جرائم الإبادة الجماعية الصامتة في كتاب الصمت

جرائم الإبادة الجماعية الصامتة في كتاب الصمت

أوراق
نتيجةً لجرائما الإبادة الجماعية التي شهدها المجتمع الكردي من قبل الأنظمة السابقة ولما سببته من مخلفات ألم على المجتمع البشري نجد أن الأمم المتحدة اهتمت بالخطر الذي تسببه الابادة الجماعية على المجتمع البشري ساعية بذلك لصياغة مبادئ وأطر قانونية لتعريف هذه الجريمة ويمكن من خلال ذلك التأسيس على تلك القوانين والرجوع إليها في تحديد صيغة الأحكام.

هذا ما جاء به كتاب"الصمت، الإبادة الجماعية في كردستان العراق"للكاتب محمد احسان والذي صدر عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون، حيث تضمن توضيحات لجرائم الإبادة الجماعية واضعاً لها الحدود والأُطر والعقوبات ومقدماً لها دراسة من الناحية الحياتية والإجتماعية والتأريخية.
من خلال عرض الجذور التاريخية لجرائم الإبادة الجماعية ذكر الكاتب أن هذه الجرائم عدت من أسوأ الجرائم أخلاقياً وقانونياً ضمن الجرائم التي إرتكبتها الحكومات بحق شعوبها.
وأوضح الكاتب أن جرائم الإبادة الجماعية لا يمكن أن تنتهي لعلاقتها بطبيعة الأنسان وخصائصه النفسية العدوانية وفرص البعض من اصحاب هذه الخصائص في المجتمعات المتخلفة على وجه الخصوص بالوصول الى السلطة واحتمالات استغلالها في ارتكاب جرائم إبادة جماعية ترويحاً عن معاناة نفسية غير طبيعية ومع هذا فإن تصنيف الابادة الجماعية قانونيا، وتقديم مرتكبيها الى المحاكم الدولية وهذا سيحد من احتمالات وقوعها من جانب وسيقلل من الخسائر الحاصلة بسببها من جانب آخر على اقل تقدير.
ومن خلال عرض الآثار الجانبية لجرائم الإبادة الجماعية الصامتة ذكر الدكتور محمد احسان أن النظرة الى الارض بهذا المنظار التعسفي المنحاز جاءت لأن الدكتاتور في الاساس لا يعير اهتماما للانسان الموجود على الارض بل يولي كل الاهتمام الى الارض التي هو عليها، وأن ما يقوم به القائد من تهجير وتطهير للسيطرة على الأرض كجريمة ابادة جماعية يأتي في الغالب لدوافع نفسية، لأن الوطن القومي في مخيلته كبير، وهو يريد تكبيره واقعيا من خلال ضم المزيد من الاراضي المستولى عليها بالقوة الى جغرافيته لإضفاء صفة العظمة على هذا الوطن وعلى من قام بتوسيعه.
درس الكتاب فلسفة البعث واساليبه المتبعة فيما يخص جرائم الإبادة الجماعية، حيث وضع الحزب اهدافه في بدية تأسيسه عام 1947 ورغم أن هذه الاهداف جاءت في وقت كان المد القومي التحرري في المنطقة العربية على أوجه بمعنى أن الحزب الذي يريد النجاح وسط ذلك المد عليه أن يطرح أهدافاً تفضلها الجماهير المنفعلة وهي على وجه العموم هذه الاهداف التي لم يتركها الحزب محبوسة في اصداراته الادبية وتداولاته الثقافية والسياسة وعمل على تعزيز وجودها ونهجها في تفكير الأجيال العراقية كما حاول ترجمتها إلى الواقع التطبيقي من جانب آخر.
كانت للدولة البعثية قدرة كبيرة في إنكار حصول جرائم الإبادة الجماعية وقد نجحت في إنكارها ما أضر كثيرا بمكونات المجتمع العراقي ومن بينهم الكورد، وكل نجاح حدث لهذه الحكومة دفعها لتكرار جرائم أخرى أشد وطأة وأكثر سعة من سابقاتها.
أما فيما يخص الكورد وجرائم الإبادة التي واجهتهم بعد أن تحدد وضع الكورد السياسي ضمن الدولة العراقية اثر ضم ولاية الموصل عام 1925 توجه الكورد بدلا من السعي إلى اقامة دولتهم الكوردية صوب المطالبة بحقوقهم القومية ضمن محيط هذه الدولة التي أكدت معطيات استحداثها على أن يكون فيها للكورد حكومتهم المحلية وأن تكون لغة مناطقهم الرسمية هل اللغة الكوردية ومناهج الدراسة في مدارسهم بهذه اللغة وأن يتعامل معهم أبناء القومية الأخرى تعاملا متساوياً.
وهذا كان سبب الصراع والصدام بين المركز والساسة الكورد وهنا بدأت التفاوضات بين الجابنين، إلا أن ثقافة استخدام القوة والتفرد باستخدامها طوال عقود مضت انتجت قسوة لدى القادة الاداريين والسياسيين والمنفذين العسكريين ورجال الامن والحزبيين في التعامل مع الكورد وأن النفس القصير للحكومات المتعاقبة وعدم ايمانهم بالحلول السلمية والمنطقية وغياب الاستراتيجيات الفاعلة في إدارة الصراع بينها من جهةوالكورد من جهة اخرى كل هذا جعلها تلجأ للحلول العسكرية القاسية سبيلا لتأمين الغاية المتوخاة لانها تحاول تضمين وتأمين تجاوز معطيات الحاجة الى الجهد الفكري غير الميسور في عملية ادارة الصراع وتبرير التقصير في مجالات الادارة والسياسة على مستوى الدولة وتوفير اجواء مناسبة للحاكم تعينه على السيطرة على المجتمع .
ونتيجة لإصرار الكورد على اخذ حقوقهم زادت القسوة التي اتبعها النظام في العراق متحولة الى مقابر جماعية والتي أكتشفت بعد 2003 والتي كانت دليلا واضحا وكافيا على ارتكاب النظام لمجازر الإبادة الجماعية.
وهنا بدأ ترتسم ملامح الخطى الاولى للحيلولة دون تكرار جرائم الابادة الجماعية في العراق، فالمجتمع العراقي الذي حكم بقوة السلاح وباساليب البطش طوع تماما وبات انسانه خائفا من السلطة مصفقا لها مؤيدا لافعالها بل بعض منه شارك في جرائمها.
فالواقع المحلي والمحيط الاقليمي والعالمي حصلت فيهما جرائم ابادة جماعية وعلى وفق المعطيات اعلاه يمكن أن ترتكب مرة اخرى مما يعطي موضوع الحيلولة دون ارتكابها مرة اخرى اهمية وعلى اساس ذلك ينبغي الاخذ بنظر الاعتبار ان معاودة ارتكاب نفس الفعل السليي مرهون بالتعريف على اثاره الضارة ومعاقبة مرتكبيه وازالة الاثر السليي الذي تركه على البيئة التي حصل فيها.