رفائيل بطي وكتابه عن صحافة العراق

رفائيل بطي وكتابه عن صحافة العراق

عبد الحميد الرشودي
يعد الاستاد المرحوم روفائيل بطي من ابرز رجال الصحافة العراقية بل هو من القلة القليلة من رجالها الذين مهروا في الصحافة صناعة وفكرا فقد نذر نفسه ووقته في خدمتها والاشادة برجال الادب والفكر في العراق الحديث. فقد ترجم للنابهين منهم واخذ بيد الناشئين والشداة يتعهدهم بعنايته ورعايته فيترضى نتاجهم ويقوم اعوجاجهم ويتيح لهم فرص النشر في الصحف

التي نشرها او تلك التي تولى الاشراف عليها وخاصة جريدة (البلاد) وقد برز منهم الكثيرون في حقل الصحافة والادب.

وبقدر ما كان هذا الرجل حريصا على الاشادة بالادباء واهل الفضل فقد عاش ومات منكور الفضل مجحود اليد حتى من اولئك الذين مهد لهم سبيل الشهرة بوأهم الدرجات الرفيعة في عالم الصحافة والادب فكان نصيبه نصيب ابن النديم الذي عني بالمؤلفين والمصنفين وعرف بهم وباثارهم لكنه عندما توفي (385) لم يجد من يعنى به او يذكر جهوده وسابقته في تدوين اثار العلماء والادباء والنحاة واللغويين والفقهاء والمحدثين والمفسرين وطبقاتهم وكتبهم واخبارهم.
ولقد استبشرت خيرا بصدور هذا الكتاب الذي يمثل الحلقة الاولى من سلسلة (مكتبة رفائيل بطي) التي عقد نجله الكريم سامي بطي العزم على اصدارها تباعا براً بوالده وخدمة للصحافة والادب وبينما كنت اهم بتقديم التهنئة له وابارك سعيه اذا بي افاجأ بنعيه فيا له من عرس صار الى مأتم ! فانظر الى نكد حظ هذا الرجل وسوء طالعه! فرحم الله رفائيل بطي ورحم انجاله: بديع وكمال وسامي الذين تخرمهم الموت تباعا وهم في ميعة الصبا ورأد الشباب وقيض له من ابنائه (واقصد الدكتور فائق بطي) في الصحافة والادب من يتعهد اثاره القلمية بالدراسة والنشر فهي كنز دفين من كنوز الادب وخاصة تلك التراجم الدقيقة لرجال العراق الحديث من ادباء وشعراء وصحافيين وساسة وقادة كما امل ان يكون لرفائي بطي نصيب موفور بين رجال الادب والفكر الذين عقدت وزارة الثقافة والاعلام العزم على احياء ذكراهم ونشر اثارهم وما ذلك على همة رجالها بعزيز.
يذكرنا هذا الكتاب بكتاب للمؤلف ضم محاضراته التي القاها على طلبة معهد الدراسات الادبية واللغوية والذي تولى نشره المعهد في القاهرة سنة 1955 فموضوعات الكتابين متشابهة بل ربما كان بعضها مكرراً في الكتابين.
استهل المرحوم سامي بطي الكتاب بكلمة شرح فيها مشروع سلسلة (مكتبة رفائيل بطي) ثم تليها مقدمة للدكتور عناد اسماعيل الكبيسي (من اساتذة كلية الاداب – الجامعة المستنصرية) وبعدهما كلمة لنجل المؤلف الدكتور فائق بطي، والحقيقة ان هذه الكلمة مستلة من الفصل الذي كتبه في التعريف بوالده في كتابه : (اعلام في صحافة العراق، ص 85 – 101 بغداد 1971).
ولنا على كلمة الدكتور فائق بطي بعض الملاحظات نوردها خدمة للحقيقة لا من باب (التربص المهلك) او الترصد لاقتناص الهفوات والعثرات):
