الشيخ المظفر وهاجس الأصلاح الديني

الشيخ المظفر وهاجس الأصلاح الديني

الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
شأن المصلحين في كل زمانٍ و مكان أن يُعفى ذكرهم و تصادر جهودهم ، أو تُختزل من قبل جماعة ما و لغاية ما .
أما الافتخار بهم و بما قاموا به من جهود فلا يستبعد كثيراً .. عالمياً.
أما عربياً .. فبعيدٌ و هم أحياء ، و أقل بعداً و هم أموات .
إذ قد يُكرمون بوضع لوحة تشير إلى شارعٍ فرعي يسمى باسم أحد (المصلحين )

ليطبل بعدها المتحذلقون ـ بذلك الإنجاز ـ و بأنهم قد خدموا الثقافة و العلم و المعرفة خدمة لم يقم بها أحد قبلهم و لن يأتي أحد بعدهم يفعل ذلك !!؟
نعم .. لقد صدق المتحذلقون .. إذ قد فعلوا شيئاً لم يفعله أحد قبلهم ابداً و ذلك حين زاوجوا بين الثقافة و مديرية البلدية .. ببركة الشارع الفرعي !!!
لكن .. و بصراحة .. قد يكون من كُتب شارع فرعي باسمه أكثر حظاً من غيره .. فالتنافس على الشوارع هذه الأيام كثير !!!!؟
رحم الله الشيخ محمد رضا المظفر ، عاش و مات و هو في كلتا الحالتين كان مجهول القدر .. لم يُنصف في حياته ، و لم يُنصف بعد موته ابداً .
إن المنهج الإصلاحي و التجديدي للشيخ محمد رضا المظفر ( قدس سره ) كان له في خارج العراق مكانة و تقدير و استيعاب و فهم أكثر من مكانته في داخل العراق .
و هذا بالضبط هو ما مر به مشروع السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) ايضاً .
في هذا البحث المتواضع سنحاول الوقوف عند الجهود الإصلاحية للشيخ محمد رضا المظفر ( قدس سره ) و بما نستطيع ، و قدر الإمكان ، لما نحن محكومون به من وريقات و وقت و شغل شاغل .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى تأدية حقه ، فهو و بحق صاحب فضل على كل طالب حوزة ، و على كل طالب علوم دينية ، ما دام الكل يدرس كتبه و يطالع مؤلفاته .

الإصلاح .. دعوى .. أم ضرورة ؟
الإصلاح : اشتقاق من الفعل ( ص ل ح ) , و الذي يقابل المعنى المضاد لـ( فسد ) , كما و إن كل المعاني التي وردت في القران الكريم لمفهوم ( الإصلاح ) تقابل معنى ( الإفساد ) .
فالإصلاح هو التقويم لما أعوج , و التصحيح لما أُخطئ فيه , و ايضاً يحمل معنى التوجيه و الإرشاد .
و الإصلاح هو وضع الأسس الصحيحة , و العلاج الناجع لأخطاء ظهرت في المجتمع و ذلك لأجل السيطرة عليها و من ثم إصلاحها من أجل بناء مجتمع صالح .
أن الإصلاح و بمعناه العام يتضمن عمليتين قد تجتمعان و قد تفترقان و هما :
1ـ العمل من أجل الإصلاح .
2ـ العمل من أجل رفع الفساد و منع الإفساد .
فـ( الإصلاح ) يكون في المواطن التي غيرت معالمها يد الإفساد مادياً و معنوياً , من أجل إرجاع كلٍ إلى طبيعته , يشترط في من يقوم بعملية ( الإصلاح ) أن يكون متصفاً بالصلاح حقيقة و واقعاً ، لا إدعاءً و تجوزاً .
الإصلاح تارة يتم ضمن دوائر ضيقة , و تارة ضمن دوائر واسعة , و كلما كان نطاق الإصلاح أوسع و أشمل كانت عملية الإصلاح أصعب و تحدياتها أكبر و أعظم يحتاج إلى توكل و تسديد و توفيق , و لعل قوله تعالى على لسان نبي الله شعيب ( ع ) فيه إشارة إلى هذا المعنى :
قال تعالى : (( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )) سورة هود ، الآية (88 ) .
من المعلوم إن الدعوة الإصلاحية الاساس ؛ هي دعوة الأنبياء و المرسلين ( ع ) و التي ختمت بالرسالة المحمدية الأصيلة , التي جعلت من كل مسلم داعية للإصلاح في حدود الممكن و المستطاع , و وفق الضوابط الشرعية الصحيحة و تحت مسمى شرعي إلا و هو: ( الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) .
إن سعة و شمولية الدائرة الإصلاحية للرسول الأكرم ( ص ) الإصلاحية هي خير دليل على أفضليته على سائر الأنبياء ( ع ) .
قال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) سورة سبأ ، الآية (28) .
أن الفكر الإصلاحي الذي هو أساس الإصلاح يراد به : ( جملة الأفكار و التصورات و المفاهيم و النظريات التي تشكل البناء المنظم للمعرفة الإصلاحية و التي هي نتاج لما هو مفكر فيه بمنطق عقلي بشري ضمن ظرفيات مكانية و زمانية محددة ) .
و لا بد من الإشارة إلى أن تعريف ( الإصلاح ) في الفكر العربي يختلف عما هو في الفكر الغربي و بالخصوص الإطلاق الحديث منه . إذ كان هناك لغط و عدم فهم ، و آخذ و رد حول المراد بـ(الإصلاح ) .
إن الفكر العربي يتمسك بالمعنى الأصلي و القديم و الوحيد للإصلاح . أما الفكر الغربي فينقسم في فهمه إلى قسمين ؛ أحدهما يُعرف الإصلاح بما يشابه التعريف في التراث العربي . و الآخر يرى الإصلاح انقلاب جذري , بل تحول كلي من حالة إلى أخرى مختلفة عنها و غير مشابهة لها أصلاً .

هاجس .. و تطلع
كان الهاجس ( المناهجي ) يؤرق الشيخ محمد رضا المظفر ( قدس سره ) ، إذ كانت كتب حوزوية كثيرة من أمثال ( الحاشية ) و ( الشمسية ) و ( كفاية الأصول ) غزيرة الحواشي ، صعبة المطالب ، تذهب بالطالب يميناً و شمالاً ، حواشيها و شروحها أكثر صعوبة من متونها ـ في مجمل الأحيان ـ ، و الفائدة منها قليلة مقارنة بما يقرأ من أجلها كماً .
فكان ان عزم ( قدس سره ) على تقليل الهوة ، و السعي إلى وضع كتب تعتمد منهجية جديدة و مفيدة ، تعطي فائدة أكبر ، سهلة القراءة ، سهلة الحفظ ، يسيرة التناول .
فكان و بحق ان ظهر الإبداع ( المناهجي ) على يده ( قدس سره ) في أروع صوره ، تجلى ذلك و بحق في رائعتيه ( الأصول ) و ( المنطق ) .
ان لكل كتاب من هذين الكتابين ميزاته التي جعلت منه منهجاً حوزوياً لا يستغنى عنه في كل الحوزات الشيعية قاطبة .
و لا يعني ذلك أن نغفل حق كتاب ( عقائد الإمامية ) أو كتاب ( الفلسفة الإسلامية ) و لا حتى كتاب ( السقيفة ) أي حق من الحقوق .