كيف انتهى حزب (التقدم) بعد انتحار  مؤسسه السعدون؟

كيف انتهى حزب (التقدم) بعد انتحار مؤسسه السعدون؟

قصي محمود الحسناوي
بعد أن شكل عبد المحسن السعدون وزارته الثانية في 26 حزيران 1925، ومن قبلها حزبه"حزب التقدم"، الذي سمي فيما بعد بـ"حزب الأكثرية النيابية"، ازدادت طموحاته كثيراً بعد أكثر من شهر تقريباً، والدليل على ذلك، أنه في يوم 20 آب 1925، اجتمع عدد من الشخصيات المهمة كان بينهم، طالب النقيب ومحمد أمين باش اعيان وعبد الكريم السعدون شقيق عبد المحسن السعدون،

مع ملاك اراضي آخرين في قصر باش اعيان في البصرة، وناقش المجتمعون مسألة التخلص من الملك فيصل الأول وإقامة (جمهورية) تحت حماية البريطانيين يكون عبد المحسن السعدون رئيساً لها. وخلال الاجتماع أكد عبد الكريم السعدون أن آل باشا اعيان وكل عائلات بغداد النافذة وعشائر المنتفك والعلماء وكثيرين إلى جانب أخيه يؤيدونه، وأعلن كل المجتمعين تأييدهم للفكرة، ودعا الاجتماع كذلك إلى بصرة مستقلة ذاتياً ومحمية من البريطانيين. ومن المرجح أن الانكليز، قد شجعوا مثل هذه الميول الانفصالية أو الجمهورية، لأن علاقتهم مع الملك فيصل الأول اصطدمت على ما يبدو ببعض العقبات، إذ استغل الانكليز هذا الاجتماع الذي حدث في قصر باش اعيان لتحقيق هدف واحد هو جر الملك إلى إطار ذهني أكثر مرونة.
وإزاء ذلك كله، فقد كان الملك فيصل الأول قلقاً أشد القلق من عبد المحسن السعدون الذي كان يتمتع بثقة دار الاعتماد البريطاني ويستمد نفوذه منها مباشرة، إذ بدأ يشعر بأن ذلك يهدده ويجرده من نفوذه كملك ويجعل من السعدون وسيطاً له في حل ما يقع من خلاف بين دار الاعتماد البريطاني والبلاط الملكي، وكان فيصل يريد إلا يشاركه في اعتماد الانكليز أحد سواه، ولعل شعوره تجاه عبد المحسن السعدون الذي كان موضع ثقة السير هنري دوبس المندوب السامي البريطاني، لا يختلف عن شعوره تجاه السيد عبد الرحمن النقيب، الذي كان موضع اعتماد السيد برسي كوكس من قبل، وقد حاول الملك فيصل الأول، إزاحة عبد الرحمن النقيب من رئاسة الوزراء لعدم اطمئنانه اليه، ولعدم امكانه التخلص من الشعور الذي كان يستولي عليه من ان عبد الرحمن النقيب كان إلى الأمس القريب ينافسه على العرش.
ونتيجة لذلك، قرر الملك فيصل الأول تحطيم حزب السعدون"حزب التقدم"الذي يحظى بالأكثرية النيابية وتفريق صفوفه، وقد استعان فيصل بنوري السعيد وجعفر العسكري للقيام بذلك من خلال انضمامهما للحزب، وقد أدى نوري السعيد بصفته عضواً في"حزب التقدم"، بالتفاهم مع الملك فيصل هذا الدور، بأن تخريب الحزب من الداخل اسهل من تخريبه من الخارج، واستطاع ان يفرز من صفوفه جناحاً يتلقى توجيهاته من الملك فيصل بدلاً من أن يتلقاها من عبد المحسن السعدون. أما جعفر العسكري، وهو رجل الملك فيصل فقد نجح في أن يعدل في نظام الحزب الداخلي وان يصبح رئيساً له فيما بعد.
وتنبغي الاشارة هنا، إلى أن تدخل البلاط بالطريقة الاوتوقراطية في العملية السياسية مدعاة لمشاكل سياسية بينه وبين الحكومة ودار الاعتماد. ولكن لم تمتعض جميع الحكومات العراقية من تدخلات فيصل في الإدارة، سوى السعدون بشأن النشاطات غير الدستورية للملك.
