المؤرخ عبدالرزاق الحسني.. ذكريات 56 سنة من عمره

المؤرخ عبدالرزاق الحسني.. ذكريات 56 سنة من عمره

رشيد الرماحي
استعاد كبير مؤرخي تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي السيد عبد الرزاق الحسني ذكريات ست وخمسين سنة من عمره، المديد وهو يطل على الثمانين الان، راقدا في فراشه منذ عشرة اشهر بعد ان تعرض لحادث دعس توقفت على اثره يده اليسرى عن العمل فيما ظلت ساقه اليسرى ملفوفة بالجبس وهي عاطلة عن الحركة تماماً..

سنوات حافلة
*لقد كانت حصيلة الست والخمسين سنة من حياة الحسني اصدار اكثر من ثلاثين كتابا تجاوزت باجزائها، الثمانمئة، اشهرها (تاريخ الوزارات العراقية) بطبعته الخامسة المنقحة في عشرة اجزاء، ولكنه وهو على فراش المرض انجز كتابه الجديد (تاريخ الاحزاب العراقية منذ عام 1908 حتى ثورة 14 تموز عام 1958).
واذا كان المرض يعطل طاقات البعض من الناس، فأن الحسني كما قال لي استمد من مرضه قوة استثنائية دفعته للمزيد من العطاء ما دام قلمه لم يجف بعد ومواهبه لم تتوقف، وطموحه لم يتحقق حتى الان:
*لقد كرمُ الحسني وهو في محنته ومرضه حيث أرسل لاستكمال علاجه في بلغاريا.
*ولعل السؤال الذي يطرح نفسه من اين نبدأ مع الحسني؟
لقد اختار هو فترة مرضه بداية للحوار والتحاور وهو يقول:
-ان حادث الدعس الذي تعرضت له في 10 ايلول عام 1978 استقبلته بهدوء، وأنا اردد الآية الكريمة (وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله اعلم وانتم لاتعلمون)..
وخلال هذه الفترة لم افارق الكتاب والكتابة بالرغم من ان يدي اليسرى معطلة وساقي مجبرة، ولما ذهبت الى بلغاريا لأعالج في مستشفياتها كان احد الاطباء الكبار يراجعني بين حين وآخر لمعرفة سير المرض وعادة كان يأتي معه مساعدوه من الاطباء والممرضات فالتفت ذات يوم اليهم قائلاً: (لاتسموني (بروفسور)، انظروا الى هذا الشيخ، فهو البروفيسور له هنا اكثر من اربعين يوما لم ادخل عليه مرة الا ووجدت القلم والورقة والنظارة فوق عينيه وهو يكتب). اما المدة التي قضيتها في مستشفى الطوارئ وقد تجاوزت الاربعة اشهر فكانت كتبي تحيط بي احاطة السوار بالمعصم وهكذا هو الحال في بيتي الان، لم افارق الكتابة لحظة واحدة لقد انجزت تبييض كتابي الجديد (تاريخ الاحزاب العراقية منذ عام 1908 حتى ثورة 14 تموز عام 1958). وقد حققت في كتبي انجازات عظيمة ومكاسب كثيرة لصالح المواطنين فقد اضفت الى الكتابة بحثاً مفصلاً مطولاً عنه وان كان في سنيه الاولى حزبا سريا، وكتابي لا يتناول الاحزاب السرية وهو جاهز الان للطبع فاذا من الله علي بالشفاء فسأطبعه هذا الصيف، والا فمتروك امره..! هذا من جهة، ومن جهة اخرى فقد صدرت خلال هذه الفترة الطبعة الخامسة من كتابي (تاريخ الوزارات العراقية) المطبوع في مطابع لبنان باجزائه العشرة، ولكن بعد الطبع عثرت على وثائق جديدة في غاية الاهمية كتب عنها بعض المؤرخين ونشرت (آفاق عربية) قسما منها، وهذا مما جعلني اعد العدة لطبعه من جديد.

مرشح المعارضة وراء تاريخ الوزارات!
*والتقطت السؤال...على ذكرنا تاريخ الوزارات متى فكرت به، وبتدوين الاحداث التي مرت بالعراق منذ تلك الفترة؟
-في البدء لا ادري ما سر اهتمامي بالتاريخ الذي يتناول الحدث بالسنة الهجرية والميلادية بما فيها الشهر واليوم وربما الساعة لكنني اتذكر ان (تاريخ الوزارات العراقية) شرعت في كتابته سنة 1925 او عام 1926 على وجه التحديد، يومها كان رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون، الذي قرر ان ينتخب مجلس النواب حكمت سليمان رئيسا له، وكانت في المجلس معارضة قررت ترشيح رشيد عالي الكيلاني ففاز مرشح المعارضة على مرشح الحكومة، وكان على الوزارة ان تستقيل لأنها خذلت من قبل المجلس، فاستهوتني هذه الحكاية وما رافقها من ملابسات حيث قررت البدء بكتابة (تاريخ الوزارات العراقية منذ ذلك اليوم حتى الان).
*ولكنك توقفت عند قيام ثورة 14 تموز عام 1958؟
-هذا صحيح، فقد نشرت كل ما يتعلق بالعهد الملكي الزائل وما رافق ذلك من اسرار وما تبقى عندي هو قيد الدرس والتشذيب واذا امد الله في عمري وتغلبت على مرضي فلابد من ان يرى النور ما امتلكه حتماً! برغم كل ما يقال تظل كتبي هي الاساس، وبالتالي فأنها ليست عادية، معظمها او كلها اصبحت مصادر تخص العراق قديما وحديثا وعلى هذا الاساس فأنها ليست كبقية الكتب التي تتداولها الايدي او متيسر وجودها في المكتبات، وما تزال بعض الدوائر تحتاج للبعض منها فيأتون الى بيتي ليأخذوا ما يحتاجون اليه، وعلى ذكر (تاريخ الوزارات العراقية) باجزائه العشرة وطبعته الجديدة الموسعة والمزيدة. يتناول في واقع حال تاريخ العراق السياسي الحديث خلال اربعين سنة. ويضع بين يدي قارئه اهم المعاهدات والاتفاقات التي عقدتها الوزارات في مختلف الظروف وشتى المناسبات، ويصف الاحداث العامة التي مر بها العراق في بحر السنوات الاربعين المذكورة وصفا دقيقا مؤيدا بالوثائق، ومدعما بالمستندات لايفارق صغيرة او كبيرة الا ذكرها، فهو – والحالة هذه –كتاب كبير الاهمية يؤرخ لفترة مهمة من حياتنا بدأت في 25 تشرين الاول عام 1920 (وهو تاريخ تكون اول وزارة في البلاد) و14 تموز عام 1958 (وهو التاريخ الذي انتهى فيه نظام الحكم الملكي في العراق) قامت خلالها تسع وخمسون وزارة، اشترك فيها مئة وخمسة وسبعون وزيرا بين كهل وشاب، وحدثت خلال حكمهم ثورات موضعية عديدة، وانقلابات عسكرية مختلفة، كما عقد خلالها العديد من المعاهدات السياسية والتجارية والعسكرية الى جانب الكثير من اتفاقات الحدود والثقافة والاقتصاد.

م. الف باء 1978