باسترناك  وستالين  والدكتور جيفاكو

باسترناك وستالين والدكتور جيفاكو

ترجمة عادل العامل
قالت الشاعرة الروسية مارينا تسفيتيفا ذات مرة إن بوريس باسترناك كان يبدو شبيهاً بعربي و حصانه. وفي الثلاثينيات كان هناك كارتون سوفييتي يصوره كأبي هول طويل الفكّين، و براثنه مكوّرة على منضدة قراءة كنسية. و كمتحدث عام فإنه كان غير مفهوم. و نتاجه صعبٌ على الترجمة كما هو مشهور بشكلٍ سيء.


و في أيامه الصعبة على نحوٍ متزايد، أصبح من الأكثر أمناً له أيضاً أن لا يُفهم بسهولة. فعندما راح ستالين يُفزع الحياة خارج محيطه بمكالمة تلفونية « ودية « عند منتصف الليل ــ حسَنٌ؟ ما الذي يمكنك قوله عن قصيدة ماندلستام Mandelstam>s تلك؟ ــ ردَّ باسترناك بمناقشة تأملية لما كانت، بالنسبة له، القضية الأساسية لحق الإنسان في ما يتعلق بالحياة و الموت. و كان ذلك يحمل بعض المخاطر له مع الطاغية القاتل. و لحسن الحظ، لم يكن لدى ستالين ما يكفي من الصبر لفهمه، و قطع المكالمة. هذه المرة، كان الحكم على تلك القصيدة المضادة لستالين شكلاً لطيفاً من النفي ــ لكن في تطهير عام 1937 الكبير كان واحداً من 44,000 المقرر تصفيتهم. و إلى جنب اسم باسترناك، خربش ستالين أمراً على نحوٍ يحسّن سمعته"لا تمسّوا ساكن السحاب هذا"!
كما أن عمل ياسترناك الفكري صعب لأن توجهه العقلي معقد، و ترابطي على نحوٍ مثير للعواطف synaesthetic and polysemous. و معجم مفرداته واسع بشكل استثنائي، و فكره له طلعة ميتافيزيقية واضحة.
و هو يخبرنا أن يوري زيفاغو كان يحلم، منذ أيام المدرسة، بتأليف"كتاب انطباعات عن الحياة يُخفي فيه، مثل عصي الديناميت، أكثر الأشياء إثارةً للدهشة التي رآها حتى ذلك الوقت". فكان"دكتور جيفاكو"ذلك الكتاب. و كان محزوماً بالديناميت و قد انفجر في وجهه.
لقد كان باسترناك أول كاتب في النظام السوفييتي يجرؤ على نقل الحقيقة المتعلقة بتاريخ روسيا الحديث. ففي مدة 40 عاماً قاسى الروس من جيله أهوال حربين عالميتين؛ وثلاث ثورات؛ و حرب أهلية و مجاعة؛ و كوارث جماعية؛ و حملات تطهير المفكرين و المثقفين، و القوات المسلحة، والنخبة السياسية السوفييتية و الكولاك. جوع، و أكل لحم البشر، و قتل، و انتقامات، و مذابح مشرعَنة ــ و لا شيء يوجز هنا في خصوصية الرواية المتماسكة. و تنتهي بـ (ذوبان كروسكيف)، و هو احتفال تجريبي بـ"حرية جديدة للروح"مجسدةً في الكتاب الذي كتبه زيفاغو قبل موته.
و قد أحبطت آمال باسترناك حين سُحبت الطبعة الروسية من (زيفاغو) من المطبعة السوفييتية. و في عام 1958، صادف نشرها في الغرب جائزة نوبل، التي مُنحت لباسترناك على إنجازاته الشعرية و عمله"في التقليد الملحمي الروسي العظيم"، رابطين بوضوح (دكتور جيفاكو) برائعة تولستوي (الحرب و السلام). و كان رد الفعل السوفييتي على ذلك اعتبار باسترناك خائنا! فطُرد من اتحاد الكتّاب، و سُلب رزقه، و جرى تشويه سمعته في الصحافة. و قد رفض أن يسعى إلى منفىً في الغرب، ورفض جائزة نوبل. و توفي في غضون عامين من ذلك.

عن / The Guardian