حوار مع القاص والروائي أحمد خلف: لا أميل إلى قراءة القصص والروايات خلال كتابتي لنصوصي السردية

حوار مع القاص والروائي أحمد خلف: لا أميل إلى قراءة القصص والروايات خلال كتابتي لنصوصي السردية

حاوره: سعدون هليل
يحتل القاص والروائي العراقي المعروف أحمد خلف مكانة بارزة بين العراقيين المعاصرين باعتباره أكثر عطاء منذ ستينيات القرن العشرين. يحاول في عالمه الروائي والقصصي، يحلل التناقضات الاجتماعية والثقافية وضد ثقافة الاستبداد من أجل بناء مجتمع عراقي ديمقراطي يعترف بالرأي والرأي الآخر.

ومنذ عام 1961 تعرف على الشاعر الكبير مظفر النواب، وهو الذي وجهه نحو الكتابة والأدب، وقد تنبأ له بمكانة في هذا الميدان.
عمل في مجلة الأقلام عام 1985، وأصبح محررا ثقافياً بدرجة سكرتير تحرير.
أصدرت كلية اليرموك قرارا بتدريس كتابه"تيمور الحزين"في صفوفها كنموذج في القصة القصيرة.
وفي عام 1969 ظهرت قصته الشهيرة"خوذة لرجل نصف ميت"في مجلة الآداب البيروتية. وقد حظيت باهتمام النقد الأدبي.
عام 1974 صدر كتابه الأول"نزهة في شوارع مهجورة"مجموعة قصصية وصدر كتابه الثاني في عام 1978 بعنوان"منزل العرائس"قصص.
صدرت روايته الأولى والتي حملت عنوان"الخراب الجميل"عام 1980.
أما في عام 1986 صدر له كتاب نقدي مشترك عن القصة والرواية العراقية. عام 1990 صدر كتابه"صراخ في علبة – مع رواية – بعنوان (نداء قديم)"وأصدر مجموعة قصصية:"خريف البلدة"عام 1995 وعدت أفضل مجموعة قصصية، وفاز بجائزة الابداع في العام نفسه.
ومجموعة قصصية بعنوان"تيمور الحزين"عام 2000.
وفي عام 2001، صدرت له في دمشق مجموعة مختارة من قصصه بعنوان"مطر في آخر الليل"وفي عام 2002 صدرت روايته المعروفة"موت الأب".
وصدرت له أيضاً في دمشق عن دار المدى رواية"حامل الهوى"عام 2005. وصدرت له رواية بعنوان"محنة فينوس"في عام 2008ـ.
وتتعرض الرواية إلى مسألة الاضطهاد السياسي والاجتماعي في العراق قبل سقوط النظام، من ويلات ومحن في السنوات التي تلت السقوط.
انتخب رئيسا لنادي القصة في الاتحاد العام للأدباء والكتاب.
وفي العام نفسه عقد ملتقى القصة القصيرة في العراق برئاسته. وفي عام 2009 صدرت له رواية بعنوان"الحلم العظيم"عن دار المدى. وفي عام 2010 انيطت به رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي الناطقة بإسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.
حضر وساهم في ملتقى القاهرة الخامس للابداع الروائي العربي 2010. وشارك وساهم في أغلب المؤتمرات المحلية في مجال الأدب والثقافة الوطنية. وقد بدأنا معه بهذا السؤال:

* كيف تنظر إلى القصة القصيرة في العراق، قياسا بالقصة العربية والعالمية وما يميزها عن غيرها من بلدان أخرى؟
- من الصعب وضع تصور قطعي شامل وكامل بشأن ظاهرة القصة القصيرة في العالم، وحسب افتراضات السؤال. ونحن هنا نعد ما ينتجه الغرب الأوربي اختصارا للعالم أجمع. ناهيك عن ثقافتنا التي تربينا عليها، والتي تقول إن القصة القصيرة أو الرواية أيضا، هي نتاج غربي محض، أي إننا نضع المنجز السردي الأوربي هو القياس الوحيد لتطورنا الابداعي والمعرفي، وهذا في بعض جوانبه صحيح إلى حد كبير، فأوربا وأمريكا قد قطعتا شوطا بعيدا في نظرية المعرفة وتطور الآداب والفنون بأشكالها كافة، أوربا أنتجت لنا عيون القصة والرواية، ولم تدخر وسعا في العطاء الثر، وعلينا تقع مسؤولية قراءة أدبها الإنساني الذي لا ينظر إلى الآخر من مناطق استعلائية أو فوقية، وعلينا أن ننظر