حوار مع أمبرتو ايكو:في بعضِ رواياتي استخدمتُ التاريخ لخلقِ الأدب

حوار مع أمبرتو ايكو:في بعضِ رواياتي استخدمتُ التاريخ لخلقِ الأدب

ترجمة فهيمة جعفر
أمبرتو إيكو كاتبٌ مشوقٌ للقارئ الذكي، شهيرٌ بالحبكةِ المعقدةِ والتفاصيل الغامضة التي يودعها ألغازه التاريخية. نظراً لخلفية إيكو السيميائية والفلسفية الواسعة، ليسَ من المفاجئ أن تستمد كتبه ثيمتها من هذه المجالات المعرفية، غير أن المذهل هو جاذبيتها المنتشرة. كتبه، المترجمةُ إلى عشرات اللغات والمقروءة عالمياً، تشملُ الرواية الملغزة الأكثر مبيعاً "اسم الوردة" (1980)

التي تدور حول جريمة قتل، ورواية نظرية المؤامرة التجارية "بندول فوكو" (1988)، وحديثاً رواية التشويق النفسي "الشعلة الغامضة للملكة لوانا" (2004).

أما روايته الملغزة التاريخية الأخيرة "مقبرة براغ"، فها هي تشعلُ جدلاً بين القراء الأوروبيين بسبب تصويرها الجرئ لشخصيةٍ معادية للسامية، الشخصية الخيالية الوحيدة في الرواية وسط حشدٍ من شخوصٍ تاريخية من القرن التاسع عشر. يعملُ الكابتن الفاسق سيمون سيمونيني كمزورٍ خبير وعميلٍ سريٍ لعلهُ المسؤولُ عن "بروتوكلات حكماء صهيون"، النص المزيف ونظرية المؤامرة التي خدمت أدولف هتلر لاحقاً كتبريرٍ للهولوكوست. يشاركُ الكاتب والفيلسوف الإيطالي موقعَ "غُودرِيدز" أفكارهُ حول تأليفِ بطلٍ وضيع.
غودريدز: يتمركزُ مفهوم الكراهية في قلب "مقبرة براغ". ما الذي ألهمكَ استكشاف الكراهيةِ كثيمةٍ في رواية؟
أمبرتو إيكو: يمكنني القول إن ثمة وفرةً من الروايات المكرسةِ للحب وحان الوقتُ لشرحِ الكراهية، التي هي شعورٌ منتشرٌ أكثر من الحب (وإلا ما كان هناكَ حروبٌ أو جرائم أو سلوكٌ عنصري). الحبٌ علاقةٌ انتقائية (أنا أحبك وأنت تحبني وبقيةُ العالم مستثنىً من هذا الشعور)، في حين أن الكراهية عامة، اجتماعية: يمكنٌ لجماعةٍ من الناس أن تكره أخرى، لذلك يطلبُ الدكتاتوريون من أتباعهم الكراهية (لا الحُب)، ليحفظوا شملهم. وحيثُ أني قضيتُ طفولتي تحت دكتاتوريةٍ فاشية، أتذكر أني كنتُ أُلقَن دائماً كراهية بلدٍ آخر - الفرنسيين، الإنجليز، الأمريكيين - وأٌشجَع على محبة موسوليني فقط. لحسن الحظ لم يُجدِ هذا النوع من التعليم، ولهذا كتبتُ "مقبرة براغ".
غودريدز: يتسارعُ انتشار المعلومات على شبكة الانترنت. مقارنةً بالقرنِ التاسع عشر، هل تظن أنه بات من الأسهل أو الأصعب تقرير الخطأ من الصواب؟ هل يمكنُ لنصٍ كـ"بروتوكلات حكماء صهيون" أن يكون ذا تأثيرٍ في أيامنا؟
أمبرتو إيكو: للأسفِ إنه فاعلٌ في أيامنا هذه أكثر مما مضى: يكفي أن تدخل الانترنت لترى كم المواقع المكرسة للنقاش العنصري. كما يستحيل على متصفحٍ ساذجٍ للانترنت تمييز الحقيقة مما يقال. من الأفضل للشباب أني يقرؤوا روايتي ليعرفوا كيف هو التزوير. تنتشرُ البروتوكلات بشكلٍ واسعٍ في العالم العربي، لكن يمكنك أن تجدها في العديد من المكتبات الغربية أيضاً. مما يعني وجود جمهورٍ دائمٍ لها.
غودريدز: الكابتن سيمون سيمونيني، الشخصية الرئيسة في روايتك، رجلٌ حاقدٌ وبغيض. ما مخاطر وضع بطلٍ مضاد في قلبِ حكايتك؟
