هل قامت القيامة في سنة 1910

هل قامت القيامة في سنة 1910

كان هذا النبأ حديث خرافة.. ولكن الجماهير صدقته وراحت تتوقع الخاتمة الاليمة في كل لحظة.
لم تحدد الكتب السماوية موعد قيام الساعة بل اكتفت بانذار البشر وتخويفهم وحضهم على العمل للاخرة على ان نفر من المنجمين صرفوا همهم الى التنبؤ بيوم القامة، وحددوا له المواقيت فصدقهم السذج من الناس، ثم ثبت للملأ كذبهم فلم يتورعوا عن اعادة الكرة، ولم تتورع الجماهير عن تصديقهم مرة اخرى.. وهذا يدل على ان الناس سريعو الانقياد للمنجمين ومن اليهم من الدجالين.

18 أيار سنة 1910
حدد هذا اليوم لقيام الساعة ، وزعم المنجمون ان النقمة الالهية ستصب على الكرة الارضية وعلى ساكنيها فتحترق ويحترقون ويتصاعد الدخان حين يصل الى عنان السماء... ثم تنفجر الارض فيسمع سكان الكواكب دويا هائلاً ويرون نارا مستعلة فيترحمون على زملائهم سكان الارض..
وقد دعم المنجمون هذا الكذب الظاهر بأدلة (علمية)، فزعموا ان الارض تكون في يوم 18 أيار سنة 1910 قريبة من دورة احد المذنبات، ولما كانت مغناطيسية هذا النجم أقوى من مغناطيسية الارض فأنه سيجذب الارض فتصطدم به وتحترق..
وقد قام علماء الفلك في انحاء الارض كافه لتسفيه هذا الزعم، واصدروا البيان تلو البيان شارحين حقيقة المسألة، ولكن جهودهم ذهبت ادراج الرياح، فقد صدقت الجماهير المنجمين ولم تحفل ببيانات الفلكيين والواقع ان المذنب الذي جعل المنجمون خاتمة الارض عند اصطدامه بها يقترب من الارض مرة كل 75 عاما ثم يبتعد عنها دون ان يؤثر في دورانها حول الشمس.
وقد ثبت ان الارض كانت تنجو من تهديدات هذا النجم في كل مرة يقترب فيها فكيف يجتذب الارض ويحطمها في هذه المرة؟!
المنجمون القدماء
ولكن.. عقلية الجماهير لاتقبل الادلة العلمية، وقد كانت هكذا من قديم الزمان، فقد حدث ان اقترب النجم من الارض في عهد الامبراطورية الرومانية، فزعم منجم روماني ان القيامة ستقوم، وذهب الى الامبراطور وناشده ان يسترضي الالهة حتى تصفح عن الارض وساكنيها.. ولكن الامبراطور لم يحفل به وسخر من مزاعمه وسفه آراءه، فخرج المنجم من القصر ناقما على ساكنيه وذهب الى الفورم (سوق روما) وخطب في الجماهير حاثاً اياهم على الاستعداد لليوم الرهيب، ووصف لهم ما سيحدث عند اقتراب النجم من الارض، وكيف ان الارض ستصبح آكاما من الحجارة والاشلاء. فأثر في عقول البسطاء الذين صدقوه وهرعوا الى المعابد يقدمون القرابين ويسفحون الدمع الغزير على اقدام الالهة ثم انتابتهم نوبة من الجنون الوقتي فمشوا في الطرقات وكأن على رؤوسهم الطير، وراحوا ينتظرون الخاتمة بقلوب واجفة وعيون زائغة!
وقد حدث مثل هذا في بلاد اليونان وفي بابل وآشور، حتى مصر الفرعونية لم تنج من تلك الاباطيل التي يزجيها المنجمون للجماهير الساذجة.
فاذا انتقلنا من العصور القديمة الى القرون الوسطى رأينا شعوبا تعيش في ظلام دامس وتتسلط على عقول ابنائها الخرافات والخزعبلات. وقد قرأنا لأحد شعراء القرون الوسطى شعراً في نهاية العالم، وقد حدد لها الشاعر يوماً بالذات زعم ان القيامة ستقوم فيه، وأن الارض ستصبح هباء منثوراً، وأن الناس سيموتون في دقيقة واحدة ثم تصعد أرواحهم الى الافلاك العليا لتعيش فيها.
وكان للناس في القرون الوسطى ايام في كل سنة لايخرجون فيها من منازلهم ولا يقومون بعمل من الاعمال، لان الارواح الشريرة كانت تحوم حول الارض وتختطف من تراه خارج منزله.. وقد زعم المنجمون ان القيامة ستقوم في احد هذه الايام المشؤومة..
اما هذا المذنب –مذنب سنة 1910- أو مذنب "هالي" فقد كثر حديث الناس عنه، وذكره كثيرون من عظماء الامم وشعرائها وكبار باحثيها، وهو نفس المذنب الذي عناه أبو تمام بقوله:
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة
اذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

