صراع السياسة وادباء العشرينيات

صراع السياسة وادباء العشرينيات

مصطفى علي
اديب ووزير راحل
في شهر ايار من سنة 1965 اطلعني الصديق جمال الالوسي على كتاب (الزهاوي وديوانه المفقود) فقرأته.
لايسعني الا ان اثني على جهد المؤلف الذي بذله في التتبع والاستقصاء، واخلاصه في التدقيق والتحقيق، وعلى ما اودع كتابه من نصوص تتعلق بحياة الزهاوي، وعلى ما ارهق به نفسه من البحث عن الديوان حتى وفق للظفر به، فاسدى للادب بطبعه واذاعته يدا بيضاء، وسد نقصا طالما تطلع اليه المتشوقون الى دراسة الشاعر.


لقد كان الزهاوي يذكر ديوانه هنا كثيراً، ويعدنا باننا سنطلع عليه بعد وفاته فنقف على آرائه الصريحه في الدين، والسياسة، والاجتماع، وما وراء الطبيعة. لانه يخشى اذا ما جاهر بها ان يعرض حياته لخطر الفتك بها.
وقد عنّت لي، وانا اقرا الكتاب، ملاحظات توضح جهات من حياة الشاعر تتعذر الاحاطة بها على غير من اطلع عليها في حياة الزهاوي، واتصل بصاحبها، وعرفه عن كتب، فاحببت ان اثبتها غير متنور. من ورائها، الا وجه الحق. ولا مبتغ سوى خدمة الادب. والا فما قصدت الى نقد الكتاب، ولا التعرض لاسلوب المؤلف ونهجه في الدراسة والبحث، والتصدي لآراء الزهاوي في نزعاته.
اتمنى للمؤلف ان تساعده الايام فيعيد طبع كتابه واذا ما اعاده فارجو ان يضيف اليه ثلاث فصول يكمل بها المنهاج في دراسة الزهاوي:
أولها، في حياته التي امضاها ثانيا وعينا. او الاقتصار على حياته في مجلس الاعيان اذا عسر عليه الاطلاع على حياته النيابية لبعد العهد بها، فقد كانت في أواخر العهد العثماني ويتعذر على الباحث ان يرجع الى محاضر المجلس، او الى زملائه يستنطقهم، لانهم كلهم رافدون معه في احضان الابدية.
وثانيها في المهاجاة بينه وبين الشيخ رضى الطالباني، واذا وجد المؤلف في نفسه حرجا ان يروي ذلك الشعر لايغاله في الافحاش، فالاكتفاء بالمامة بتلك الفترة، لانها جزء من حياة الزهاوي غير جديرة بالاهمال.
وثالثها، في مجلته (الاصابة)، ومنزلتها بين الصحف الادبية، وسبب اقدامه على اصدارها، والابحاث التي عالجتها، والشعر الذي نشرته.
وهناك فصل رابع في عبث الزهاوي بشعره، وتصرفه فيه، وهو مهم جداً، فيما ارى، ولعلني استطيع ان اعني المؤلف في هذا الباب، واكفيه مؤونة الرجوع الى الصحف التي نشر فيها الزهاوي شعره ابان نظمه، والوقوف على دواعي النظم وبواعثه، ثم النظ فيما احدث فيه من تغيير وتبديل. وليس هذا سهلا، ولا ميسوراً على من رامه، وابتغاه.
وها هي ذي ملاحظاتي الايضاحية:
1. في ص24 س4 قال المؤلف: (... ورفض ان يكون شاعرا للملك بمرتب.).
ان الديوان الملكي رشح الزهاوي لهذا العمل فاعتذر, وقد شاع انه في كتاب الاعتذار طلب ان يسند اليه منصب في الدولة يناسب مكانته كالمناصب التي اسندت الى زملائه واقرانه.
انا لم اطلع على الكتاب، ولا سمعت بان مسودته وجدت بين ما ترك الزهاوي في اوراق. ولو وجدت لأشرت لنا جوانب الحقيقة حول تلك الاشاعة، غير انني لا استبعد عنه هذا الطلب لانه كان راغبا كل الرغبة في ان يعين وزيرا للمعارف.
كان رئيس الديوان، يومئد، صديقه فهمي المدرس. وكان الزهاوي يعزو اليه سبب تأخره عن مناسب الدولة، ويعتقد ان في استطاعته ان يقدمه لو اراد. وهذا الذي انطقه ببيتيه معاتباً:
انا لو كنت بليدا فاز بالاسهار سهمي
انما اخرني اليوم عن الاقران فهمي
ان الزهاوي لم يكن في حياته محتاجا الى المال، ولا هو باعتذاره اظهر ترفعا واباء فاثر الفاقة على منصب يدر عليه ستمئة ربية في الشهر، لان الواقف على حياة الزهاوي يعرف انه قد اوتي سعة من المال. الا انه كان بخيلا جداً، وحريصا جداً، ولشدة بخله وحرصه، ولحبه الجم للمال سمعناه يشكو قطع رواتبه في مواطن من ترجمة حياته.
