لو ادرك الارهاب غايته

لو ادرك الارهاب غايته

للشيخ احمد حسن الباقوري
وزير الاوقاف
لكل موقف من مواقف الجد رجل يسميه الناس سيد الموقف، ويتلفتون اليه، ينشدون فيه بطولة فائقة، او رجولة خارقة او رأياً رشيدا، او قولا سديداً واذا كان جمال عبد الناصر في هذه المحنة التي اجتازتها البلاد، هو سيد الموقف من ناحية ثبات القلب، وشجاعة التصرف، فان المرحوم الشاعر أحمد شوقي يمكن ان يكون سيد الموقف من ناحية التصوير الدقيق لمثل هذا الموقف من مواقف المحن، في شعره الذي يقول فيه:


وفي الارض شر مقاديره
لطيف السماء ورحماتها
ونجى الكنانة من فتنة
تهددت النيل نيرانها
لقد وقى الله البلاد الشر، ونجاها من فتنة، كانت ستأكل الاخضر واليابس، وتشقى المذنب والبرئ وتصرخ بصوتها الاجش في كل سمع، وتتراءى بصورتها الدامية في كل عين وتنال بخرابها ودمارها كل مكان.. وليس يستطيع تصور هذه الفواجع على ما ينبغي لها الا اولئك الذين عاشوا من طريق الدراسة، والبحث التاريخي في عصور الدول المتتابعة التركية، ورأوا كيف كان الطريق الى الحكم مفروشا بالسلاح المحطم، والدم المراق، وكيف كان كرسي الحكم قائما في الشعب على عمد واهنة من المرض المتفشي، والجوع القاتل، والامن المسلوب.
فرضان لا ثالث لهما
ان الذي يقرأ قضية الارهاب ملخصة يدرك في يقين ان الحكم لو ادرك الارهاب غايته، ما كان ليستقر لطائفة في الامة مهما كانت قوتها، ومهما كانت الوسائل التي تعتمد عليها في الداخل او في الخارج، وليس هناك الا فرضان لا ثالث لهما: فاما ان يحكم الارهاب حكما سافراً باسم الاسلام، واما ان تحكم حكومة تحت وصاية الارهاب على نفس القواعد الراهنة، وبنفس المنهاج القائم.
فاذا حكم الارهاب فان امم الارض سوف تتحاشى التعامل معه، وتنفر منه، وتشيح بوجهها عنه، ونتيجة ذلك تعطل الاسواق، وهروب رأس المال، وتعرض الشعب لنزوات فردية، يتحكم بها كل ارهابي في مصير الشعب، ومقدراته جميعاً.
سيقول الارهابي لنفسه: ان خروج المرأة حاسرة الرأس عمل لا يقره الدين، ولهذا فلا بأس ان يفكر في اصدار تشريع يحرم به على المرأة ان تخرج من بيتها الا على الصورة التي يختارها هو.
وسيقول الارهابي لنفسه: ان دور اللهو من المسارح والسينما عمل لا يرضى عنه الشرع، ولهذا فلا بأس ان يفكر في اصدار تشريح يحرم ارتياد المسارح والسينما، وهكذا كل المظاهر الاجتماعية التي تحيا فيها الامة، وتتشابك حياتها مع آخرين وافدين اليها من كل الأمم ومن كل الاجناس.
دولة اسبوع واحد!
واذا افترضنا لذي خيال واسع ان يتصور قيام دولة في هذا العصر على هذا النحو، وبمثل هذا الاسلوب من القهر والارغام، فان اوسع الناس خيالا لا يستطيع ان يتصور قيام هذه الدولة لاكثر من اسبوع او اسبوعين او شهر او شهرين.. ثم يجيء انقلاب آخر على يد ارهابي آخر اقل تطرفا من سابقه، واشد احتكاما الى المنطق الواقع دنياه، ولعله لا يعدم من النصوص الاسلامية التي يختطفها اختطافا من فم العلماء او من بطون الكتب- من غير تحر او تحقيق – فينقض ما ابرم صاحبه بالامس، ويحمل الدولة على تشريعات أخرى جديدة.. وهكذا تجيء دولة، وتذهب آخرى، دون سبب، وبغير مبرر، الا ان في يد القائمين على الحكم وسائل الموت والات الدمار، يقيمون بها ما يشاءون ويهدمون بها ما يشاءون.
تحت وصاية الارهاب
والفرض الثاني ان تكون الحكومة تحت وصاية الارهاب، ومع انني لا استطيع ان اتصور وجود حكومة محترمة تحت وصاية الارهاب فاني سأفترض وجودها مجرد افتراض لأقرر ان ذلك الرجل الذي سيتعامل مع الارهاب ستكون له قوة اخرى اشد سلطانا وامضى سلاحا واكثر عددا من قوة الارهاب، وفي هذه الحالة سوف يتنكر للارهاب وتحاول كل من القوتين ان تتربص بالاخرى وتقضي عليها، ومعنى ذلك ان الامة سوف تسبح في برك من الدم، وتعيش في جحيم من القلق والخوف والفزع، وهنا لا يستطيع أشد الناس تفاؤلا ان يتصور مصر الا وقد صرخ كل من فيها بقوات الاحتلال ان تعود اليه، قريرة بها عينه، طيبة بها نفسه، لتمنحه الطعام والأمن والاستقرار، ولكن الله جلت قدرته كان ارحم مما ظن المخبولون، وان الله لا يصلح عمل المفسدين.


ذات صلة