حامل الهوى..لاحمد خلف

حامل الهوى..لاحمد خلف

ذيب حماد
(حامل الهوى) اخر اعمال الروائي والقاص احمد خلف، التي يكشف عنوانها متنها، اذا اكملنا صدر البيت (حامل الهوى تعب) أي أن الذي يحمل الافكار، ويبني هواجسه على الحق والعدل، ستكون حياته غربة ومتاعب، مع مجتمع متخلف لا يفهم الا مصالحه الذاتية، وترسيخ جهله.

تتكون الرواية من خمسة فصول، كل فصل قسم على عدة اجزاء متفاوتة الطول، وضعت لها ارقام بدلا من العناوين، في الفصول الاربعة الاولى، الراوي بطل الحكاية، يسرد علينا بضمير المتكلم، لينتهي في الفصل الخامس برواية اخت السارد (زينب) مع اختفاء السارد عن حياة الاخت.
منذ الصفحات الاولى، يبدأ السارد في سرد هواجسه وافكاره المشوشة، التي تظهر لنا انها من تاثير اصابته بشظيه في راسه اثناء اغارة للطائرات الامريكية على بناية كان يوجد فيها، تحدث هذا الخلل في عقله ولكنها لا تلغيه او تقتله.. وقد استخدم المنلوغ الداخلي، من اجل تحقيق تحولات سردية تجعل المتلقي، يلاحق الرواية باحداثها من حيث يتصور انها نهاية الحدث الذي بدأ به في الماضي وانتهى في الحاضر، محاولا جعل الهلوسة المنظمة المنفذ الذي يمرر الكثير من الافكار التي ضجت بها الرواية، مستخدما اساليب سردية متنوعة، يغلب عليها الوصف، فمن السرد والحوار والبناء المشهدي، الى التاملات والمنولوغات الداخلية والاحلام والصراعات التي جعل لمعنى الصمت، معنى كامناً للرفض بمعيار الواقع، كفعل مضاد، فلماذا تصمت ما دام هناك صوت اخر يدينك بغير حق، فجعل الصمت هو الرد التمردي على الغربة والقطيعة بينه وبين الاخر، وهي ترسيخ لحالة الرفض والامتناع ليقينه بلا جدوى المناقشة مع من يريد تدميرك حتى لو حاورته. لان هناك فجوة كبيرة بينك وبينه. ويستمر هذا الموقف السلبي للبطل طيلة الرواية.
بطل الرواية (الراوي) يشترك معه في تصوير الاحداث، صوت اخر، هو صوت اخته زينب التي تنهي الرواية في الفصل الخامس، وقد ظهرت منذ بداية الرواية، كجزء مهم من حياة الراوي، الذي بدأ سرده وحيدا الا منها (من لي بامرئ يعيرني سمعه ويحسن الاصغاء) (الرواية. ص7) لتنهي زينب الرواية بهذه الجملة (لم تكن حتى انت معي، ولا في أي مكان اخر موجودا حقيقة) (الرواية. ص278).
الراوي شخصية عصابية نتيجة شظية اصيب بها جراء القصف الامريكي، ولهذا فان الاختلال العقلي (جسدي) وليس عصابياً (سايكولوجياً) وهي المسالة التي استفاد منها المؤلف ليمرر الكثير من الافكار والاراء من خلال هذه العلة، وقد اراد المؤلف ان يدين الحرب دون ان يدخلها في العملية السردية كفاعل مباشر (الطائرات فعلت مثل هذا ايضا، جاءت وحلقت على ارتفاع، وضربت في طريقها صف المباني، وكنت هناك، لا ادري بعدها ماذا حدث لي، ربما ارتطم راسي بحجر كبير، وربما بعمود حديد) (الرواية. ص23). من خلال هذه العلة. ادان الحرب كما فعل همنغواي في رواية (لمن تقرع الاجراس) حينما جعل بطله فاقدا لرجولته بسبب اصابته في الحرب وترك المتلقي يؤول ماذا تفعل الحرب.
والراوي يكتشف ان ما يربطه في هذا العالم والمكان هي قطعة الارض، ولكنه عندما يذهب ليتاكد منها في مدينة الديوانية، يجدها قد سجلت باسم اخيه اسماعيل، واستند في تسجيلها الى شهادة تثبت انه ميت، فهو ميت في السجلات الرسمية، اما في الواقع، والمشترك في هذه المؤامرة أبن عمه طاهر الذي يريد الزواج من اخته زينب، التي ترفضه كما يرفضه (السارد) ولكنها امام اغراءات طاهر وضغط الاهل لفك الارتباط بينها وبين اخيها (الراوي) ترضخ، لتكون النتيجة ونهاية الرواية دخوله المصح العقلي وزينب تقتل زوجها طاهر وتنتهي الحكاية، هذا هو المتن الحكائي للرواية، اذن كيف عالج احمد خلف هذا المتن الحكائي، وما هي امكانياته لبنائية الحكاية وتحويلها من حكاية الى رواية.
تمكن احمد خلف من بناء رؤى متعددة في بنائية الحكاية، فاستخدم التضمين والتشظي، وعلى الرغم من تركيز النص على غربة المثقف داخل مجتمع متخلف، لكنه شظى اطروحاته، واستخدم تيار الوعي في ذهن السارد ليطرح الصراع بين الثقافة والتخلف، بين الجشع والقناعة، بين الشجاعة والتخاذل، بين قوة الارادة وضعفها، كل هذه المتقابلات في صراع الاضداد، تخللتها سلسلة الاحداث والافعال والحوار، فهي رواية واقعية، واستخداماته التنوع السردي اكسبها سمات حداثوية، فاستخدامه الزمن داخل عقل السارد بدون تحديد المكان، اضفى على المتن الحكائي، جمالية المؤثر الخارجي للمزاوجة بين الواقع والمتخيل، فالسارد رجل حالم في واقع يفتقد الحلم، يعج بين ثناياه القتل والدمار واللصوصية والاحتلال بقوات اجنبية، وقتلة جاؤا مع الاحتلال لاقتناص الفرص من الداخل والخارج، أي انها تصنف ضمن روايات الواقعية النقدية في رؤية ازمة المثقف الاجتماعية.