وراء الكواليس !

وراء الكواليس !

محاولة جديدة
محاولة جديدة لانقاذ المسرح المصري والنهوض به، مصدرها هذه المرة وزارة المعارف لا وزارة الشؤون، فمعالي الدكتور طه حسين بك يفكر في انشاء فرقة نموذجية وفكرته في انشائها تخالف الفكرة القديمة في تأليف فرقة نموذجية من خريجي معهد التمثيل.. ان فكرة الدكتور طه هي ان تكون الفرقة نموذجاً حقاً.. تضم خيرة عناصر الممثلين والممثلات الكبار والنخبة الممتازة من خريجي معهد التمثيل..

ولا تكون هذه الفرقة نموذجاً في تأليفها فقط وانما ستكون نموذجاً في برامجها، فهي لن تقدم مسرحيات "اولاد الشوارع" ولا "يناقص واحد " او "شارع البهلوان" وانما ستقدم روائع المسرح الكوميدي والدرام.
وتبدأ حركة تكوين هذه الفرقة بحل الفرقة المصرية الحالية ووضع ممثليها وممثلاتها امام الامر الواقع.. والامر الواقع هو احد اثنين. الانضمام الى الفرقة النموذجية او الانضمام الى يوسف وهبي بك الذي ستظل ادارته للفرقة المصرية على ان ينفرد بتقديم لونه المعروف لجمهوره بالذات.. وليوسف بك جمهوره الذي لا يتخلى عنه والذي ستتخلى عنه الفرقة النموذجية عن طيب خاطر.
واذا تم هذا المشروع فسيكون امامنا فرقتان تستطيعان ان تقدما للجمهور المصري بشطريه المسرح الذي يطلبه وسيكون من المنطق عندئذ ان تعمل فرقة يوسف بك على مسرح الازبكية وتعمل الفرقة النموذجية على مسرح دار الاوبرا الملكية فتحيي موسما يستطيع ان يقف على قدم المساواة مع مواسم الفرق الاجنبية بما سوف يتوافر له من كفاءات وما ينتقي له من مسرحيات واذا كان من الحق ان الفلاح والعامل هما من دافعي الضرائب فان من الحق ايضا أن المتعلم والمثقف هما من داعي الضرائب ولهما الحق ايضا في ان يقدم لهما المسرح الذي يروقهما وما من شك ان طه حسين بك اقدر من يحكم على ذوق المثقفين والمتعلمين.
محضر تحقيق
عادت الفرقة المصرية من رحلتها الى المغرب وبدأت تنشر غسيلها، ولا تستطيع ان تحكم على درجة نظافته لكثرة ما نسمعه من آراء.
يوسف بك وهبي من ناحية يقول ان الرحلة كانت فتحا يتضاءل معه فتح طارق بن زياد ويذكر بالخير مالقيته الفرقة من تشجيع مادي وادبي حتى انه يفكر في العودة من جديد الى المغرب في القريب العاجل.
ومن الناحية الثانية يقف فريق من الممثلين وعلى رأسهم الاستاذ زكي طليمات المدير الفني للفرقة ينحون باللائمة على يوسف بك وعلى سياسته وعلى معاملته وعلى سوء اختيار المسرحيات، وعشرات من الاتهامات.
اما زكي طليمات فهو لا يزيد ان يتكلم وان كان قد اثار الموضوع امام لجنة ترقية المسرح في الاسبوع الماضي..
واما الممثلون والممثلات فهم يتكلمون في كل مكان، وقد قدم سعيد خليل الممثل بالفرقة تقريرا بما حدث في الرحلة او صح ماجاء فيه او جبت محاكمة المسئولين عن هذه الرحلة..
ولا اريد ان اسرد هنا اتهامات بناء على ما يقوله افراد الفرقة ولا ان احرق البخور تحت قدمي يوسف بك استناداً الى ما يقوله هو ولكن اريد ان اسأل المسئولين الا يستحق بعض هذه الاتهامات او هذا الثناء تحقيقا دقيقا؟..
فاذا كان يوسف بك قد رفع رأس مصر عاليا فيجب ان تقطع الالسنة التي تنال من رجل في مثل بطولته، واذا كان قد خفض هذا الرأس ولونه.. وهو ما تعنيه هذه الاتهامات فيجب ان يوقف عند حده.
واذا كان الثناء ان يشير المسئولين للتحقيق فاني اعرض هنا اتهامين من السهل التأكد من صحتهما او كذبهما على من يريد التحقيق.
يقول افراد الفرقة ان يوسف بك قد التمس بنفسه الانعام بنياشين على المتعهد اليهودي للفرقة وعلى كاتب الحسابات والملقن والمتعهد اليهودي الجزائري!.
ومقابل هؤلاء اهمل ستة من الممثلين والممثلات والمفروض ان الانعام بنياشين يأتي بناء على كشف تقدمه الفرقة.. فهل فعل يوسف ذلك!