وعلى الرغم من ذلك، فأن الخلاف بين الملك فيصل الأول وعبد المحسن السعدون، لم يكن صراعاً من أجل السلطة، أي أن السعدون لم يرد أن يكون من تصادمه مع الملك أن يكون ملكاً، بل كان يريد أن يمارس حقوقه الدستورية كرئيس للوزراء بدون تدخل غير دستوري من الملك.
ومهما يكن من أمر، فأنه سرعان ما ظهرت بوادر الانشقاقات في جسد
"حزب التقدم"، في بداية تأسيسه، إذ أدى انتقاد الحزب للروابط الفكرية بين أعضائه إلى ظهور الخلافات في صفوفه.
وبحكم ذلك، فقد مني"حزب التقدم"في بداية تأسيسه بـ(ثلاثة هزائم) أمام القوى المعارضة، فكانت"الهزيمة الأولى"، تتعلق بعزم الحكومة على ارسال وفد عراقي لحضور اجتماع عصبة الأمم من أجل التباحث حول (قضية الموصل)، إذ تألف الوفد من ناجي السويدي وزير العدلية، والبطريرك الكلداني يوسف عمانوئيل، وأرشد العمري معتمد"حزب التقدم"، وإسماعيل راوندوزي نائب لواء اربيل.
وفي ضوء ما تقدم، فأن تسمية هذا الوفد جاء كمفاجأة لأكثرية النواب، إذ لم يجر ذكره، داخل"حزب التقدم"قبل طرحه للتصويت أمام المجلس النيابي. وبناءً على ذلك أوضح السعدون رئيس الوزراء، ورئيس"حزب التقدم"دوافع الحكومة لتشكيل هذا الوفد، لكن المعارضة انتقدت الحكومة واستهزأت من وجود معتمد"حزب التقدم"أرشد العمري وإسماعيل راوندوزي، ووجدت أنه من المضحك أن يضاف إلى الوفد بطريرك الكلدان بعد أن أوضح تقرير البعثة الدولية لعصبة الأمم، أن رجال الدين المسيحيين يفضلون الاتراك على الحكومة العراقية، وعندما صارت الجلسة علنية طلب رئيس الوزراء السعدون من المجلس أن يوافق على إضافة التقدميين ارشد العمري واسماعيل راوندوزي إلى الوفد. وعند التصويت رفض المجلس هذا الطلب إذ صوت له واحد وثلاثون نائباً، وعارضه ثلاثة وثلاثون نائباً، كما تقرر ان تسند مهمة طرح قضية العراق امام عصبة الأمم إلى جعفر العسكري، ممثل العراق السياسي في لندن آنذاك.
وفي سياق ذلك،أعلن ياسين الهاشمي وحزبه صراحة أن اللجنة أرسلت من قبل البريطانيين لغرض واحد وهو ابقاء الانتداب على العراق لمدة (خمسة وعشرين سنة) فطالب بإسقاط وزارة السعدون.
ومما يؤكد ذلك، قيام الحكومة في 2 أيلول 1925، بإرسال برقيتين واحدة إلى عصبة الأمم وواحدة إلى جعفر العسكري ممثل العراق السياسي في لندن، تشيران إلى تمديد فترة الانتداب البريطاني في العراق لمدة (خمسة وعشرين سنة)، وقد عارض إرسال تلكما البرقيتين أربعة عشر نائبا، ولم يصوت عليهما كل من ياسين الهاشمي والسيد محسن أبو طبيخ. ومن الجدير بالذكر، أن عدد من أعضاء"حزب التقدم"قد ساندوا المعارضة داخل المجلس النيابي أمثال مظهر الحاج صكب وفخري آل جميل وعبد المجيد الشاوي والنواب الكرد.
ومهما اختلفت الدوافع والمقاصد، فقد عادت الخلافات بين أعضاء"حزب التقدم"، مما أدى إلى"الهزيمة الثانية"له مع بداية تأسيسه، وذلك عندما عرضت حكومة السعدون في 25 آب 1925 ميزانية شهر أيلول، من قبل وزير المالية رؤوف الجادرجي، إلا انها رفضت من قبل مجلس النواب، وفقدت الحكومة الثقة مما دعا وزير المالية إلى استقالته، وكان رفض مجلس النواب المصادقة عليها، على أساس انها تحتوي على نفقات كثيرة، وقد كان ذلك الرفض أول علامة لفقدان سيطرة السعدون على قرارات المجلس بوساطة الأكثرية التي كان يتمتع بها"حزب التقدم"داخل المجلس، وشعر بعض أعضاء"حزب التقدم"بالخطب الحماسية التي شنتها الاقلية داخل المجلس، وشعر السعدون بأنه أخذ يفقد سيطرته على نواب"حزب التقدم"، أما الوزراء فقد فسروا رفض المجلس للائحة على أنه بمثابة عدم ثقة المجلس بالوزارة القائمة، مما أدى ببعضهم إلى إبداء رغبتهم إلى السعدون بالاستقالة من مناصبهم،فقصد السعدون دار الاعتماد البريطاني في اليوم نفسه، وتباحث في الأمر مع المندوب السامي.
