تحولات السرد وتداخل الأجناس الأدبية في المجموعة القصصية (عائلة الحرب) للقاص صلاح زنكنة

تحولات السرد وتداخل الأجناس الأدبية في المجموعة القصصية (عائلة الحرب) للقاص صلاح زنكنة

حيدر جمعة العابدي
(الملاجئ قبورنا الصغيرة الدافئة)
يطل علينا صلاح زنكنة من نافذة السرد حاملا معه ذاكرة ونصوصا تحكي قصة وطن ممزق وعائلة توثق أوجاع الحرب بكل هزائمها وانكساراتها اثناء وبعد الحرب. وبما ان مفهوم العائلة يشتمل على قانون النمو والتكاثر لذلك تخضع عائلة الحرب لنفس الشروط العضوية للنمو والتناسل لتشغل حيزا يتسع يوما بعد يوم بفعل الاطماع والمصالح المادية والاجتماعية وعليه تمثل هذه المجموعة القصصية (عائلة الحرب)

الصادرة عن دار ميزوبوتاميا،لسنة 2014 شاهدا على بشاعة ووحشية الحرب والمنتفعين منها. تتوزع المجموعة على بابين الأول هو باب ينفتح على واقع الحرب ضمن محيط الداخل المحلي يرصد ويوثق كل الحروب التي خضناها بكل أوجاعها لذلك فإن الكتاب يتكون من مجموعة قصص توثق وتحكي كل ما يدور في لحظات الحرب من خوف وحب وانكسار وانتصار وموت، استخدم فيها الكاتب لغة شعرية مكثفة واستعارات صورية ورمزية تكشف الوجه البشع للحرب رغم قصر قصص هذا المحور إلا أنها قصص وظفت بعناية لتشكل مع بعضها الصورة الكاملة لكل ما يحدث اثناء الحرب اي صورة من داخل الوجع والموت لذلك فان كل اقصوصة كانت توثق جزءا من صورة هذه العائلة الكبيرة لتشكل مع بعضها لوحة اكبر شخوصها الشهداء والمستلبون تحكي تاريخ عائلة الحرب يتضح ذلك جليا في قصة شهداء(الحرب سقتنا من الأزقة والشوارع والبيوت والحدائق والمسارح والمقاهي والمدارس...الحرب سرقتنا من معمعة الحياة وحشرتنا في مقبرة الأموات و أسمتنا شهداء)ص10 لذلك كل شخوص هذا الباب هم من المقاتلين الذين خسروا حياتهم بفعل الحروب شخصيات تروي ما تعرضت له من سرقه لوجودها لتجتمع كل هذه الانتهاكات في قصص العائلة التي توجز لنا الكثير من تاريخ العنف والانتهاك الإنساني، لذلك جاء فعل السرقة المتكرر لوجودنا الإنساني كنتيجة حتمية بسبب الحروب المتكررة التي تصنعها السلطة لضمان استمرار سيطرتها هي تجتهد في اختلاق الحروب و التآمر والخداع على شعوبها. يأتي ذلك عبر منطق الانتهاك والسرقة المتكرر، اي لا وجود لسرقة من غير سارق طامع كما لا وجود لحرب من غير مصالح واطماع بالقتل والاستحواذ وسلطة قوية تديم هذه الحروب بأجسادنا تحت شعار منطقي لكنه منحاز سلفا لصالح السلطة .
يختص الباب الثاني في واقع ما بعد الحرب ويحتوي على أربعة قصص امتازت عن غيرها من قصص الباب الأول بالجانب الفني و المتخيل الذي يحاول كسر تكرار صورة الحرب داخل قصص المجموعة عبر الخروج من الواقع الصادم والقبيح للحرب لكن دون الابتعاد عن تبعاتها وذلك بالعودة إليها من نافذة الفن والحب والسلام المفقود. يتضح ذلك في طريقة بناء قصص هذا الباب حيث تنفتح على الحياة العالم الخارجي عبر تكثيف المتخيل اكثر من السائد لواقع الحرب وهو ما يمثل تحولا في لغة واسلوب وبناء هذا الباب عن قصص الباب الاول نجد ذلك