم العظام كوسيلة قتالية وتطاحن في لحظات الغضب، وعلى نحو مفاجئ ينتقل الفيلم رأسا الى العصر الحالي من خلال سفينة فضائية تشق طريقها في الكون، مثل هذه القفزة الشاسعة بين زمنين وفرق التقنيات يشير أيضا إلى أنماط من السلوك الانساني مقارنة عما هو عليه السلوك الحيواني في الطبيعة البكر. يتوقف الفيلم مطولا بين العلاقات التي تدور بين طاقم السفينة الفضائية وجهاز الكمبيوتر الذي يبدو هنا كقاتل خال من الاحاسيس والمشاعر في قصة بحثه الدؤوب عن فتح عقلي جديد بينما الاحداث تفيض سخرية والما ودعابة سوداء. كما في لقطات المضيفة وهي تدور في حلقة مفرغة داخل السفينة او لدى استعمال المرافق الحيوية بفعل انعدام الجاذبية، وهناك ايضا تلك الاطلالة لمذيع «البي. بي.سي"لقراءة نشرة الاخبار المتلفزة. لا يهتم المخرج كوبريك بخلاف غيره من مخرجي الافلام الشبيهة بمشاهد الدمار والقتل وتحطم السفن الفضائية والاصطدام مع الكويكبات او الطائرات او بتلك الصخور السابحة في مجاهل الكون بل يبدو شديد الاعتناء في موضوعه الاساسي القائم على تحديات العلم وتقنياته الحديثة امام رؤية فكرية نضرة تحذر من تغييب الانسان العادي ورحلة تأمله بالحياة وتفاعله معها بدلا من تكبيله بالوان من التكنولوجيا الكمبيوترية المعاصرة. يحسب للفيلم تلك الاستخدامات والتوظيف المتين لشريط الصوت والموسيقى الذي يقف جنبا الى حنب مع الملحميات السينمائية بالاهتمام الكافي باستعمال ادواته السينمائية من تصوير، واخراج، ومونتاج وتوظيف الديكورات المستقبلية المبهرة بكل دقائقها وابعادها التي تتلاءم مع مضمون العمل، كما كانت الموسيقى عنصرا مهما ومناسبا وقريبا من اجواء الخيال العلمي ومنحت موسيقى فالس الدانوب الازرق لشتراوس في مصاحبتها للمركبة الفضائية أبعادا اضافية من الجماليات والرؤى الفلسفية العميقة وهو استخدام موفق لفيلم عن تلك القدرات اللامحدودة في مستقبل العقل البشري واختراعاته الطافحة على حساب عواطفه وانسانيته في هذا الكون. *** في الثلث الاخير من رائعة كوبريك اوديسيا الفضاء 2001 يبدو رائد الفضاء فيما يشبه غرفة بتصميم يعود الى العصر الجورجي او بشكل أدق ما بعد عصر النهضة تلك النزعة نحو الاستيطان و التوسع ثم الموت و التحول الى جنين يسبح في الفضاء رحلة طويلة من القرد البدائي الى الجنين العاجز مرة اخرى، اجدها في باري لندون اكثر وضوحا من خلال شخصية البطل انكسار بفقدان الحبيبة ثم تنامي علاقاته و دخوله في مغامرات جديدة و محاولته للصعود و الترقي ثم العودة الى نقطة الصفر مجددا بخفي حنين و هنا ابدية الصراع الشهواني للانسان نحو السلطة و المال و الجنس التي تمثل احدى الحلقات الهامة في مسيرة باري لندون، الى كفاح باستماتة للوصول الى العظمة لكن الاهم اننا لا يمكن أن نتزحزح عن حتمية المصير، اجد كوبريك ممن قيل عن إلحادهم السينمائي الكثير لكنك تجده هنا اشد المؤمنين بحتمية الفناء وتساوي البشر في القبور وحتمية العجز الإنساني أمام الأسرار العليا للكون.

عن مجلة السيما المعاصرة / القاهرة