وعلى أية حال، ففي اليوم التالي 26 آب 1925، أصبح الموقف أقل توتراً، فقد أقنع عبد المحسن السعدون"حزب التقدم"بقبول الميزانية وأشار إلى أن الوقت الحاضر ليس وقت قيام الأعضاء أعضاء"حزب التقدم"بوضع العراقيل في طريق الحكومة.
وفي السياق ذاته، طالب السيد محسن أبو طبيخ أحد أعضاء"حزب التقدم"بوجوب استقالة وزيري المالية والعدل، إلا أن عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء ورئيس حزب التقدم ذكر أن النواب ليس باستطاعتهم طلب استقالة قسم من الوزراء، وستتوفر الفرصة لمجلس النواب بالتصويت بالثقة، ويجري غير ذلك. وفي يوم 27 آب 1925، أقرت الميزانية، بعد تعديل بسيط ولم يكن هناك عرض باستقالة الحكومة، وأن الأزمة قد انتهت.
ونتيجة لذلك، فقد أرسل عبد المحسن السعدون رسالة إلى الملك فيصل الأول شكا فيها الحالة السياسية المرتبكة داخل المجلس النيابي قائلاً:"أعرض على جلالتكم بمزيد الأسف ان الحالة الروحية في المجلس ليست مرضية، فأن القسم الأعظم منهم يجهل وضعيتنا السياسية والإدارية والقسم الثاني أعني قسم المخالفين، بالرغم من وقوفه على الحالة الراهنة، يميل إلى المشاغبة ويعرقل مساعي الحكومة إلى درجة تبعث على التأثر مع أن أكثرية الشعب راضية عن سير الإدارة الحاضرة ومستاءة من أعمال المشاغبين في المجلس. وقد سعى بعض أعضاء"حزب التقدم"لإسقاط وزيري العدلية والمالية وأصروا على ذلك، لكنني لم أوافقهم على فكرتهم هذه، لكونهم لم يحددوا أسباباً وجيهة ولم يعدُ فهمهم لهذه المطاليب إلا الانفعالات والتأثرات الشخصية، أما رؤوساء الحركة في الحزب فهم رشيد عالي الكيلاني رئيس المجلس والحاج عبد المحسن شلاش نائب الرئيس وبعد مذاكراتي معهم ورجائي منهم تركوا تشبثهم هذا لوقت أخر، على أني لست قانعاً بأنهم تاركو فكرتهم هذه لمدة طويلة".
والملفت للنظر، أن التحليل الذي قدمه التقرير السري نصف الشهري لدائرة المندوب السامي البريطاني ببغداد حول أسباب هاتين الهزيمتين لحكومة السعدون ليس مقنعاً، فقد ذكر أن نواب"حزب التقدم"، لم يكونوا حاضرين في الجلسة بعدد كاف، لأن مجموعة صغيرة من النواب لم تكن مقتنعة أساساً بالشخصيات التي تكون منها الوفد، وأوضح ان الهزيمة الثانية تعود إلى خطأ تكتكي من وزير المالية رؤوف الجادرجي الذي طلب تجاوز اللجنة المالية، مما أثار امتعاض أعضائها وصوتوا ضد الميزانية، إلا أن هذه الأسباب والعوامل الحقيقية لم تكن وراء هزيمة حكومة السعدون فالقضية تكمن في تشكيلة حزب الحكومة نفسه، فالعديد من النواب قد تركوا الحزب لعدم حصولهم على مكاسب مقابل انضماهم إلى"حزب التقدم"مثل التعيينات الوزارية والأعفاء من الضرائب وما شابهها من الامتيازات الأخرى، وعلى سبيل المثال فأن وفداً من شيوخ العشائر يقودهم عضوين من الهيئة الإدارية لـ"حزب التقدم"هما محسن أبو طبيخ وكاطع العوادي، قد أعربوا إلى المندوب السامي عند مقابلتهم له يوم 31 تشرين الأول 1925، عن عدم قناعتهم بحزبهم"التقدم"واستيائهم ورغبتهم في تشكيل حزب جديد، بعد أن وجدوا أن دعمهم للحزب قد استغل فقط من قبل الوزراء لمصالحهم الشخصية، وأنهم مستمرين في الاعيبهم التي جعلت رجال العشائر ضد شيوخهم.