إلى الأدب الأوربي الذي يتناغم مع ما تعانيه البشرية من ويلات وما تصبو إليه من آمال باعتباره جزءا فاعلا من تراث الإنسانية، علينا أن نضع معه في صف واحد أدب امريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وغيرها نصب أعيننا إذا شئنا تقديم لوحة كاملة الجوانب، لكن هذا الذي أوردناه آنفا يبدو لنا في غاية الصعوبة، إذ من أين بالقاص والروائي الموسوعي الذي يحيط بأدب الشعوب احاطة تؤهله لإصدار أحكام منصفة لا تعتمد الاستهانة بأدب شعب دون آخر، وعلى قياس من هذا النوع، نستطيع أن نقدم توصيفا مبتسرا لعلاقة ظاهرة القصة القصيرة في العراق مقارنة بالقصة في بعض الأقطار العربية. وهو التصور النامي والمتطور على الصعيد النظري أو العملي، لا يمر وقت طويل أو قصير من دون قراءة المزيد من النصوص العربية في القصة والرواية، وعليه نستطيع القول إن القصة القصيرة في العراق ومنذ من مرحلة الخمسينيات وحتى اليوم استطاعت أن تنجز الكثير مما هو مفترض عليها القيام به، من تأشير اتجاهات وتيارات قصصية تستند إلى مرجعية فلسفية علمانية أو قومية أو غيبية، ويمكن لنا أن نؤشر أبرز هذه المحطات التي عملت على رسم خارطة متميزة لهذه الظاهرة الأدبية/ الابداعية/ المعرفية، فمن القصة الواقعية إلى الواقعية الحديثة، إلى الاستفادة من تجارب السرياليين والماركسيين واللامعقول ومدارس العبث والوجودية والعدمية، والميكانيكية والكولاج ورسم دوائر ومربعات داخل النص. يمكن تأشير المرحلة الخمسينية باعتبارها الحداثة الأولى أو المرحلة التي أدرك فيها القاص أهمية الدور الذي يلعبه في الحياة الأدبية وكذلك السياسية وما يتطلب هذا الدور منه. لذلك برزت القصة الواقعية والواقعية النقدية، واشتغلت التيارات الوجودية والسريالية والماركسية على ضرورة الفن وتأهيله الدور المناسب، فتم الاهتمام بالشكل القصصي إلى درجة اتهمت المرحلة الستينية في إنها أولت النزعات الشكلية والفنتازية والسريالية الغامضة اهتماما يفوق العناية بالمحتوى الأدبي لإبداع قصة قصيرة تلتزم هموم الانسان وترعاه دون الاحساس بالتفوق النوعي الذي يعيشه الفنان على اعتباره قيمة متقدمة في مجال الفن والابداع، غير إن التطور الحاصل في الدراسات الانسانية واللسانية والمعرفية الأخرى، انعكس هذا كله على الفن والابداع السردي تحديدا، وطرحت أسئلة فلسفية معمقة في مجال جماليات الفن والأدب واشتغلت بعض المدارس والاتجاهات الأدبية على جوهر العملية الابداعية مثل لمن نكتب وعمن نكتب وماذا نريد من الكتابة الابداعية؟ إلى ان حل السؤال الكبير: كيف نكتب؟ ووجدنا كيف؟ دخل الجواب على الصيغة الملائمة لخلف النص، وهذا ما عملت عليه ظاهرة القصة القصيرة في العراق اسوة بغيرها في أقطار عربية تميزت فيها ظاهرة السرديات الحديثة باهتمام وعناية، كمصر وسوريا ولبنان وبعض دول المغرب العربي، وراحت القصة في العراق ترسم لها مسارا مدهشا ومؤثرا جيلا بعد جيل من دون اهمال التراث المحلي الذي تميز بخصوصية نادرة، أكدتها المجاميع القصصية للقاصين في مختلف الأجيال، فضلا عن بروز عدد من الأسماء المؤثرة من جيل الستينيين والسبعينيين الذين واصلوا العمل على تجويد النص بدون أية فترة انقطاع أو انشغالات جانبية لا تدخل في مجال الكتابة أو الابداع، هذا الاصرار على تطوير الوسائل والسبل الفنية والجمالية في السرد جعل من القصة القصيرة في العراق تقف في الصفوف المتقدمة من ظاهرة القصة في الاقطار العربية الأخرى، تقف بجدارة كتابها المعنيين بها.