1- قال في ص18: «وبقى يشتغل بصورة غير ظاهرة في الصحافة حتى عام 1929 حيث وصل الى منصب مدير الداخلية العام ثم فصل بسبب القائه خطابا وطنيا حماسيا عن الزعيم المصري الراحل سعد زغلول في حفلة التأبين الاربعينية في بغداد».
ومما يلاحظ على هذا:
أ- ان الحفلة التأبينية المذكورة اقيمت سنة 1927 وهي السنة التي توفي فيها زعيم حزب الوفد سعد زغلول لا سنة 1929.
ب- ان وظيفة رفائيل بطي التي فصل منها يومئذ كانت بعنوان (ملاحظ ديوان الرسائل) في وزارة الداخلية.
ج- ان خطبة رفائيل بطي نشرت في جريدة (الزمان) لصاحبها ابراهيم صالح شكر في عددها المرقم (21) الصادر في تشرين الاول سنة 1927.
د- لقد قام المرحوم خلف شوقي امين الداودي، من صحافيي الجيل الماضي وادبائه، يجمع تلك الخطب والقصائد والمراثي في كتاب اختار له عنوان : «ذكرى سعد زغلول في العراق» وقد طبع في مطبعة دار السلام ببغداد سنة 1927.
2- وقال الدكتور فائق في ص 18: «حتى سماه الريحاني في كتابه (ملوك العرب) بابن خلكان العراق».
قلت ان امين الريحاني قد خلع هذا النعت على رفائيل بطي في كلمة القاها في حفلة ادباء العراق لتكريم الريحاني والتي اقيمت عصر يوم الجمعة 27/ ايلول 1922 في اوتيل عبد الاحد قال الريحاني «وقد تمثلت ابن خلكان حينما سمعت رفائيل بطي يصف لنا الادباء بوصف فيه الايجاز والافادة».
وقد نشرت هذه الكلمة في كتاب: (امين الرحاني في العراق) الذي قام يجمعه رفائيل بطي وقد طبع بمطبعة دار السلام بغداد 1923.
اما في كتابه (ملوك العرب) الذي نشره في سنة 1924 فقد وصف رفائيل بطي بقوله: «هو ذا دائرة معارف ادباء العراق وابن خلكانهم، صديقهم الاكبر، حامل لوائهم، وناشر اثارهم رفائيل بطي...» (راجع ملوك العرب 2/416).
3- وقال في ص 15:»ومن تواقيعه المستعارة خالد» قلت ان المعروف والمتواتر هو (أ. خالد) نعم! لقدوقفنا على مقالة بعنوان (ادباؤنا وادابنا) منشورة في جريدة الامل (العدد 47 الصادر في 25 تشرين الثاني 1923) بتوقيع (خالد) الا ا الذين يعرف العلاقة الحميمة بين رفائيل بطي وبراهيم صالح شكر يستبعد ان تكون هذه المقالة له فقد جاء فيها قوله في ابراهيم صالح شكر «اكويتب لا يميز المنصوب من المرفوع يتسامى الى مساجلة الزهاوي، اصحافي طفيلي يحيا حياته الادبية متطفلا على فضلات جبران وولي الدين يكن والريحاني وانطوان الجميل وعلي ناصر الدين يشهر فلمه الكسير في وجه الرصافي».
4- وقال في ص17: «وانشأ مع صديق له مجلة الحرية» قلت ان ذلك الصديق هو «عبد الجليل رزق الله اوفي) الذي اتفق على كتاب روفائيل بطي (امين الريحاني في العراق) واني لا ارى مبررا على غلاف مجلة الحرية!.
5- وجاء في ص 20 قوله: «وفي اذار 1932 اعتقل ثانية ونفي مع فهمي المدرس الى كويسنجق لمدة ستة اشهر على اثر نشر المقال الخاص حول الحكم القائم».