وتأكيداً لذلك، ما أشارت إليه أحدى الوثائق البريطانية من وجود دلائل على ضعف"حزب التقدم"أدت الى ظهور بوادر الانقسام والانشقاق الاخير لبعض أعضاء"حزب التقدم"الأعضاء الذين تركوا الحزب هم(السيد كاطع العوادي،السيد محسن ابو طبيخ،فخري الدين الجميل،ناجي صالح،عبد المحسن الشلاش،السيد الياس النقيب،محمد الصيهود،علي السليمان).ونشر الدعاية ضدهُ، متهمين رئيس الحزب عبد المحسن السعدون بأنه يتعامل معهم بأسلوب أوتوقراطي متعالٍ،بينما يتعامل بأسلوب متذلل مع مقر المندوب السامي والبلاط الملكي، فضلاًعن اتهامهم لمعتمد"حزب التقدم"أرشد العمري،بأنه كان يملئ عليهم مايجب عمله املاءً،فلم يرق لهم ذلك ان يكونوا آلة صماء بيد رئيس الحزب ومعتمده حسب قولهم.
ومن الجدير بالذكر، أن الأحزاب المعارضة كان لها دور كبير في إضعاف"حزب التقدم"، ولاسيما حزب ياسين الهاشمي"حزب الشعب"، فضلاً عن ظهور تكتل نيابي معارض داخل المجلس النيابي عرف بـ"كتلة الوسط"بزعامة رشيد عالي الكيلاني، وقد ضم هذا التكتل عدداً من النواب المستقلين، ممن اتسمت مواقفهم بالتذبذب، تارة مع الحكومة، وأخرى مع المعارضة حسبما اقتضته مصالحه، أو في ضوء التطورات المتلاحقة على الساحة السياسية إذ أن أول إشارة وردت إلى اجتماع هذه الكتلة في 10 أيار 1926، أي بعد حادثة المشادة بين رشيد عالي الكيلاني وصبيح نشأت أحد أعضاء"حزب التقدم"بيومين، وهذا يعني أن"كتلة الوسط"كانت موجودة قبل هذه الحادثة.
ومن الضروري الاشارة إلى، أن الكيلاني استطاع بلباقة لسانه المعروفة ان يميل إلى صفه بعض أعضاء"حزب التقدم"بحملهم على تقديم استقالاتهم من الحزب المذكور، والانضمام إلى كتلة الوسط التي كونها على حساب"حزب التقدم"، مما أدى إلى انشقاق داخل"حزب التقدم"نفسه، واستطاعت كتلته"كتلة الوسط"بعد ذلك أن تغير في ميزان القوى داخل المجلس النيابي، ما أدى ذلك إلى فوزه بالانتخابات النيابية في 2تشرين الثاني 1926،بدعم من الملك فيصل الاول على حساب مرشح"حزب التقدم"حكمت سليمان، التي تعد"الهزيمة الثالثة"لـ"حزب التقدم"،والتي إثرها قدم عبد المحسن السعدون استقالة وزارته احتجاجاًعلى ذلك.
بعد انتحار عبد المحسن السعدون في مساء 13 تشرين الأول 1929، انتهت حياة حزب التقدم كقوة سياسية لما كان يتمتع به زعيمه السعدون، من هيبة واحترام من قبل أعضاء الحزب، ولذلك فأن ضعف النشاط السياسي لـ"حزب التقدم"من بعد غياب قيادته له كانت تحصيل حاصل.