* ما نظرتك إلى القراءة باعتبارها عملية انتاج؟ أم استهلاك؟ هل تجد فيها زيادة معلومات أم كشفاً معرفياً جديداً يضاف إلى معلوماتك وثقافتك؟
- لم تعد النظرة النقدية إلى القراءة باعتبارها عملية استهلاك النصوص بعد هضمها وتحويلها إلى رصيد قارئها، بل يبدو لنا النص في مواجهة واضحة وصريحة مع القارئ، ودون وساطة خارجية على حد تعبير رينيه جيرار في الكذبة الرومانسية، فالوساطة هنا تكاد تكون معدومة تماما، إذ لا يملك المؤلف أو الكاتب المبدع من وسائل لكسب القارئ سوى النص/ الرواية/ قصة/ مسرحية/ صفحات النص وسير تطور الأحداث أو ملاحقة السرد من قبل السارد تمنح القارئ فرصة التشوف الحر، ونتحدث هنا عن القارئ الضمني الذي أشار إليه امبرتو ايكو في القراءة التعاضدية ونظرية المعرفة في قراءة النص من قبل عدد متباين من القراء، وعليه فإني أجد نفسي أمام امتحان خاص ارتضيه أنا لكي أضع خواصي الذاتية في حوار دائم مع النص، وأراقب عن كثب ما يمنحني إياه خلال القراءة من كسب معلومات أو ان ثقافتي هي التي تحدد أبعاد المشاركة في الحذف والاضافة أو اكتشاف الثغرات والفجوات هي التي تطلب مني (كقارئ أتميز بالوعي الثقافي والجمالي، وعي المعرفة في حرفيات النص وأبعاده) تطلب مني سد تلك الثغرات والفجوات في النص الذي أقرؤه الآن، وخلال ذلك تقدم لي القراءة كشفا حثيثا على نوع المعرفة التي أتمتع بها كقارئ ودرجة حساسيتي ازاء النص باعتباري ذاتا ناقدة أي واعية، وتتحدد أهمية حواري مع النص كلما برزت مقدمتي الذاتية في الكشف والاضافة، بل تفيدنا هنا عبارة مارسيل بروست"..إن الكاتب يستطيع في ساعة من الزمان أن يبعث فينا كل الافراح والاتراح الموجودة في العالم". وتوسع عبارة بروست هذه القيمة العليا للنص، اي انه مهما اكتشفت حياديته الا انه في الأخير ينبغي ان يتجلى للقارئ إلى درجة التماهي، أي ادرك وجودي في القراءة وانني موجود في هذا النص الذي أقرؤه، أي انه كتب من أجلي، وبهذا تختلف لحظة المؤازرة أو التعاضدية بيني كقارئ وبين النص الذي هو منحة المؤلف أو بطاقة العبور إلى وعيي لغرض كسبي وجعلي اتناغم مع نصه، وأريد خلال القراءة ألا يتم كل شيء بصورة مباشرة لاسيما حين أتوجه إلى قراءة نص قصصي أو روائي، بل ينبغي اكتشاف المزيد من الثغرات والدلالات والاشارات التي تجعل ذائقتي وحساسيتي في امتحان لغرض معرفة الذات الواعية في داخلي، ودائما كنت ميالا إلى عبارة الكاتب الأمريكي سالنجر صاحب رواية (الحارس في حقل الشوفان) إذ يؤكد سالنجر على دور واهمية القارئ حين يقول:"إن الكاتب لا يحكي مباشرة بل القارئ هو الذي يكتشف كل شيء بنفسه، انطلاقا من الكلمات والحركات وأفعال الشخصيات"هذا القول هو الفاصل الموجب لتمييز القارئ الذي يعد القراءة اكتشافا ومشاركة في تأليف النص وادراك المزيد من الحقائق الخافية والمستورة التي طال البحث عنها خلال اشتغالنا على نصوصنا كمؤلفين وكقراء أيضا.
