عبد القادر الرسام سيرة الفنان

عبد القادر الرسام سيرة الفنان

بقلم تيفاني فلويد
ترجمة فيفيان حمزة

ينتمي عبد القادر الرسام (1882 ـ 1952) إلى الجيل الأول من الرسامين التشكيليين العراقيين وكان من أبرز عناصر مجموعة الفنانين الذين تدربوا في إسطنبول وجلبوا خبراتهم إلى وطنهم الأم. تعتبر هذه المجموعة من الفنانين ـ الجنود أول من أدخل فن الرسم على حامل اللوحات إلى العراق في مطلع القرن العشرين. اشتهر الرسام،

الذي كان من فناني الأسلوب الواقعي، بمناظره الطبيعية الفسيحة ورسومه الشخصية الغاية في الدقة، وتصويره الأمين لمشاهد الحياة اليومية في العراق آنذاك، وهو أحد أبرز الرسامين غزيري الإنتاج في تاريخ الفن التشكيلي العراقي، مما جعل أعماله تؤثر بشدة برسامي الأجيال التالية.

كان الرسام من مجموعة الضباط العراقيين الذين درسوا العلوم العسكرية بالإضافة إلى الفنون في إسطنبول، وقد باشر تعليمه في حوالي سنة 1904 عندما كانت الإمبراطورية العثمانية لا تزال السلطة الرئيسية الحاكمة في المنطقة. وكجزء من المنهج التعليمي في إسطنبول، كان يطلب من عبد القادر الرسام وزملائه انجاز لوحات ملونة ورسوم تخطيطية للأغراض العسكرية. كانت تلك الصور تتماشى بدقة مع الأسلوب الأكاديمي الأوروبي الصارم. ولحرصهم على تعميق مهاراتهم الجديدة، سعى أفراد مجموعة الضباط تلك إلى الحصول على دروس تدريبية خاصة في الرسم، فتتلمذ الرسام على يد عدد من الرسامين البارزين المقيمين في إسطنبول والذين كانوا يتبعون الأسلوب الفرنسي المعاصر. مع أنه تميّز على الأكثر بالرسم الزيتي، عمل الرسام في تلك الفترة كذلك بالألوان المائية مصوّراً إسطنبول بحشودها وأسواقها، وقد أظهر الفنان، حتى في تلك المرحلة من بدايات مسيرته، خبرة ماهرة في الرسم ودقة واعية. أعيقت طموحات الرسام مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، غير أنه، بعد انتهاء الحرب مباشرة، عندما رجع الفنانون ـ الجنود إلى العراق، عاود ممارسته للرسم على الحامل، وعلى غرار زملائه، ركّز اهتمامه على المناظر الطبيعية والمشاهد العسكرية والمواقع الأثرية.
من أهم سمات ذلك الجيل من الرواد رغبتهم في تحفيز الوعي الفني وتذوّق الأعمال الفنية في أوساط الجمهور العراقي، لذا باشر عبد القادر الرسام بتقديم دروس في الرسم داخل مرسمه في بغداد، وكان يشجع الفنانين المبتدئين على متابعة تحصيلهم الفني في الخارج. نتيجة لهذه الجهود المبكرة، أصبح الرسام يتمتع بتأثير هائل بين أبناء الأجيال اللاحقة. تحققت رغبة الفنان في نشر الوعي الفني بصورة أجدى عندما أصبح عضو شرف في جمعية أصدقاء الفن، وهي مجموعة كانت تهدف لإنماء الاهتمام بصناعة الفن لدى الجمهور وتعزيز مهارات أفرادها من خلال التفاعل.
مع استخدامه النمط الأكاديمي نفسه على غرار زملائه الأول، أنجز عبد القادر الرسام لوحاته بواقعية صارمة ملتقطاً مشاهد حية من الريف العراقي. استخدم الألوان المشرقة التي نراها في لوحاته الزيتية بأفضل ميزاتها وقد عرف باتقانه لرسم المنظور والتفاصيل. رسم في معظم الأحيان مناظر شاملة للرؤية في تصويره المواقع التاريخية على طول ضفاف نهر دجلة. تشكل آثار المدائن أو الجامع الكبير في سامراء أمثلة نموذجية مميّزة في أعماله. وبالفعل كان نهر دجلة بمثابة الموضوع الرئيسي في العديد من لوحات الرسام. يخلق النهر بجريانه المتعرج كلما ابتعد، من خلال استخدام متقن للمنظور الجوي، مع النشاطات على ضفافه، منظراً طبيعياً واسع المدى مع كونه ساكن.
كان عبد القادر رسام صور شخصية كذلك إنما بكثافة أقل. أحد رسومه الشخصية الأكثر شهرة كان رسم محمد درويش الآلوسي الذي أنهاه سنة 1924. يظهر الآلوسي، الملتحي، وكأنه ينظر إلى المشاهد نظرة مباشرة، وتشاهد خلفه مجموعة من الغيوم التي نراها غالباً في معظم لوحات الرسام. تدل ملامح الوجه التفصيلية على مهارة الرسام في التصوير كما تعكس النظرة الثاقبة موهبته كمراقب يقظ. يبيّن هذا الرسم الشخصي الاهتمام نفسه بالألوان المشرقة والتفاصيل الذين نشاهدهما في مناظر عبد القادر الرسام الطبيعية.
حفظت مجموعة من أعمال الرسام في متحف الرواد في بغداد والمتحف العراقي للفن الحديث إلى فترة احتلال العراق في 2003 وتدمير المتحف وسرقة معظم الأعمال، ومن أعماله المعروفة لوحة جدارية أنجزها لمدخل صالة سينما رويال في بغداد. تعتبر هذه الجدارية أول عمل فني بحجم كبير يعرض على مبنى عام. سافر الرسام في وقت لاحق من مسيرته إلى إيطاليا وفرنسا وألمانيا بهدف إغناء ثقافته الفنية.