العصر الذهبي لأدب الجريمة  .. كريستي بعد الإنجيل وشكسبير في عدد الكتب المباعة

العصر الذهبي لأدب الجريمة .. كريستي بعد الإنجيل وشكسبير في عدد الكتب المباعة

ترجمة / عادل العامل
إذا كان رأي أدموند ويلسون في النيو يوركر عام 1945 أن الرواية البوليسية " أقل من الأدب "، فإن جون ستراتشي كان يرى قبل ذلك بعام، في صحيفة ستَردي ريفيو، أن القراء يعيشون في " العصر الذهبي لأدب التحرّي الانكليزي"، واصفاً الروايات البوليسية بأنها "تحف للتسلية والهرب". وكانت روايات العصر الذهبي الغامضة على درجة عالية من الشعبية

والانتشار بحيث أن الأديب الألماني الكبير بيرتولت بريخت كان يرى أن رواية الجريمة "مثل العالم نفسه، يحكمها الانكليز"!
وتستمر الآراء المتناقضة إلى يومنا هذا. فنجد سجل غينيس للأرقام القياسية يزعم أن كريستي، بنسخها المباعة البالغة أكثر من بليونَي نسخة، هي الثانية بعد الإنجيل وشكسبير في عدد الكتب المباعة. ومع هذا يبقى إدراك أن روايات العصر الذهبي الغامضة لم تكن أكثر من تمارين لطيفة في مجال حل الألغاز، وأغطية مريحة لقراء الطبقة الوسطى المتشوقين للاقتناع بأنه، رغم أن أسيجة البيوت الريفية يمكن أن تُنتهك وخضرة القرية تتلطخ بالدم، فإن مثل هذه التجاوزات تتحراها "الخلايا الرمادية الصغيرة" للتربية السامية وسرعان ما يستعاد الوضع القائم.
ويؤكد مارتن إدواردز، في كتابه ( العصر الذهبي لجريمة القتل THE GOLDEN AGE of MURDER)، أن أفضل كتّاب العصر الذهبي، وبوجهٍ خاص أعضاء نادي التحري، ( أو أدب القصة البوليسية )، Detection Club الذين يعنيهم العنوان الثانوي لهذا الكتاب، "غموض الكتّاب الذين اخترعوا القصة البوليسية الحديثة"، قد تحدوا النمط البدئي وكانوا " مخاطرين استحواذيين " وهم يتصورون مجدداً إمكانات رواية الجريمة. وكما يقول إدواردز، "فإن الموت العنيف هو في قلب الرواية التي تدور حول القتل. لكن كتّاب العصر الذهبي، وقراءهم، لم تكن لديهم الرغبة أو الحاجة للانغماس في الدم ... وغالباً ما يتعرض اللعب بلا دماء في قصص ما بعد النزاع لسخرية معلقين غافلين ينسون أنه بعد كثيرٍ من القتل في ميدان المعركة يكون الناجون بحاجة إلى تغيير".
لقد كتب إدواردز، وهو روائي بوليسي أيضاً حائز على جوائز ومؤرشف لنادي التحري، كتاباً مفصلاً بشكل رائع يخدم أغراضاً عديدة. ويأتي فيه رد الحكمة القائلة بأن أدب الغموض القصصي لهذا العصر الذهبي مبتذل ومكرر، إلى المقدمة، لكن كتاب ( العصر الذهبي لجريمة القتل ) هذا يمثّل أيضاً تاريخاً لنادي التحري، الذي شُكّل في عام 1930 وضم بين أعضائه على مر السنين أغاثا كريستي، دوروثي ل. سَييَرز، ج. ك. ميتشيل، مارجَري ألينهام، جون ديكسون كار، أدموند كريسبين، وكريستيانا براند وكثيرين غيرهم.
ويسرد المؤلف هنا عدداً كبيراً من الحبكات القصصية ويتعامل مع افتتان المؤلفين بجرائم الحياة الواقعية، والطريقة التي عكست بها قصص الغموض في العصر الذهبي اضطراب العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين فصاعداً إلى الحرب العالمية الثانية، مؤكداً بشكل مقنع أن "القول المتكرر بأن روائيي الأدب البوليسي كانوا يتجاهلون الوقائع الاجتماعية والاقتصادية روتينياً هو أسطورة".
ويتّسم بالفتنة ذاتها توثيقه حيوات المؤلفين الخاصة المعذبة على نحوٍ متكرر؛ وينقلب إدواردز نفسه إلى رجل تحرّي وهو يستكشف كيف وجدت طريقها إلى الروايات أمورٌ كالإدمان على الكحول، والأطفال غير المعترف بهم، واللواط المكبوح، والعاطفة غير المتباادلة، وروح النشاط السياسي الراديكالي، والنفور من الذات.
كما أن هناك بعض الاستطرادات الملتبسة، كما هي الحال حين يذكر إدواردز العلاقة بين القصة البوليسية والشعر. وقد ورد ذكر ت. س. أليوت، ديلان توماس، و. هـ. أودن، سيسيل دَي ــ لويس، وصوفي هناه بين أولئك المطروحة أسماؤهم للتفحص كنقاد أو مؤلفين في هذا المجال: "فمن أدغار ألان بو فصاعداً، هناك نسبة عالية من الروائيين البوليسيين كانوا أيضاً شعراء، وهم منجرّون إلى كل نوعٍ منهما بفعل تحدياته البنيوية"، كما يقول أدواردز.

عن / THE IRISH TIMES