* عندما تبدأ بكتابة نص او عمل قصصي او روائي، هل ترافقه قراءة ما من نوع هذه القراءات؟
- قد يلجأ بعض الشعراء (تحديداً) الى قراءة قصائد او مجاميع شعرية معينة خلال انجاز قصيدة قصيرة، وذلك للحفاظ على نبرة محدودة ارتضاها الشاعر او اصبحت ذائقته تميل إليها، لكن في حالة السارد (قصة او رواية او مسرحية) يختلف الامر تماماً، الشاعر مثالنا السابق يبحث عن الإيقاع الجيد الذي اسميته بالنبرة وهو اصلاح معروف نقدياً ولكن ماذا يجني روائي يكتب رواية يعيد كتابتها اكثر من ثلاث مرات، ماذا يبقى من النبرة او الايقاع او حتى التوجه؟ القراءات التي تصاحب كتابتي للنص غالباً ما تتوزع على حقول يكون السرد فيها فنياً ضعيفاً كان التاريخ او الفلسفة او علم النفس، وحتى الشعر يكون مرافقاً لي. وسأضرب لك مثلا طريفاً في إحدى الحالات التي راقبتها خلال كتابتي قصة بعنوان/ المحبوبة/ نشرت في مجلة الثقافة الجدية، لا يخطر في بال القارئ اني كنت اطالع كتاب مولد التراجيديا للفيلسوف الالماني فريدريك نيتشا، إذ اختص هذا الكتاب المدهش بولادة التراجيديا من الموسيقى وهذا ما حيّر نقاد نيتشا على وجه نظره هذا- لذا لا اميل الى قراءة القصص والروايات خلال كتابتي لنص من نصوصي السردية، بل ابحث عما هو غريب عن هذا الحقل، لكي اغـُذي النص بالمزيد من المشاهد او الحالات التي قد تخدم القصة التي اكتبها، واكثر مما لو كنت اطالع رواية او مجموعة قصص. وخلال عملي في روايتي الجديدة (عن الأولين والآخرين) وهنا تقصدت بالاعلان عن اسم الرواية، طلب مني احد الاصدقاء قراءة مخطوطة يزمع تقديمها للنشر، فاعتذرت له عن ذلك، لاني في حوار مع نص روايتي، فلا يصح قراءة رواية ما زالت محفوظة- وذلك قد تتم الاستفادة منها او من شخوصها واجوائها مما يفسد عليها روح الابتكار او التجديد الذي نطمح إليه.
* عنوانات قصصك ورواياتك تثير اشكالاً معرفياً، فيها ما هو ملهم وما هو غامض، وفيها ما هو يركز على الأنا.. الذات.. كيف يتم اختيار العنوانات؟
- يعد العنوان في النص الادبي جزءاً مهماً من فواصله وفقرات تكوينه، وعليه ينبغي ان تتم به عناية تختلف عن اهميتها بالتقنية الفنية والجمالية التي نريد ان نتوج النص بها، وقد يلجأ بعض المؤلفين الى استخدام اي عنوان او تسمية لنصه على اعتبار ان المحتوى هو الذي يحسم عملية القناعة بجودة النص، وهناك من يلتقط عبارة جميلة يجعل منها عنواناً لنصه حتى لو لم توجد ثمة علاقة عضوية بين العنوان والنص.
فيما مضى يعمل العنوان لدي تزكية حالتين احداهما او كلاهما معاً، الاولى ان يأخذ النص عنوانه من المحتوى سواء على المستوى الظاهري المكشوف والمعلن، او خلال الدلالة المعلنة ضمناً كتسمية: محنة فينوس، موت الاب، الحلم العظيم، وحامل الهوى، والعناوين هذه تحمل في داخلها شحنة عاطفية واضحة لكنها تستند الى خلفية فكرية او مجازية يساعد المحتوى على تهيئتها ليرتسم المعنى في ذهن المتلقي، والحالة الثانية لاختيار العنوان هو التقاط ثيمة بارزة في النص قد لا ترد فيها تسمية العنوان، فالحلم العظيم واضح مرماه، ولكن قصة المحبوبة مثلا او كابوس عصري يختلف الامر، لا توجد اشارة داخل النص تقول بتسمية (كابوس عصري او اول الزمان وآخر الزمان) انما نكتشف ان الكابوس من خلال قراءة النص والدافع في التسمية هو المحمول الفكري والنفسي وربما السياسي ايضاً، غالباً ما تبدو بعض عناوين قصصي او رواياتي غريبة وغامضة/ نـُزهة في شوارع مهجورة/ القادم البعيد صراخ في علبة/ تمور الخزين/ الحزب الجميل/ هنا في المكان البعيد/ هناك تحت المطر/ وأخيراً/ عن الأولين والآخرين. إذ يمكن لنا ادخال العنوان في مختبر التحليل لنكتشف روح التهكم المريرة التي تكتنفه رغم انه يحاول ان يعطي انطباعاً عن الذي جرى وحصل ومازال يجري امام اعيننا ولكن لا احد يستطيع ان يُغير الخطاً او الجريمة المرتقبة.