قلت ان عبارة الكاتب توهم بان كاتب المقال هو رفائيل بطي والحقيقة التي لا مراء فيها ان كاتبه هو فهمي المدرس ومسؤولية رفائيل بطي متأتية من كونه المدير المسؤول لجريدة البلاد.
6- وجاء في ص30 ان جريدة الزوراء التي انشأها الوالي مدحة باشا صدرت سنة 1896 وهذا من اوهام الطبع صوابه 1869.
7- كما جاء ص31 اسم كتاب (روحة الزوراء) وهو من اوهام الطبع صوابه وتمامه (دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء) وهو من تأليف رسول حاوي الكركوكلي وترجمة موسى كاظم نورس طبع في بيروت سنة 1963.
8- وجاء في ص 34 قول احمد عزة الفاروقي في تهنئة اخيه علي رضا:
مترجم زوراء المكارم والفخر
اتاه الشتاء لمن يدبر ولا يدري
ولعل صوابه:
مترجم زوراء المكارم والفخر
اتاه الثنا ممن حيث يدري ولا يدري
وقد تولى على رضا تحرير القسم العربي من جريدة الزوراء خلفا لاخيه احمد عزة الفاروقي وهما ابنا محمد اخي الشاعر عبد الباقي العمري ولما عزل علي عين بدلا منه احمد عبد الحميد الشاوي وقد ذكر السيد محمود شكري الالوسي في المسلك الاذفر ص 294 من تحقيق الدكتور عبد الله الجبوري: «ووقع بينهما منافرة كلية وبغضاء مع ما كان عليه الفاروقي من الحسد لاسيما لاههل الادب حتى استوجب ان يهجوه احمد بك بقوله:
يا علي الرضا ولست رضيا
لا ولا مرتضى ولست رضيا
9- وجاء في ص35 قول المؤلف: «فقد كتب عالم عراقي كبير فصلا عن صحافة بغداد في مجلة لبنانية سنة 1911» قلت: اما العالم العراقي الكبير فهو الاب انستاس ماري الكرملي واما المجلة اللبنانية فهي مجلة (المسرة) لاصحابها (الاباء البولسيون) – حريصا – لبنان – وقد صدر عددها الاول في 1/ حزيران 1910.
10- وجاء في ص35 قوله: «وتاريخ جريدة الموصل في العهد العثماني غامض».
قلت:
أ- جاء في كتاب الصحافة العربية للفيكو فليب طرازي: انها (جريدة عربية) صدرت سنة 1885.
ب- وجاء في كشاف الجرائد والمجلات العراقية لزاهدة ابراهيم: انها توجد في مكتبة مصطفى العمري ووريثه (نجله) موفق العمري.
11- وجاء في ص 36 قوله: وزعم زميل لنا مخضرم في محاضره له...».
قلت ان هذا الزميل المخضرم الذي عناه هو رزوق عيسى وهو من اوائل من ارخوا للصحافة العراقية وقد نشر حلقات من دراسته في مجلة الحرية (سنة 1925).
12- وجاء في ص37 قوله: «وتولى احد وجهاء البصرة جريدة (الاوقات البصرية) بطريقة الالتزام.
قلت: وجدت في كتاب الصحافة العراقية للاستاذ السيد عبد الرزاق الحسني ص 74: «ان السلطات المحتلة في البصرة اوعزت الى (سليمان بك الزهير) احد سراة البصرة ان ينشيء جريدة باسمه لهذا الغرض فصدرت جريدة الاوقات البصرية (Basra Times) في اول عام 1915 باربع صفحات».
13- وجاء في ص62: «وكان يحرر الاوقات البصرية كاتب مصري هو الاستاذ غطا عون».
قلت هو (عطا عوم) وقد صحب الحملة البريطانية على العراق ابان الحرب العالمية الاولى مع من صحبها من المترجمين والمدنيين المصريين الذين اثر بعضهم الاقامة في العراق وقد عين عطا عوم محرراً لمجلة الزنبقة التي اصدرها عبد الاحد حبوش سنة 1922 كما انه حرر القسم الانكليزي من جريدة (بريد العراق) سنة 1929 وغيرها من صحف تلك الحقبة وقد عاد بعد ذلك قافلا الى مصر.
وكذلك ورد اسم عطا عوم مصحفاً على عون في الفصل الذي كتبه «الدكتور خليل ابراهيم بعنوان (الصحافة العراقية) المنشور في كتاب حضارة العراق 13/214.
14- وذكر في ص 75 ان وفاة المرحوم الاستاذ عبد اللطيف الفلاحي كانت سنة 1927.
قلت: ان وفاة عبد اللطيف الفلاحي كانت سنة 1928 ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي وقد رثاه جميل صدقي الزهاوي بقصيدة تحمل تاريخ 26 تشرين الاول 1928 وقد اختيرت بعض ابياتها وكتبت على شاهد قبره منها:
لهفي على الجسر الموسد
في الثرى عبد اللطيف
لهفي على ذاك اللسان الر
طب والقلب الرؤوف
ما شئت من صدق ومن
حذق ومن رأي حصيف
استاذ تاريخ الشعو
ب وجهد الادب الطريف
(راجع ديون الاوشال للزهاوي ص16).
15- ذكر في ص 55 اسماء جماعة من الكتاب الذين رشحوا للكتابة في جريدة (صدى الاسلام) ومن بينهم السيد محمود الوادي قلت هو والد السادة جميل وشاكر وحامد الوادي الاولان من وزراء العهد الملكي والاخير صاحب مزارع الكروم الشهيرة بعنب الوادي! والسيد محمود الوادي كان من حملة العلم وقد طبع رسالة لابي الثناء الالوسي عنوانها (سفرة الزاد لسفرة الجهاد) في مطبعة دار السلام ببغداد سنة 1233 هـ - 1914م.
16- وجاء في ص99 قوله: «ثم قبض نوري السعيد على الحكم في اذار 1929».
قلت كان تولي نوري السعيد رئاسة الوزارة اولى مرة في 23 اذار 1930 ثم توالت رئاساته حتى بلغت اربع عشرة رئاسة كانت الاخيرة منها قد تألفت في 3/ اذار 1958 واستقالت في 14/ ايار 1958.
17- وجاء في ص 1010 قوله «ولكن جريدة النهضة رغما عن مقارعتها صحيفة صالح شكر في جدل حزبي حيث كان هذا النائب الجريء استغواء سياسي وثق ابراهيم ببعض اقواله».
يبدو ان كلمة (النائب) مصحفة عن (الكاتب) وبها يستقيم المعنى فابراهيم صالح شكر لم ينتخب نائباً يوما ما والصفة الغالبة عليه (الكاتب الجريء).

من اوراق الراحل
عبد الحميد الرشودي