الزانية  لكويلو.. صخب الجسد وصراع العقل والقلب

الزانية لكويلو.. صخب الجسد وصراع العقل والقلب

هيثم حسين
صخب العالم الحديث، صراع العقل والقلب، الفخاخ التي ينصبها الملل للإنسان ويوقعه فيها، سُلطة الرتابة ووهم الرقابة، ألاعيب السياسة وأروقة الصحافة، الحبّ، السعادة، الشغف، الجنس، العدالة، الشقاء، وغيرها من المواضيع يشتغل عليها البرازيلي باولو كويلو في روايته"الزانية"التي نشرتها في العام 2014 شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ببيروت بترجمة رنا الصيفي.

ينبّه كويلو إلى ضرورة عدم الارتكان لسطوة العادة التي تُفقد الأشياء والأفعال جمالياتها ومتعتها، وتوقعها في عالم من الرتابة والقهر، وتزيد من حجم المأساة أو تختلق المآسي. كما ينذر من خطورة الانشغال عن الشريك، وفقدان الرومانسية المفترضة وترك الحياة الزوجية نهباً لوساوس شيطانية مدمرة، وأفعال غبية تتسبب بزرع الفتور والشقاق بين الأزواج.

يستعرض كويلو مخاطر الحب من طرف واحد، وخطورة الانسياق وراء الرغبة الجنسية وإطلاق العنان لها لتتحكم بسير حياة المرء، وتقوده في مسالك غير محمودة. ويصور كذلك سطوة الغريزة وجنونها، وقوة الخيال ومجونه، ومقدرة الاعتراف اللامحدودة على إعادة الصفاء بين الناس، وتجسير الفجوات التي يخلفها الزمن، وتمنع وحش النزوة من الخروج من قمقمه.
روح ضالة
بطلة الرواية ليندا صحافية سويسرية مرموقة في الثلاثين من عمرها، أم لولدين وزوجة لرجل أعمال بارز، تشعر أن حياتها بائسة، برغم أنه لا ينقصها شيء، فتقع في فخ الرتابة، يتعبها الروتين اليومي، تتغير حياتها إثر إجرائها لقاء مع أحد الأدباء، يخبرها عن الشغف الذي يفترض بالمرء أن يستعين به لبث التغيير في حياته. تقول لنفسها"مع أن العقل يقول إن كل شيء بخير، فالروح ضالّة، مرتبكة، لا تدري لمَ الحياة مجحفة بحقها".
تلتقي ليندا حبيبها السابق، تبحث فيه عن الفتى في مراهقته، ويريد هو المرأة الجذابة والجريئة التي ذهبت إلى إجراء مقابلة معه قبل الانتخابات.
"الروائي يصور في"الزانية"سطوة الغريزة وجنونها، وقوة الخيال ومجونه، ومقدرة الاعتراف اللامحدودة على إعادة الصفاء بين الناس، وتجسير الفجوات التي يخلفها الزمن، وتمنع وحش النزوة من الخروج من قمقمه"
جاكوب الذي أصبح سياسياً بارزاً يغير حياة ليندا رأساً على عقب، تجد نفسها مدفوعة بقوى تتحكم بها، وتقودها في دروب لم تكن لترتضيها لنفسها في الأحوال العادية، تراها تبادله القبلات والمداعبات في مكتبه في اللقاء الأول، ثمّ تقع فريسة رغباتها المجنونة في ممارسة الجنس معه، ثم تجتاحها مشاعر الغيرة القاتلة من زوجته ماريان وهي أستاذة جامعية ناجحة، وتسعى للإيقاع بها وتعكير علاقتهما الزوجية.
تبحث ليندا عن السعادة المفقودة في حياتها، تنبش في ركام الذكريات دافعة نفسها إلى شراك علاقة مؤقتة قد تؤثّر على حياتها الأسرية وعلى سمعتها وعملها، وبرغم ذلك لا تتوانى عن مقامرتها، تصل لدرجة تستعين بالمخدرات في محاولة منها لإيذاء ماريان وإزاحتها عن طريقها، لتستطيع التمتع برفقة جاكوب، بعيداً عن الرقابة والأضواء، وتروي نزوتها النارية واشتهاءها المستعر إليه.
بعد اللقاء مع جاكوب وممارسة الجنس معه، تسعى ليندا إلى إعادة التوازن إلى شخصيتها، تصارح زوجها برغبتها في تغيير روتين حياتها وإضفاء لمسات تمنحها معاني جديدة تخرجها من قالب التكرار الذي بات ممجوجاً بالنسبة إليها.
تعود إلى أسرتها بعد أن تسترق بعض المتع المحرمة، تعتذر وتقرّر البدء من جديد، وذلك بعد أن تتخلص من أزمتها، وتبدد تلك الغريزة المتفجرة بالتواصل مع عشيق سابق، وتدرك أنها كانت وهي تزني تنسف بنيان أسرتها، وبالتالي تمهد لتدميرها في سبيل إرضاء تلك النزوة، والتسبب في تشريد أطفالها.
تشير إحدى الشخصيات إلى أنه في شأن الزنى لا ينفع التأمل كثيراً أو لا ينفع البتّة. وأنه إذا قرر أحدهم، لأي سبب، البحث عن شريك آخر، فلا يعني هذا بالضرورة أن علاقة الثنائي لا تجري على ما يرام، بل الأمر يتعلق بالضجر والافتقار إلى الشغف وقلة التحديات أكثر مما يتعلق بالجنس.
استفزاز العنوان
لعل عنوان الرواية لا يخلو من استفزازية جلية، وإن كانت ترجمته"الزنى"، إلا أن اختيار"الزانية"للعربية يرد كنقطة جذب تستحضر العلاقة الجنسية المحرمة، وتشير إلى نفور من الشخصية المقبلة على هذه الفعلة، وإظهارها بمظهر المتجاوزة للحدود الدينية والاجتماعية والأخلاقيات والقيم، وتسبّبها بالفساد، وفي أحيان كثيرة زرع الضغائن والأحقاد في الأسر والمجتمعات.
تتبدى"الزانية"مزيجاً من روايات كويلو السابقة، وبخاصة"إحدى عشرة دقيقة"، و"بريدا"في مسألة البحث عن سبل لإرواء الشهوة الجامحة، وترويض الجسد انطلاقاً من البحث عن منافذ غرائبية لتفريغ النزوات المقموعة.
وكذلك يذكر برواية"الخيميائي"في بحث المرء عن سعادته المنشودة، وإصراره على اقتفاء أثر حلمه، وأسطورته الشخصية، تلك المتمثلة بالكنز الدفين في مكان قريب، والذي يضطر المرء لقطع مسافة طويلة للعودة واكتشاف مخبأ الكنز، وسعادته المقرونة به.
يختار كويلو خاتمة فيها من النصح والوعظ والإرشاد الشيء الكثير، وهو يذكر في أسلوبه ببعض كتابات الراحل جبران خليل جبران، سواء من حيث اللغة الشعرية، أو من حيث النصح اللطيف، وتحديداً في كتاب"النبي"لجبران وحديثه عن المحبة والسعادة والعدالة والشغف، وغيرها من الأمور التي ترسم دائرة حياة الإنسان، وتتكامل فيما بينها لتلوين لوحة الحياة وتزيينها.