* المحلـّة الشعبية. الازقة الغريبة. ناس المحلـّة. هل هم الجماعة التي تـُعينك على تأليف موضوع، ام انهم ملحقون بموضوعاتك؟
- لا يمكن للجماعة ان تكون ملحقة بالفرد حتى لو كان كاتباً او مفكراً او ديباً لامعاً، كما ان حياة الجماعة من الصعب ان تلحق بموضوعات غير موضوعاتها الخاصة الذي يحاول عدد بارز من الكتاب الانشغال به، كما هو تراث الكاتب العراقي الكبير غالب طعمة فرمان الذي خص ادبه بحياة المحلـّة الشعبية وناسها وقد اعطى لهذه الجماعة معظم ما كتب وقدم لنا روايات اتسمت بطابعها الحراكي
على مستوى رصد شخصيات المحلة الشعبية بكل اشكالها وصراعاتها وافراحها واتراحها وكذلك شخصياتها، واستطاع غائب طعمة فرحان ان يخلق الحالة النادرة في كتابة ادب يعني بجماعة معينة على المستوى العضوي في الاشتغال والنتائج وليس بصورة شكلية او برانية.
فيما يخص نصوصي (قصة ورواية) يتوزع لدي النص بين ابناء الشغيلة من الفقراء او الذين يعتمدون على طاقاتهم الشخصية او قوة سواعدهم وبين ابناء البرجوازية الصغيرة التي هي اقرب الى ابناء المحلة الشعبية، ومعظم جغرافية نصوصي تتوزع بين مدينة الحرية او مدن وهمية افتراضية، لكنها تنتسب الى احلام الفقراء الضائعة بفعل الاضطهاد السياسي او دور السلطة في تحطيم تلك الاحلام، واذا اتيحت لك فرصة مراجعة بعض شخصيات هذه النصوص سوف تكتشف اما انهم طلاب جامعة او ابناء كسبة يحاولون مغادرة وضعهم الاجتماعي المزري نحو وضع افضل وحالة اكثر مقبولية، ان نصوصي في جوهرها ترمي الى ما هو سياسي، وما هو سياسي يعمل في الضد من الهيمنة او السلطة المطلقة، للحاكم او الاخر الذي يحاول اضطهاد المثقف الحر المستقل الذي تهمه الحياة الانسانية الحرة.
* الشكل الروائي، القصصي، عندك يجمع بين الـ؟؟ والرواية هل ثمة تعمد ما ان الموضوع يختار شكله الفني؟
- دون شك، علينا ان نتذكر النظرة التقليدية التي كانت تركز على مفهوم واحد وتشتغل على ترسيخه، وهي النظرة التي تهتم بالمضامين اي الموضوعات وحدها، وتنظر الى الشكل من منطلق استعلائي، حتى ادرك الجميع ان لا شكل بدون مضمون والعكس صحيح، ولهذا ندرك حقيقة الاشكل بمعزل عن حوامله المضمونية. يعمل الشكل من منطلق وعي وذائقة المؤلف، وكلما كان القاص والروائي يعي وسائله وخصائصه الذاتية عندئذ يستطيع ان يطرح السؤال الجوهري:- كيف يمكن لي كتابة قصة باطار حديث بحيث يأتي النص تعبيرا حقيقيا لمداركي واستيعابي لكل التجارب الفنية السابقة لي، بحيث استطيع بعد هضم تلك التجارب وتأملها، ان اقدم وجهة نظري او رؤياي او ما اعتقده راقيا ومترفعا في صياغته الجمالية للنص. لا يوجد مؤلف قصص وروايات يريد كتابة نص تقليدي بالمفهوم الذي يركز فيه على اهمية المضمون وعلى حساب التقنية الفنية، كلنا نطمح لكتابة نص نتجاوز فيه انفسنا والاخرين ايضا. وفي هذا الصدد الذي اطمح اليه في عملية التزاوج والالتحام بين طرفي النص، يقول د. محمد برادة في كتابه، الرواية العربية ورهان التجديد:"... يتعانق الشكل بالمضمون في النص الروائي ويستمد مطمح التجديد الى رؤية استراتيجية في الكتابة تكشف عن وعي الروائي في هذا الرهان"وعلى هذا الاساس، يمكن التركيز على ذلك العناق او الالتحام او التدخل الاريحي بين الشكل والمضمون والكيفية التي ينتج فيها
* مازال احمد خلف ثرا وغنيا... هل تشعر انك قدمت اعمالا بما فيه الكفاية من مشروعك الادبي..؟