يدل على انه كان مرفها، حسن الحال في رغادة عيشه طوال حياته، وتمكنه من السفر الى مصر، وانفاقه هناك على طبع ديوانه، والجمل، ثم انفاقه على طبع ما ترجم من رباعيات الخيام وعلى ديوانيه اللباب والاوشال، وعلى اصداره مجلته (الاصابة).
واخر دليل اقيمه هو بناؤه داره في الشارع الذي سمي باسمه بعد وفاته. وكان مقتبطا بتلك الدار، يدل ببنائه اياها، ويفتخر حتى انه بعدما تم بناؤها وسكنها قال لزائريه ومهنئيه، انا انظم الشعر، والرصافي يقدر ان ينظم الشعر، وانا بنيت لي قصراً فهل يقدر ان يبني له قصراً؟
ولما بلغ الرصافي هذا التحدي قال: لا والله. لا اقدر.
2. في ص31 س 16 اشار المؤلف الى موقف الزهاوي من المندوب السامي.
ان الخبر لم يروه الا الزهاوي وحده. ولا اتذكر انني سمعته من احد سواه. وانا اشك في انه يملك من الشجاعة الادبية ما يجرئه على ان يقف ذلك الموقف والذي عرف الزهاوي، واطلع على الظروف التي احاطت به بعد الاحتلال البريطاني، والذي خبر الشاب النزق (اي تي ولسن) الحاكم الملكي العام لا المندوب السامي كا ورد في الكتاب. يؤيدني فيما ذهبت اليه.
ويعزز رأيي في الزهاوي استقباله (السر برسي كوكس) اول مندوب سام عرفه العراق، بخطة استهلها بهذين البيتين.
عد للعراق، واصلح منه ما فسدا،
واثبت به العدل، وامنح اهله الرغدا
الشعب فيه عليك اليوم معتمد
فيما يكون كما قد كان معتمدا
والخطبة نشرتها جريدة (الشرق) التي كان يصدرها ببغداد حسين افنان.
3. وفي ص39 س15 اشار المؤلف الى مساندة الزهاوي للنقيب، وانضمامه الى حزبه (الحر المعتدل).
واضيف الى اشارته انه مدح النقيب بقصيدة لم يثبت منه في ديوانه سوى مقدمتها، ومطلع القصيدة:
يا شعر انك انت صوت ضميري
ببديك حزني تارة، وسروري
(ديوان الزهاوي ص244)
وقد نشرت جريدة (دجلة) القصيدة كلها، فاقضى نشرها الى غضب الزهاوي.
4. قول المؤلف في ص45 س13: (.. ربما فكر في طبع..) هو الصواب، لان ما نشره رفائيل بطي عن الدواوين واسمائها تلقاه عن الزهاوي نفسه، فقد زاره في وفد من الشباب في صيف 1920 – على ما اذكر- وكنت احدهم، فرأينا الزهاوي قد اعد دواوينه، ووضعها في كيس من النسيج القطني الابيض (الخام)، ولما كتب رفائيل بطي فصلا ادبيا في وصف تلك الزيارة اشار الى الكيس فسماه (الكيس الشعري).
اما (الشذرات) فهو الاسم الذي اختاره الزهاوي لديوانه الرابع. وتسميته بـ(اللباب) كانت باقتراح طه الراوي مدير المطبوعات، اذ ذاك، كما ان الزهاوي كان عازما على ان يسمي ديوانه الخامس (الثمالة)، فلما طبعه في حياته سماه (الاوشال) واطلق (الثمالة) على ديوانه السادس الذي طبع بعد وفاته.
5. اهداء الزهاوء رباعياته الى (الاجيال الآتية.. الخ) الوارد في ص45 س18 صحيح كما رواه رفائيل بطي، الا ان قيام بيروت بطبعها حمله على العدول عن اهدائه الاول الى الاهداء الذي اثبته فيها.
6. كتاب التهديد الذي ارسل اليه غفلا من التوقيع بعد نشره دفاعه عن المرأة ارسله اليه اصدقاؤه عابثين هازلين، لانهم مطلعون على جبنه، عارفون بفزعه من ادنى ما يتصور فيه تهديدا لحياته. وقد علمت ان الكتاب كتب بخط عطاء الخطيب.
7. في الديوان المفقود اغلاط مطبعية، وابيات مسكورة الوزن. منه قوله في ص344.
عن سبيل الرشد حدت فارجعني الهي الى سبيل الرشاد
والصواب (عن سبل الرشاد) وقوله في الصفحة عينها:
تتلظى كأنها بركان
ثار من بعد هجعة ورقاد
ولايستقيم البيت الا اذا حركت راء (بركان)، وهكذ كنت اسمع الزهاوي يلفظ البركان (بفتح الباء والراء) على انه نظم (البركان) بسكون الراء فقال في ص351:
يغلي كبركان هناك ثائر مضطرم
وقوله : (.. كالاولاد) في ص345، اظن صوابه (.. كالاوراد)

نشرت في جريدة – البلد
الصادرة في 2/8/1965