وعلى أية حال، قرر أعضاء"حزب التقدم"، انتخاب الرجل الثاني في الحزب، ناجي السويدي، الذي ازدادت في عهد رئاسته للحزب الانشقاقات والخلافات داخل جسد الحزب، وتذمر العديد من أعضاء الحزب لقيادته له ووصفهم لأدائه بالضعيف،على الرغم من تظاهر أعضاء الحزب بالتكاتف والثبات على مبدأ وصية السعدون إلى ولده، التي عدوها ميثاقاً سياسياً للحزب، ولاسيما أن جماعة من أعضاء الحزب المتمردين وجماعة من المعارضين شكلوا كتلة معارضة قوية ضد وزارة ناجي السويدي.
ونتيجة لذلك، وفضلاً عن خلافاته مع دار الاعتماد البريطاني، قرر ناجي السويدي، اعلان استقالة وزارته في 9 آذار 1930،ومن ثم تركه لـ"حزب التقدم"، مما أدى كما أشرنا سابقاً إلى أن يكون ذلك سبباً آخر لانحلال"حزب التقدم"، إكمالاً لما حل بالحزب بعد انتحار مؤسسه عبد المحسن السعدون، فقد انقسمت الهيئة العامة للحزب ما بين مؤيد لإبقاء الحزب والاستمرار في العمل السياسي، وبين محبذ لإنهاء أعمال الحزب ووقفها.
وهذا ما أكده، نوري السعيد بعد ذلك قائلاً:"يعلم الكثيرون حق العلم بأن هذا الحزب قد انشق على نفسه على أثر وفاة زعيمه المرحوم عبد المحسن السعدون. لذلك أشك كثيراً في أن باستطاعة أي شخص آخر ان يقود الحزب. وقد تجلى هذا الانشقاق في عهد وزارة ناجي السويدي السابقة التي كانت مؤلفة من كل أعضاء الوزارة السعدونية السابقة ما عدا المرحوم عبد المحسن".
وبعد أن شكل نوري السعيد وزارته الأولى في 11 آذار 1930، حاول توجيه ضربة قاضية إلى"حزب التقدم"بمحاولته حل المجلس النيابي من أجل إنهاء سيطرة"حزب التقدم"، على مجلس النواب العراقي، وقد نجح في ذلك، عندما أقنع الملك فيصل الأول بإصدار إرادة ملكية بحل المجلس النيابي فكان ذلك اشبه برصاصة الرحمة في جسد"حزب التقدم"السياسي. فضلاً عن ان نوري السعيد، أحد أركان"حزب التقدم"سابقاً، بعد تأسيسه لحزب حكومي جديد، في 14تشرين الاول1930،أطلق عليه اسم"حزب العهد"، استطاع أن يجذب الكثير من أعضاء"حزب التقدم"لحزبه الجديد، مما أسهم في إضعاف الحزب وقلة مردوداته.
وحاول توفيق السويدي لم شمل"حزب التقدم"، واستحصل بذلك موافقة وزارة الداخلية في 14 كانون الأول 1930، إلا أن الملك فيصل الأول، كما أشرنا سابقا وعلى ما يبدو، كان جاداً في إنهاء نشاط"حزب التقدم"سياسيا، لأنه أقنع توفيق السويدي بقبول وظيفة وزير مفوض في طهران، وبعدها قرر ترك رئاسة الحزب.
ولم يعد لـ"حزب التقدم"وجود حقيقي في الحياة السياسية، ولم يعد له ذكر، ولاسيما في عهد رئاسة عبد العزيز القصاب للحزب، سوى ما قام به من نشاطين سياسيين مذكورين آنفاً.
ويجب الاشارة في ختام هذا المبحث، إلى أن نشاط"حزب التقدم"وفعاليته، حينما كان عبد المحسن السعدون موجوداً، هو غيره بعد أن غاب الرجل عن الساحة الفعلية. جراء ما يتمتع به من احترام وهيبة ومحبة من قبل أعضاء الحزب وجمهوره، ولذلك فأن غياب"حزب التقدم"في بداية الثلاثينيات، تحصيل حاصل بعد غياب قيادته الرئيسة والفعالة في النشاط.
ومن الجدير بالذكر، ان المصادر التاريخية اختلفت في تحديد المدة الزمنية لنهاية الحزب، إلا أن أحدى وثائق وزارة الداخلية، أشارت إلى أن الحزب كان موجوداً ضمن تسلسل الاحزاب والجمعيات المجازة في العاصمة بغداد في 2 أيلول 1931، وذلك حسب الجرد القانوني التي قامت به وزارة الداخلية العراقية.

عن كتاب (حزب التقدم في العراق)