أمبرتو إيكو: لأن سيمونيني يمجدُ أفكاراً خطرةً وكريهةً للغاية كان من الضروري أن أجعلَ منه كريهاُ بالقدرِ ذاته. هل كان الحل محفوفاً بالمخاطر؟ خفتُ أول الأمر أن يكون كذلك. غير أن الإحصائيات أقنعتني وما زالت تقنعني أن عدداً كبيراً من القراءِ في بلدان مختلفة قبلوا اللعبة. إلى جانب ذلك، تاريخ الأدب يضم عديداً من الشخصيات السلبية. خذ، على سبيل المثال، ريتشارد الثالث، مكبث، إياغو.
غودريدز: بدأت الكتب الرقمية في توزيع تعريف "الكتاب" ليشملَ الوسائط المتعددة، تفاعل القارئ، وإبداعاتٍ أخرى، كما ناقشتَ في كتاب "هذه ليست نهاية الكتاب"، المؤلَف مع جان-كلود كارييه. هل يمكن تطوير الكتاب التقليدي ؟
أمبرتو إيكو: ما نقولهُ أن الكتاب (الورقي) ما زال أفضل وسيلةٍ لتبليغ المعلومة. أنا أستخدمُ الحواسيب والآيباد، وأعتقدُ أنها نافعةٌ لأغراضٍ عديدة لكنها غير قادرة على استبدال الكتاب. كما أن التصوير لم يجعل الرسمَ مهجوراً.
غودريدز: يتساءلُ عضو غودريدز Nigel-s : "توجدُ صفةُ إحالةٍ ذاتية أحبها تتكررُ في جميع أعمال السيد إيكو تقريباً - كتبٌ تتحدثُ عن كتب، شخصياتٌ هي راويةٌ غير موثوقة تدفعُ أو تشجع القارئ على مسائلة الحكاية، والراوي، والمؤلف، وحتى مساءلة أنفسهم أحياناً. أودُّ لو يعلقُ على هذه الملاحظة ولعله يطلعنا على نوعية القوائم، أو قوائم القوائم، التي أعدها خلال تأليف هذا الكتاب".
أمبرتو إيكو: كانت قائمةً ضخمةً من نصوص القرن التاسع عشر، رسائل ضد السامية، منشورات ضد الماسونية، كراسات ضد اليسوعية، وغيرها. على سبيل المثال، تمكنت من إستعادة العدد الهائل من الكتب التي نشرها "ليو تاكسيل"، شخصيةٌ يظن العديد من القراء أني اختلقتها إذ إنها غير معقولةٍ جداً، في حين إنه وُجد حقاً وأدى دوره كما أتى في روايتي.
غودريدز: يستاءلُ عضو غودريدز "سربلنت سنغن" : "أود معرفة ما إذا كان السيد إيكو يعتقدُ أنه يستخدم التاريخ لخلق الأدب أم يستخدم الأدب ليشرح التاريخ؟ هل التاريخ علمٌ حي؟"
امبرتو ايكو : في بعضِ رواياتي (مثل باودولينو) استخدمتُ التاريخ لخلقِ الأدب، لكن في "مقبرة براغ" استخدمتُ الأدب لسرد الحقيقة التاريخية، لكشف النقاب عن تزويرٍ تاريخي.
غودريدز: صِف يوماً نموذجياً تقضيه في الكتابة. هل لديك عاداتٌ كتابية غريبة؟
أمبرتو إيكو: قد يحدثُ أن أتمكن من الكتابة في قطار، أو أتخيل أني سأكتب لاحقاً وأنا أقوم بأداء أمرٍ آخر. العادة العامة هي أن أجمع موادَ وأفكاراً حين أكون في المدينة، ثم أقوم بكتابتها حين أكون في الريف خلال الشتاء أو الصيف.
غودريدز: من الكتّابُ أو الكتبُ أو الأفكار التي أثرت فيك؟
أمبرتو إيكو: لو أني تأثرتُ بكاتبٍ واحدٍ لكنتُ غبياً. المرء يتأثر بمؤلفين مختلفين في فصول مختلفةٍ من حياته. هذا هو النضجُ العقلي. إضافةً لذلك، كانت إجابتي ستختلفُ لو سألتني عن فلاسفةٍ أو روائيين أو شعراء. إجابةً على السؤال دعني أعطي اسمين، جويس وبورخيس.
غودريدز: ما التالي بالنسبة لكَ ككاتب؟
أمبرتو إيكو: أرجوك، سأبلغ الثمانين خلال شهرين. دعني أفكر في مشاريع جديدة ثم اطرح السؤال ثانيةً في عيد ميلادي التسعين.