- بالتأكيد، ان ما قدمته من قصة ورواية، يدخل ضمن التراث الوطني للقصة والرواية في العراق، وهو مع ما قدمه القاصون والروائيون العراقيون على مختلف الاجيال يشكل ظاهرة ادبية ثقافية واجتماعية ايضا، هي الظاهرة السردية الحديثة، ويداخلني احساس عميق بالرضا في اني ساهمت فعلا بعدد من النصوص التي نالت عن قناعة عناية واهتمام الدارسين والنقاد، وهي بنيلها تلك القناعات المنصفة لها، كانت احد الحوافز الدافعة للتجويد في اشتغالي السردي ودون تقاعس او تردد، بل ارى ان ما نالته نصوصي خصوصا المتأخرة، منذ مطلع التسعينيات (صراخ في علبة/ على سبيل المثال... الخ) جعلتني اتأمل واتأنى طويلا في كتابة اي نص من هذه النصوص، ولعل خير مثال في هذا الصدد انغماسي الخاص في كتابة روايتي (موت الاب) وعلى مدى خمس سنوات متتالية، مما جعلني امتلك مقدرة التحكم في سياقات عملي الفني، انا على يقين ان التقنية الفنية لا تعوزني بل اتميز بها ولكن تدفق الاحداث الجسام من حولي يجعلني في حيرة من الامر، اي الموضوعات اكثر اهمية وحساسية للمعالجة والتصدي له دون غيره، استمراري في القراءة الجادة لم يهبط في اي يوم مضى ابدا، بل يزداد اهتمامي بالقراءة من منطلق قانون هوراس في: المتعة والفائدة، الذي لا تحققه اية عملية فنية او ابداعية مثلما هي القراءة ومتابعة انجاز الاخرين الذين هم زملاء لك في كل انحاء المعمورة، وما يفرق بينك وبينهم الا اللغة، اما المرمى البعيد، هو اسعاد الناس وادخال المسرة الى قلوبهم بنصوص حقيقية جادة، وهذا ما يجعلني انهمك هذه الايام على روايتي (عن الاولين والاخرين) تأليفا وعناية بها.
* من هو احمد خلف خارج السياق الادبي حياة.. اسرة.. علاقات.. طموحات، افكار غير متحققة، علاقات اجتماعية.؟
- اذا تمكن المؤلف او المبدع من تخليص حياته وبقناعة، عليه (هكذا ارى الامر) الاكتفاء بهذا التخليص والا يحاول او يعاود الكتابة ثانية، اما اذا شعر دائما انه بعد انجازه لنصه السابق كان باستطاعته ان يضيف هنا، وان يحذف عبارة هناك، فانه سوف يستمر في ابداعه، هذه هي الافكار التي تنتابني دائما، هو انني استطيع الكتابة دائما.. عام 2006 تقاعدت عن العمل واكتشفت النعيم الذي يوفره التفرغ او التوجه كليا الى الابداع، ما زلت احتفظ بعلاقات طيبة بل وممتازة مع عدد كبير من الادباء والمبدعين رغم ان الوسط الادبي والثقافي لا يشجع على الانغماس في عالمه المتعب الذي تسوده المماحكات الجانبية عديمة النفع.. توجهي الكلي للابداع جعلني اعيش في شبه عزلة عن فوضى الوسط، ووجدت متعتي تتحقق في تلك العزلة، رغم اني اراها غير منغلقة على ذاتها، بل لدي المجال الكافي للقاء اصدقاء معينين.. الانترنيت نافذة جميلة على العالم، ومخاطبة اصدقاء يعيشون في"تلفات الدنيا"على حد تعبير الصديق الشاعر المبدع هادي ياسين علي، في رسالة عبر النت،.. تتجسد متعتي هذه الايام في قراءة المزيد من الدراسات التي تختص في عالم الرواية وافاقها وقضاياها، كأني اكتشف هذه الجزيرة الرائعة (الرواية) من جديد، ودعني اكون صريحا مع اني اكتشفها في كل يوم وبصورة مدهشة. اليست الرواية هي نحن بما نحمله من آمال ومشاريع وحب وخيال، اليست هي مرجعية الماضي وحاضنة الحاضر، والسيدة التي ترنو الى مستقبل افضل؟ انني باختصار قاص وروائي يؤمن بالانسان ودوره الخلاق وتأثيره على الطبيعة. كلما اقترب اكثر من العلم ومنجزاته المدهشة. انني اؤمن بأني كاتب عراقي مستقل في نزعتي وحر تماما في توجهاتي.