نهرو  يشق المستقبل للهند الجدد

نهرو يشق المستقبل للهند الجدد

لما أعلنت الحكومة البريطانية نهاية حكمها الاستعماري للهند، تولى المؤتمر الهندي حكم البلاد، وكلف جواهر لال نهرو تأليف وزارة انتقال مهمتها وضع الدستور، ثم الاستقالة حتى يختار البرلمان المنتخب الوزارة الجديدة.


والهند قسمان او دولتان: دولة الهند التي يرأسها نهرو، ودولة باكستان التي يرأسها جنه او جناح. والاولى يبلغ سكانها نحو 280 مليونا. والثانية تبلغ نحو 80 مليونا.
ونحن نتحدث عن حكومة الهند فقط وليس عن باكستان. وقد وضعت اللجنة التي عينتها وزارة نهرو دستوراً كفل العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحرية التفكير والتعبير والعقيدة والعبادة والمساواة في الحقوق والفرص.
وقد ألغى هذا الدستور النجاسة وأصبح المنبوذون متساوين مع غيرهم في جميع الحقوق.
وتضم وزارة نهرو رجلا من المنبوذين هم الدكتور امبيد كار وزير العدل. وصعود احد المنبوذين الى كرسي الوزارة وثبة كبيرة جدا، لان المنبوذين كانوا ايام الانجليز معدودين من الانجاس الذين يجب التطهر من ظلالهم، اذا وقعت على احد الهنود.
وفي الوزارة ايضا وزيرة، وهي امرأة اشتغلت بالشؤون الاجتماعية.. وتعتبر الهند أول دولة شرقية عينت النساء وزيرات. ومع ان الصراع الدموي بين الهند والمسلمين لا يزال عالقا بالاذهان، فان نهرو عين ابا الكلام ازاد، وهو رجل مسلم له مكانة كبيرة، وزيرا في وزارة، ومندوب الهند في الامم المتحدة هندي مسيحي هو مهراج ستج.
ولم يحتضن دستور الهند دينا من الاديان، فالدولة بلا دين.
وللحكومة الهندية خطط ثلاث: اجتماعية واقتصادية وسياسية.
فاما الخطة الاجتماعية فتنطوي على الغاء النجاسة، اي انه لم يعد في الهند منبوذون ، وهم ستون الفا من الانفس. وكانوا قبل الدستور محرومين من التوظيف في الحكومة او الدخول في المعابد، بل كان الجمهور يتوقاهم. ولم يحاول الانجليز الغاء النجاسة باعتبار انها من التقاليد التي لا يتدخلون فيها.
وتنطوي هذه الخطة – على المساواة المطلقة بين الرجال والنساء ليس في حق التصويت والترشيح للانتخابات البرلمانية فقط، بل هو في الفرص الاقتصادية والتعليمية كذلك وقد نص على ان البنت ترث نصف مقدار ما يرثه اخوها من الاب.
ولكن الابن يرث نصف ما ترثه اخته من الام. ونص ايضا على منع تعدد الزوجات. ولكن هنا غموض يحتاج الى سؤال، هو ما شأن المسلمين الذين يعيشون في الهند؟ هل يحرمون من عدد الزوجات؟
اما الخطة الاقتصادية فتنطوي على احترام الملكية الفردية وعلى تشجيع الصناعات، وبخاصة الصناعات الثقيلة. فقد كانت الحكومة البريطانية الاستعمارية تعرقل تأسيس المصانع.
ولكن حكومة نهرو تقدم المعونات المالية لمصانعها وتحاول نقل الاقتصاديات الهندية من الاساس الزراعي الذي تقوم عليه الآن الى الاساس الزراعي الصناعي.
ومع انه قد نص على احترام الامتلاك الفردي، فان نهرو يدعو الى تأميم الصناعات الجديدة وهي الصناعات التي لا يمارسها الافراد او الشركات في الوقت الحاضر.
اما الخطة السياسية فتنطوي على ان تتجه الحكومة الهندية وجهة الموقف الوسط بين الانفرادية والاشتراكية فتؤيد الامتلاك الفردي في بعض الصناعات. ولكنها تؤمم الصناعات الكبرى مثل بناء البواخر وصنع الطائرات وادوات التليفون والبرق وجميع الصناعات الخاصة بالصلب او الفولاذ. وان كانت تعاون الفلاحين على الامتلاك الفردي وتحمي المالك الصغير والمستأجر من كبار المالكين ومن المستربحين بالربا والاحتكار .
والمعروف ان الحكومة الهندية ستقف موقف الحياد في الصراع القائم بين الولايات المتحدة الاميركية وبين روسيا السوفيتية، ولن تنضم الى احدى الكتلتين .
ورئيس وزارتها نهرو، رجل الثامنة والخمسين، وهو مسؤول معروف له كتب ترجمت الى نحو خمسين لغة من اللغات المتحدثة ولكن اروجها واكثرها انتشارا ترجمة حياته.
وقد كان اشتراكيا مغاليا، ولكن الان معتدل يقف في وسط الطريق وقد قضى نحو عشرين سنة في السجون الهندية ايام الحكم البريطاني لمواقفه ومجهوداته الوطنية. كما كان طول حياة غاندي ساعده الايمن والامين على تنفيذ خططه وتحقيق اهدافه.

الاثنين والدنيا /
أيـــار- 1948