في تمركز النص خلف دلالات فنية ورمزية لدال فني جمالي يتمثل بالحياة بجوانبها المشرقة والإنسانية التي تعكس بدورها موقف إنساني تواصلي/ تداولي، وثقافي / روحي من الوجود عبر جدلية التلقي والتأويل لإعادة الديمومة لوجه الحياة المتسامح، يتضح في قصص هذا الباب ففي قصة"اقتل الجنود"نجد ان لغة التسامح والحب هي التي تقف بوجه أدوات القتل السلاح فالحاج (سالار) بطل القصة الذي قتلت عائلته السلطة أمامه يتخلى عن قتل الجنود الذين أرسلتهم السلطة لقتلهم فعندما يريد الانتقام لعائلته المغدوره من هؤلاء الجنود يقف مستغربا من بؤس حالهم وانكسارهم فيقرر العفو والتسامح (نزع بندقيته من كتفه ورماها أرضا –لست بحاجة لها بعد اليوم)ص50 كذلك نجد للفن حضورا إنسانيا رائعا في قصة"الرماة العشرة"حيث يمثل الفن وجها ومن وجوه الحياة الأكثر تعبيراً عن خسارتنا عبر لوحة لإحدى الفنانات تفيض بالدلالات النفسية والفنية يستعيد ذكرياتها بطل القصة سلمان عبر منولوج داخلي حين صدور الأوامر لهؤلاء الرماة بقتل النقيب بشار عبد الله بتهمة الخيانة للنظام يرفض العاشر ان يطلق النار بدافع إنساني فني لأنه شاعر لا يجيد سوى الجمال (انا اكتب الشعر)ص57 لتنهي القصة بأن يكون سلمان بطل القصة هو الرامي العاشر الذي اختفى من اللوحة. اما في قصة سلام النايترون التي تختلف عن باقي القصص من ناحية الشكل لكنها تتفق في المضمون قصة تبحث عن التوازن العادل عبر الاقتصاص من دول تصنع الحروب و القنابل والأسلحة لقتل عدد اكبر من البشر وذلك بفعل تفجير نيتروني يحصد أرواح الكثير من شعوب المنطقة التي تطور تكنولوجيا السلاح والحرب حيث تبيد هذه القنبلة كل قوانين القوة السائدة امريكا والأمم المتحدة... لكن تبقى المباني فقط هي الشاخصة لتحتلها الشعوب الفقيرة في مشهد يعج بلغة المفارقة والتهكم والفنتازيا.تميزت المجموعة القصصية بأسلوبها السردي السلس والتلقائي والذي يعكس تجربة وقصدية الكاتب لكشف دموية وقسوة الحرب وتبعاتها الاجتماعية والنفسية التي تظهر ما بعد الحرب والتي عاش اغلب احداثها الكاتب نفسه يتضح ذلك من خلال الصوت الواحد لفعل الروي بصيغة المتكلم وورود اسم الكاتب داخل النص حتى وان حاول افتعال التمويه والاعتراف بالكذب في ذلك فهو فاعل أساسي داخل النص (يا سلام على صلاح زنكنة وأكاذيبه الحميمية)ص62كما استخدم الكاتب بعض الجمل ذات الإيقاع الشعري مثل التقطيع الصوتي والمجاز والاستعارة وهو ما يعكس تحولات السردية العراقية في كسر الحدود ما بين هذه الأجناس من خلال احداث تداخل فني و لغوي في بنية السرد ما يؤشر على فعل التحديث والتطوير في هذه البنية ومنها القصة العراقية والتي تعكس رغبة الكاتب العراقي في كسر القوالب التي وقفت بوجه هذا التداخل. ما يؤخذ على المجموعة هو التكرار الواضح في الكثير من مشاهد الموت كما نجد ان هناك ضعفا فنيا في بعض القصص حيث لم تستوف فنيتها لكن تظل هذا المجموعة بكل ما تحتويه من قصص صرخة احتجاج بوجه صناعة الحروب المتمثل بالسلطة كما تمثل المجموعة رؤية نقدية وفنية تدين فكرة الحرب.