بلاهة.. جنون..
ولنعد الان الى يوم 18 أيار سنة 1910 ذهب أحد الصحافيين في ذلك اليوم الى الجنرال بالنجتون بوث قائد جيش الخلاص السابق وطلب اليه الادلاء بحديث في شأن اراجيف المنجمين، فقال الجنرال انه يصدق اقوالهم وان الارض ستغمرها المياه فتغرق سكانها، ثم تجتاحها النيران فتأكل الاخضر واليابس ولا تبقي شيئا.. وقد ابتسم الصحافي لما سمع هذا الحديث الغريب من رجل عظيم واسع الثقافة، وظن انه يمزح ولكنه اضطر اخيراً الى ان يصدق ان الجنرال جاد في قوله وانه مصر على نشر حديثه في الجرائد الامريكية!
***

وحدث في مقاطعة أوهايو الامريكية حادث لعله أعجب ما حدث..
كان يوم 18 أيار سنة 1910 يوم الانتخابات في هذه المقاطعة، وقد ظل الخطباء يخطبون ويمنون انفسهم بالنجاح والجلوس في مجلس نواب المقاطعة، حتى سمع الناس النبأ الرهيب وصدقوه، وفي اليوم التالي لوصول هذا النبأ ذهب الخطباء الى نواديهم ليخطبوا كالعادة فدهشوا لخلو النوادي من الجماهير المستمعة وتبين اخيرا ان الناس شغلوا بيوم القيامة عن الاستماع الى الخطب الحماسية والعبارات الجوفاء.. ومن أطرف ما روي عن هذه الواقعة ان فلاحاً مسناً من فلاحي المقاطعة ذهب الى احد النوادي فرأى فيه خطيباً ينتظر قدم منتخبيه بفارغ الصبر، فتقدم اليه وهمس في أذنه قائلاً :"يابني.. اسمع نصيحتي فهي نصيحة شيخ مجرب.. عد الى منزلك وتناول الكتاب المقدس واقرأ فيه وصل لله في خشوع فقد دنت الخاتمة"، وقد اضطرت حكومة المقاطعة، ازاء هذا الجنون الاجماعي ان تؤجل الانتخابات الى مابعد يوم القيامة!
ومما قرأنا في الصحف الامريكية التي صدرت في الصحف الامريكية التي صدرت في هذا اليوم (الرهيب) ان الحكومة اتخذت الحيطة وبعثت الجنود المسلحين ليحولوا دون ثورة الاهالي او اتيانهم اموراً شاذة..

التجار يستغلون الجماهير
كان هذا شأن الجماهير الساذجة.. اما التجار فقد استغلوا هذه السذاجة واتخذوها اداة للربح الوافر. من ذلك ان مدير احد المسارح علق على باب مسرحه لوحة كتب عليها بحروف بارزة تلفت الانظار : "هنا يكون الناس في مأمن من الغازات الخانقة" فكانت النتيجة ان تدفقت الجماهير على بابه واشترت المقاعد باجور باهظة ليستنشقوا الاوكسجين عند قيام الساعة وتصاعد الغازات الخانقة!
وعلق تاجر نظارات مكبرة لوحة كبيرة على بابه وكتب عليها :"اشتروا النظارات المكبرة لتروا النجم المذنب وهو يدنو من الارض ويحطمها" فاشترى الناس نظاراته ووقفوا كالبلهاء في الطرقات وظلوا يرقبون سير الافلاك حتى بزغ الفجر ثم طلعت الشمس.
***

وأخيراً.. أنقضى اليوم (الرهيب) دون ان تقوم القيامة، فكانت (كسفة) عالمية لا نظير لها