ويقولون ايضا ان يوسف وقف في حفل رسمي يخطب فقال "لا تظنوا اني مصري.. ان جدي من سلالة تونسية.. وامي جزائرية فانا مغربي لحما ودما".
وارادت احدى ممثلات الفرقة ان ترد عليه فمنعها زملاؤها خشية الفضيحة، فهل فعل يوسف ذلك هذان اتهامان يمسان السمعة المصرية والى جانبهما عشرات الاتهامات لا نريد ان نخوض فيها وانما ندعها للجنة تحققها وبعضها لا يمكن ان ينشر على صفحات مجلة.. وبعضها يحتاج الى دراسة ارقام وحسابات..
وبعد..؟
فيبقى ما لا يحتاج الى تحقيق او اتهام.. يبقى ما ينطق باتهام واضح لا يوجه الى يوسف بك وحده وانما يوجه ايضا الى لجنة ترقية التمثيل.
أمامي الان عدد ضخم من صحف المغرب تتحدث عن رحلة الفرقة المصرية وانا اعرض للقراء واللجنة معا ما قالته عن روايات الفرقة التي ذهبت بها لتعرض روائح الفن على الاقطار الشقيقة قالت في رواية سر الحاكم بأمر الله "وزاد حسن ظننا بهذه المسرحية قبول الفرقة المصرية لها ولكن عندما رفع الستار عن الفصل الاول اخذ ظننا يتضاءل وما انتهينا للفصل السابع حتى كانت خيبة الظن عظيمة".
وقالت عن تمثيل الرواية "قام به الاستاذ يوسف وهبي والعذر واضح اذا كنا لا نطمع بمشاهدة شخصية الحاكم صافية فتختلط علينا احيانا بشخصية رأسبوتين واخرى بشخصية الكردينال ويتخلل ذلك شخصية بيومي افندي.. وان كان من فضل في هذه السهرة فهو لامينة رزق" وقالت عن رواية الولدان الشريدان. كان الاقبال على هذه الرواية المعروفة كبيراً.. الا ان التمثيل لم يكن موازيا لهذا التقدير حيث ظهر الكثير من الممثلين غير مستظهرين لادوارهم وملك عنان القيادة الملقن فكان هو الذي يأمر وينهى".
وقالت عن "سفير جهنم". "وكم لاقينا من عنت السجع ونحن ممن شن الغارة على سجع الحريري فابتلينا بسجع ملعون والخاتمة كانت منامة".
وقالت عن "المائدة الخضراء" "كانت الرواية عبارة عن قصة مؤلمة لا رواية تمثيلية.. ثم وصفت احد مواقف الرواية قائلة : "وهو مالا يستسيغه العقل ولا الذوق".. ثم قالت عن التمثيل: "لقد كان يوسف بك ممثلا عاديا وحتى اقل من العادي في الفصلين الاولين".
وقالت عن بيومي افندي: "الاب ليبونار مسرحية فرنسية من نوع المسلاة".. وتجاهلت تماما انها من تأليف يوسف بك!!
وعن كرسي الاعتراف: "لا يتذوقها إلا مسيحي انطبعت في نفسه قدسية غفران الكهنوت ولست أفهم معنى لاختيار فرقة قومية لبلد مسلم لهذه الرواية لتقدمها لشعب مسلم".
وقالت عن اولاد الفقراء: "لا يجد المشاهد في كل حوادثها الا الضعف والتفكك وتبلغ السخافة حدها بتوارد الصدف في لحظة واحدة".. وفي الفصل الثالث تقول : "اجتمع عليه ضعف التأليف وبرود التمثيل وتفاهة الاخراج".
و.و. ووضفت احداها مناظر الفرقة بانها اقل قيمة واقل لباقة لبعض الروايات من المناظر التي تحتفظ بها المسارح البلدية بهذه الاقطار.
هذا هو ما تقوله صحف الاقطار الشقيقة، او بعضها.
فيه طعن على ذوق الروايات وسوء اختيارها وفيه حكم ان لم يكن عاما عليها.. فهو على الاقل وجهة نظر هذه البلاد اليها.. ان الاتهام في هذه الحالة موجه الى الذين وافقوا على ان تعرض الفرقة هذه المسرحيات.. وليس اتهاما صغيرا ان يقال اننا ارسلنا الى جيراننا عينات رديئة.. وان تقول احدى هذه الصحف.. وهي صحيفة تونس بالحرف الواحد: "فقرضت باريز على الاستعمار هنا ان يقبل الفرقة المصرية ويدفع لها 7.000.000 سبعة ملايين فرنك مقابل عشر حفلات واحذروا في غربلة الروايات من كل روح نخوة عربية او مجد اسلامي او عاطفة تحررية".
هذه هي الرحلة... رحلة رفع رأس الفن المصري في الاقطار الشقيقة..


آخر ساعة/ نيســـان- 1950

ذات صلة